Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يبدو قانون الصرف الجديد في تونس مخيبا للآمال؟

يصر محافظ "المركزي" على تضمنه "تسهيلات للمستثمرين" فيما يرى مراقبون أنه طارد للاستثمار

نفاذ التونسيين إلى الحسابات بالعملات ممكن لكنه مشروط ولن يكون في متناول الجميع (رويترز)

ملخص

قانون الصرف الجديد سيسمح بتحرير الدينار بصفة تدرجية

ذكر محافظ البنك المركزي التونسي أن قانون الصرف الجديد الذي سينشر قريباً سيحتوي على تسهيلات للمستثمرين والمؤسسات الناشئة بعدما تمت مراعاة طبيعة نشاط الشركات الموفرة للخدمات الرقمية التي عانت في السابق غياب الأطر القانونية، لكن عاد مروان العباسي ليلمح في الوقت ذاته إلى الاحتفاظ ببعض القيود بخصوص فتح الحسابات بالعملات من قبل التونسيين.

قال العباسي إن فتح حسابات بنكية بالعملات لكل التونسيين لن يكون بالسرعة المنتظرة، وعلل ذلك بالتزام "المركزي" التونسي بالمحافظة على مخزون العملات، بحكم أن تونس تواجه تحديات اقتصادية وأخطاراً. وأضاف أنه "تمت مراعاة مصالح المستثمرين والمؤسسات الراغبة في تدويل نشاطها بمساعدتها على فتح حسابات بالعملات، كما بذل القانون جهداً لدمج المؤسسات الناشطة في مجال الخدمات والتكنولوجيات في النسيج الاقتصادي وعدم مغادرتها تونس".

يأتي هذا بعد وعود سابقة بالانفتاح من قبل المحافظ الذي طمأن الشركات الناشئة بالقول إن "قانون الصرف الجديد يأخذ بعين الاعتبار تطورات التكنولوجيا الحديثة في التجارة الإلكترونية، بخاصة لدى الشباب".

وطال انتظار هذا القانون الذي كان المحافظ قد وعد بإصداره منذ شهر يونيو (حزيران) 2022، ويذكر أن الناشطين في القطاع الخاص عبروا عن ضرورة تغيير قانون الصرف في إطار دعم المعاملات المالية مع الخارج وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال ومواكبة التشريعات والتكنولوجيات المعتمدة في الاقتصاد الحديث.

المتخصصون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" في هذا الشأن بين واصفين لقانون الصرف المنتظر بالمخيب للآمال والمعطل للاستثمار والنمو وداعين إلى الاحتفاظ بالقوانين الحالية بالنظر إلى الانكماش الذي يشهده النمو وعدم توفر الأرضية الملائمة للتغيير والأخطار المحدقة.

نحو تحرير الدينار

وأوضحت مديرة عمليات الصرف بالبنك المركزي التونسي روضة بوقديدة أن نفاذ التونسيين إلى الحسابات بالعملات ممكن، لكنه مشروط، ولن يكون في متناول الجميع، وقالت إن تونس لم تبلغ المرحلة المناسبة لفتح المجال للجميع، وسيتم منح الأولوية للناشطين في عدد محدد من المهن، حتى يتمكنوا من تمويل استثمارات في الخارج واقتناء عقارات وتغطية النفقات الجارية.

وكشفت بوقديدة عن أن قانون الصرف الجديد سيسمح بتحرير الدينار بصفة تدرجية مع الأخذ بالاعتبار الظرف الاقتصادي الحالي، الذي وصفته بـ"المعقد".

وسيقدم القانون، كما تقول، تسهيلات من شأنها أن تحسن مناخ الأعمال في البلاد، إذ لن تكون المساهمة الأجنبية في رأس مال المؤسسات الناشطة في قطاعات غير مؤطرة بالقانون على غرار التكنولوجيات الحديثة خاضعة للترخيص من قبل البنك المركزي، مما اعتبرته تقدماً لتحفيز الاستثمار. وتضيف "كما تمت مراجعة مفهوم إقامة الأشخاص، بخاصة من الشباب ما يمكنهم من العمل من تونس والاستفادة من نفس مزايا الذين يعملون من الخارج، مما يمثل تقليصاً للصعوبات لدى الأشخاص الذين يعملون بصفة جزئية من بعد مع أطراف بالخارج".

وتلفت إلى أنه جرى اقتراح منح صفة "بشكل دائم" لغير المقيم من المستثمرين الأجانب في تونس، بهدف عدم أخذ طول فترة الإقامة بعين الاعتبار وتجنب إشكاليات الإقامة.

كما تحدثت بوقديدة عن حرص البنك المركزي على "الالتزامات البنكية" المتعلقة بالشركات غير المقيمة، وأنه في حال مصادقة الحكومة على القانون فإن "المركزي" سيحدد الشروط للبنوك المحلية للاضطلاع بالتزاماتها لصالح العملاء غير المقيمين بتونس.

وبخصوص مكافآت الحسابات الأجنبية بالعملات لأشخاص طبيعيين أو معنويين غير مقيمين، فإن القانون المنتظر سيفسح المجال للبنك وعميله لاتخاذ القرار بالنظر إلى أنها عملية تجارية قابلة للتفاوض، كما يتم التفاوض بحرية في شأن مكافآت الحسابات بالعملات، وكذلك الودائع لأجل والودائع تحت الطلب، بين البنوك وأصحاب الحسابات، وفق النسب في السوق، والأحكام المعمول بها، في تنظيم الأسواق المحلية بالعملة الأجنبية، كما تقول.

رقابة لصيقة

تأتي مراجعة منظومة الصرف في إطار تبسيط الإجراءات وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار ونمو الصادرات والادخار الوطني، بهدف الرفع في مستوى احتياطي العملات من خلال زيادة ثقة المدخرين والعملاء وإعادة الثقة للمستثمرين الأجانب، لكن ذلك بدا بطيئاً، وفق المتخصصين الذين اعتبروا النقاط المعلن عنها لا ترقى إلى مستوى التطوير وتنحسر في تغيير بعض الفصول في القانون السابق.

ويرى نائب رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة علي العبيدي أن ما كشف عنه لا يرفع العقبات أمام المستثمرين والصناعيين والتجار كما لا يواجه معضلة السوق السوداء للعملة.

ولا يجسد التحديث الذي وعدت به الحكومة لنظام الصرف الذي يمهد لمرحلة التحرير الكلي للمبادلات المالية مع الدول الأجنبية، كما يقول، في وقت يعاني فيه المتعاملون مع الأسواق الأجنبية في تونس من عوائق جمة بسبب عجزهم عن التعامل بالعملات وفتح حسابات بالعملة الأجنبية وتحديد المبالغ المالية القابلة للصرف في هذا المجال والرقابة اللصيقة على التوريد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يأتي القانون المرتقب من منظور العبيدي لمقاومة أشكال التوريد العشوائي وتبييض الأموال وإدراج تونس بالقائمة السوداء كجنة ضريبية، في حين تنمو السوق السوداء للعملات على نطاق واسع وتهدد الاقتصاد التونسي.

ويسير القانون الجديد نحو وضع قيود جديدة بحكم حصر قائمة المتمتعين بحسابات العملة الأجنبية في بعض الأنشطة الاقتصادية.

وذكر العبيدي أنه لا رجاء من قانون الصرف الجديد، فهو امتداد للقانون القديم "المتحجر" الذي أضر بالمؤسسات الصغرى، إذ يعجز القانون عن تطوير نشاط المعاملات المالية مع الخارج ولا يفسح المجال لتحريرها، ولا يراجع الإطار التشريعي المنظم لنشاط الصرف اليدوي لتوجيه قطاع الصرف بالسوق السوداء نحو المسالك الرسمية واستقطابها.

ويعتقد العبيدي أن التشريع المنتظر لا يحرر عمليات الاستثمار الأجنبي في تونس ولا استثمارات التونسيين الذين يعانون القيود المفروضة على حجم العملة والسلع الموردة، ومنها المواد الأولية، الأمر الذي يحول دون الرفع من مستوى الإنتاج، بالتالي النمو، كما يخلق قانون الصرف أشكالاً يخص الموارد المالية لأصحاب المؤسسات الناشئة المقيمين داخل تونس، مما يتسبب في مغادرتهم البلاد، الأمر الذي يحرم تونس من موارد مالية مهمة تمر عبر استثمارات خارجية أو التكنولوجيا الحديثة وما توفره من خدمات رقمية مدرة للعملات.

خطر محدق

من ناحية ثانية، رأى المتخصص المالي وسيم بن حسين أن قانون الصرف الحالي يحتاج فقط إلى بعض التنقيحات الضرورية على ألا يتجاوزها إلى التغيير الجذري، إذ لا يوفر أداء الاقتصاد التونسي الظروف المواتية لتطوير قوانين الصرف بما يعنيه من تحرير العمليات المالية والانفتاح.

ويهدد المسار المتوقع بما يحتويه من تحرير جزئي للعملة بانهيارها في ظل الصعوبات التي تعانيها وتراجع أسعار الصرف، إذ لا تتوفر الظروف الملائمة لتوسيع مساحة التعامل بالعملات والتخلي الجزئي عن رقابة البنك المركزي، وفق بن حسين.

ويضيف "لا يحتم المستوى الحالي لحجم الصادرات التونسية والاستثمارات الأجنبية الانفتاح، كما تغيب ثقافة التعامل مع الأخطار، مما يعزز الدور المهم الذي يلعبه البنك المركزي التونسي، وهو إدارة سوق العملات ومراقبتها بصفة لصيقة حتى يستعيد الاقتصاد التونسي عافيته ويحقق النمو الذي يرفع من مخزون العملات لديه".