Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مركز حيدر علييف الثقافي يثير الزوابع في وجه زها حديد ولكن لأسباب غير عمرانية

مبنى كالحلم يعيد عاصمة أذربيجان إلى عالم اليوم وحداثته ويقدم فنوناً كانت ملعونة

منظر عام لمركز علييف الثقافي في باكو (موقع المركز)

ملخص

فاز مركز حيدر علييف الثقافي بجائزة التصميم لعام 2014 على رغم الضجيج الذي أثير يومها في شأن سجل حقوق الإنسان

لم يكن مركز حيدر علييف الثقافي آخر مشروع نفذته العمرانية العراقية – البريطانية زها حديد (1950 – 2016)، لكنه سيكون، لا سيما بعد إنجازه كوصية جمالية وثقافية أخيرة لهذه المبدعة الكبيرة التي رحلت باكراً بعد أن زرعت أعمالها الرائعة حول العالم، واحداً من مشاريعها التي تسببت لها بأكبر قدر من الحزن في سنواتها الأخيرة. فعلى رغم أن حيدر علييف نفسه الذي سمي المركز باسمه كان قد رحل قبل سنوات من شروعها في العمل على المشروع بل حتى التفكير فيه. وعلى رغم أن المنظومة السوفياتية برمتها التي ارتبط بها ومارس ديكتاتوريته باسمها كانت قد اختفت قبل موته بسنوات طويلة، فإن هيئات ولوبيات عدة في أوروبا وأميركا هاجمت المركز وحاربته باسم الماضي لا أكثر ولا أقل. ومنها عديد من جمعيات "حقوق الإنسان" التي تجاهلت للمناسبة ما يرمز إليه هذا المركز من دخول جمهورية سوفياتية سابقة وبلد كان يعتبر دولة قمعية من طراز صاخب، عالم الحرية والحداثة من باب عريض بعد أن كان رمزاً للتخلف والانغلاق. ومن هنا لم تخف حديد مرارتها وهي تتحدث عن عديد من المناسبات التي كانت قد أقيمت بالفعل أو هي قيد الإقامة في بلد خرج لتوه من الانغلاق إلى الانفتاح. ويقال إنها صرخت ذات يوم غاضبة: "يبدو أن هؤلاء الناس لا يريدون لمثل هذه البلدان أن تعرف التقدم الحقيقي".

حرية مطلقة

والحال أن عمران المركز نفسه والحرية التي أعطيت للمعمارية الكبيرة في اللجوء إلى أقصى ما تتمناه من تجديدات أسلوبية في إقامة هذا المركز يمكن النظر إليهما بوصفهما دليلاً على انفتاح جديد على العالم بقدر ما كان الأمر بالنسبة إلى اختيارات العروض الفردية والجماعية. وفي النهاية يبدو أن أصوات الاحتجاج قد هدأت، لا سيما منذ أصرت مسابقة "يوروفيزيون" الغنائية الأوروبية العالمية على أن تقيم دورتها لعام 2016 في قاعات المركز رغم الاحتجاجات، لتنقلها محطات التلفزة إلى أربع زوايا العالم، ما وضع باكو مرة أخرى في قلب حداثة لم تكن متوقعة. ومهما يكن من أمر، يبقى أن الإنجاز الأكبر في هذا الصرح هو معماره نفسه كما أشرنا.


هندسة مدهشة

فمركز حيدر علييف عبارة عن مجمع مبان تبلغ مساحته 57500 متر مربع ويقع وسط المدينة في باكو عاصمة جمهورية أذربيجان صممته زها حديد، بعد أن ضمنت التنفيذ الحرفي لحلم عمراني قديم كان لا يكف عن مراودتها منذ بدايات اهتمامها بتشييد المراكز الثقافية – التي ظلت من كبار المتخصصين فيها حتى آخر حياتها. ومن هنا اشتهر المركز بهندسته المعمارية المميزة وأسلوبه المتدفق والمنحني الذي يتجنب الزوايا الحادة، وصمم بشكل يبدو معه المبنى كله ذا انسيابية ووحدة رغم مقاييسه الضخمة. ولقد سمي المركز على اسم حيدر علييف (1923-2003)، السكرتير الأول لجمهورية أذربيجان السوفياتية (1969 – 1982)، ثم رئيس جمهوريتها من أكتوبر (تشرين الأول) 1993 إلى أكتوبر 2003. أما بالنسبة إلى المركز نفسه فاختيرت حديد في عام 2007 كمهندسة تصميم له إثر فوزها في مسابقة عالمية أجريت لتلك الغاية شاركت فيها كبريات الشركات والمكاتب العالمية، من دون أن يثير ذلك أي لغط ولا أي تردد لدى تلك المكاتب.

اهتمام "ديسكوفري"

بشكل عام يضم المركز قاعة ضخمة للاحتفالات والمؤتمرات وقاعات عديدة للعرض ومتحفاً إضافة إلى العديد من الملحقات المترابطة. وهو يهدف بحسب ما جاء في حيثياته منذ البداية، كما تالياً بحسب ما سيجمع المشاركون في الحديث عنه بعد فترة من افتتاحه، خلال برنامج تلفزيوني بات شهيراً بعد ذلك، بثته قناة "ديسكوفري" التي لا يمكن الكلام عن تواطؤها مع أي ديكتاتورية في العالم، إلى لعب دور أساسي في الحياة الفكرية للمدينة.
ويقع المركز كما أشرنا بالقرب من وسط المدينة. وهو يلعب من خلال ذلك الموقع وقربه من المناطق السكنية والأسواق والمركز التجاري للمدينة بشكل أساس، دوراً محورياً في إعادة تطوير باكو من خلال تمكين المواطنين من زيارته ولو مشياً على الأقدام ليجدوا أنفسهم في قلب عالم ربما لم يكونوا يعرفون عنه شيئاً من قبل. ومن ناحيته التشكيلية يمثل مركز حيدر علييف شكلاً مائعاً يظهر من خلال طي التضاريس المترابطة للمناظر الطبيعية في إحاطتها بالوظائف الفردية المتوخاة من كل قسم من أقسام للمركز. واللافت هنا كيف يتم تمثيل جميع وظائف المركز، إلى جانب المداخل، بطيات في سطح واحد يتواصل من بدايته إلى نهايته في تكوين متكامل لعله يشكل مشهداً بديعاً إن نظر إليه من طائرة. ومن الواضح أن هذا الشكل المرن يمنح فرصة لربط المساحات الثقافية المختلفة مع تزويد كل عنصر من عناصر المركز بهويته وخصوصيته في الوقت ذاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اعتراف عالمي

وأقام مركز حيدر علييف حفل الافتتاح الرسمي في 10 مايو (أيار) 2012 الذي عقده الرئيس الحالي لأذربيجان إلهام علييف. ومنذ ذلك الافتتاح بات بناء المركز، باعتباره عملاً معمارياً معترفاً به دولياً، وعلامة بارزة على "تميز باكو الحديثة" نظراً لتصميمه المبتكر والمتطور. وهو الذي يمتد على ثماني طبقات، ويستوعب قاعة تتسع لألف مقعد، ومساحات عرض موقتة، ومركز مؤتمرات، وورش عمل، ومتحف. ومن المعروف أنه تم ترشيح المبنى لجوائز في عام 2013 في كل من مهرجان العمارة العالمي ومهرجان "إنسايد" الذي يقام مرة كل عامين (في عام 2014)، كما فاز المركز بجائزة التصميم لعام 2014 لمتحف التصميم على رغم الضجيج الذي أثير يومها في شأن سجل حقوق الإنسان. وجعل ذلك الفوز من زها حديد أول امرأة تنال الجائزة الأولى في تلك المسابقة.

تكريم لاحق لزها

أما في وسائل الإعلام فعرض واقع المبنى وأهميته كما نوهنا، في البرنامج التلفزيوني الوثائقي الذي بث على قناة "ديسكوفري" لتستعيده قناة "ساينس" ضمن الحلقة المعنونة "تحول أذربيجان المذهل" في أبريل (نيسان) 2011 كجزء من الموسم التاسع، كما شوهد المبنى في حلقة "غراند تور" بعنوان "البحر إلى البحر غير المالح"، حيث أشاد المقدم جيريمي كلاركسون بالمبنى كما بالسيدة زها حديد. وكذلك ظهر المبنى أيضاً على "بطاقة بريدية" عبرت عن مشاركة لافتة لأذربيجان في مسابقة "يوروفيزيون" للأغاني في عام 2016. وفي رسومات شعار "غوغل" المبتكرة في عام 2017، فاعتبر ظهوره هناك نوعاً من التكريم للمعمارية الكبيرة بعد عام من رحيلها.

وبات المستحيل ممكناً

ولعل في مقدورنا أن نعطي فكرة عن عروض المركز ونشاطاته إن أشرنا إلى أن واحداً من أول تلك النشاطات التي تلت الافتتاح كان المعرض الضخم الذي أقيم لأعمال الأميركي أندي وارهول بعنوان "الحياة والموت والجمال" حيث عرض لأول مرة في أذربيجان أكثر من 100 عمل للفنان من بينها صور له وأعمال مشهورة عالمياً. وفي عام 2017، فتح المركز أيضاً أبوابه لمعرض الفن التركي المعاصر، وهو عبارة عن مجموعة من القطع الفنية لفنانين أتراك مختلفين، ثم كان معرض روائع التاريخ في مايو 2019، حيث استضاف المركز معرض الروائع التاريخية الذي تضمن عديداً من القطع الأثرية القديمة من جورجيا وأذربيجان، كما تضمن المعرض مجموعة فوتوغرافية لدميتري يرماكوف، أحد المشاركين كمصور في الحرب الروسية العثمانية (1877 – 1878). وتلا ذلك معرض "النحت المفرط في واقعيته" الذي ضم منحوتات مشوهة ذات أبعاد غير عادية، وتماثيل أحادية اللون، وقطعاً تمثل أجزاء مختلفة من الجسم. أي بشكل عام ضم هذا المعرض أعمالاً كانت لسنوات خلت تعتبر من الفنون المنحطة. أما في المجال الموسيقي فلا بد من ذكر استعادة المركز لذكرى منشقين سابقين من طينة شوستاكوفيتش وروستروبوفيتش وأوستراخ، ناهيك بحفل خاص أقيم تحية لمهرجان فيينا المعروف بكونه احتفالاً دورياً بآل شتراوس وموسيقاهم وهي حفلة جرت استعادتها مرات عدة في القاعة الكبرى التي كانت بطاقاتها قد حجزت قبل أشهر عدة.

المزيد من ثقافة