حالت المنية دون أن يرى السياسي والوزير الأسبق عضو مجلس الشورى اليمني أحمد محمد عبدالملك الأصبحي المعالجات التي ابتدع كثيراً منها منذ بواكير عمله، عندما زاوج في نهجه المعرفي الممتد بين الطب والسياسة والأدب ببراعة مشهودة جعلت منه أحد أبرز الشخصيات الوطنية في تاريخ الفكر اليمني المعاصر.
عزاء لسيرة حاشدة
وفسر هذه الخسارة ذلك الحشد الكبير من التعازي والمرثيات التي تسابق قادة اليمن بمختلف تناقضاتهم وتياراتهم للتعبير عنها في رحيل السياسي والأديب الأكاديمي والطبيب المولود في محافظة تعز عام 1947، تقدمهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الذي بعث برقية عزاء ومواساة إلى المدير العام للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون إسكندر الأصبحي بوفاة شقيقه "الذي وافته المنية بعد حياة حافلة بالعطاء المشرف من أجل رفعة وطنه وشعبه وتقدمه"، بحسب قوله.
وأعرب العليمي عن "بالغ حزنه وخالص تعازيه برحيل المناضل الكبير الذي تصدر مسيرة التحول السياسي والديمقراطي والحركة الوطنية المخلصة للنظام الجمهوري، وقيم العدالة والمواطنة التي آمن بها حتى آخر رمق من حياته".
كما أبّنت الراحل شخصيات سياسية من كل الأطياف التي لا تكاد تتفق على أحد، فرثاه رؤساء مجلسي النواب والشورى والوزراء في الحكومة الشرعية، إضافة إلى رئيس المجلس السياسي للميليشيات الحوثية مهدي المشاط.
بين الطبابة والسياسة
وسبق أن تقلد الأصبحي عدداً من المناصب الحكومية الرفيعة تارة في مجاله العلمي الطب، وتارة أخرى في السياسة وما يتصل بفكره التنويري المتقد ومن بينها وزارات الخارجية والصحة والشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم ورئاسة جامعة صنعاء، وقبلها أمين سر اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام والأمين العام المساعد للشؤون السياسية والعلاقات الخارجية للحزب، كما عد من أبرز المسهمين في صياغة "الميثاق الوطني" الذي شكل المرجعية الفكرية والسياسية لحزب المؤتمر الذي أسسه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وله عدد من الكتب والمقالات الأدبية والطبية في الصحف المحلية والعربية، ولكونه طبيباً فقد ترأس المجلس الأعلى لاتحاد الأطباء العرب، ثم عضواً في مجلس الشورى حتى وفاته مساء أمس الثلاثاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الراهب يغادر محراب البلدة
وقد عبّر عن هذا الرحيل وما يمثله قطاع واسع من المثقفين والأدباء اليمنيين والكتاب والصحافيين الذين عاشوا حقبته أو الذين قرأوا له.
ويقول سفير اليمن لدى منظمة "يونيسكو" محمد جميح إن الراحل كان "ثروة علمية وفكرية وتاريخية وسياسية وأدبية متنوعة"، واعتبره "وريث مدرسة الإحياء التي كانت امتداداً لاجتهادات المقبلي وابن الأمير وابن الوزير والشوكاني وبقية الأعلام الذين انتمى إليهم علامة الاجتهاد العمراني، وورثها كثير منهم من قضى ومنهم من ينتظر، من أمثال عبدالعزيز المقالح وجارالله عمر وعلي محمد زيد وأحمد محمد الأصبحي الذي غادرنا نقياً بهياً راهباً في محراب تلك البلدة الطيبة".
ويخلص إلى أن الأصبحي "كان مدهشاً في ثرائه الفكري غزيراً في معلوماته التاريخية وضليعاً في خبرته الواسعة، وكان زاهداً متصوفاً نقي الروح جمهورياً فكراً وسلوكاً وثقافة".
ووصف الباحث السياسي ثابت الأحمدي الراحل بأنه "أحد الكبار المؤسسين للمؤتمر الشعبي العام وصائغ أدبياته التنظيمية والسياسية، والمهندس السياسي لمشروع سد مأرب ومؤلف مناهج الصحة المدرسية بعد يمننة المناهج"، واختتم بأنه "كبير من جيل الكبار".
مكتبة في زمن الانكسار
وتوج عطاء الأصبحي بسلسلة زاخرة من الكتب والإصدارات التي شكلت إضافة معرفية بارزة للمكتبة اليمنية، تنوعت بين الأدب والسياسية والفلسفة والطب، وأبرزها "أوراق في المشروع العربي" و"قراءة في تطور الفكر السياسي" (3 أجزاء)، و"دارفور.. الأزمة والحل" و"تداعيات رحالة في زمن الانكسار" و"واقع مستقبل العلاقات الأمنية بين الجمهورية اليمنية ودول مجلس التعاون الخليجي" و"من شواهد الإبداع في الحضارة اليمنية القديمة" و"الهمداني يطل من أورليان" و"حب في زمن البريسترويكا"، و"ماذا عن سبتة ومليلة؟" و"تجديد الحديث عن تاريخ الطب" و"فلسطين ومعركة سيف القدس" وغيرها.