ملخص
قائمة الشواطئ التونسية الملوثة والممنوع السباحة فيها تتسع كل عام، إذ ارتفع العدد من 17 شاطئاً في 2021 إلى 29 شاطئاً هذا العام
تتفاخر تونس بشواطئها الممتدة على طول 1300 كيلومتر من شمال البلاد إلى جنوبها، إذ تمزج تلك الشواطئ بين جمال المناطق الجبلية، وسحر نخيل الجنوب، ورمالها الذهبية التي تسر الناظرين.
وأعلنت السلطات التونسية، اليوم الجمعة، أن 29 شاطئاً باتت خارج الخدمة وتمنع فيها السباحة، بسبب التلوث البيئي، إذ تستأثر محافظة بن عروس (تونس الكبرى) وحدها بـ16 شاطئاً، بينما تتوزع بقية الشواطئ على مدن تونس العاصمة وقابس وسوسة وبنزرت.
وبات التلوث الصناعي ومياه الصرف الصحي يهددان منظومات بيئية كاملة، وتحولت الشواطئ من مورد رزق البحارة ومواقع للاستجمام والترفيه، إلى جحيم يهدد حياة الكائنات البحرية ويعكر مزاج السائحين، فيما أصبح الحوض الجنوبي لخليج تونس مصباً لمياه الصرف الصحي لمحافظة بن عروس بعدما كان في الماضي قبلة سياحية منذ زمن العثمانيين بسبب عيونه المائية العذبة.
صرخة فزع
وعلى رغم نداءات المجتمع المدني المدافع عن البيئة والحق في محيط نظيف، لم تتمكن السلطات من وضع حد لكابوس التلوث البحري، بخاصة أن قائمة الشواطئ الملوثة تتسع كل عام لتشمل شواطئاً جديدة، وارتفع العدد من 17 شاطئاً تمنع فيها السباحة في 2021، إلى 29 شاطئاً هذا العام.
ونظم سكان الضاحية الجنوبية للعاصمة سلسلة من التحركات الاحتجاجية من أجل وضع حد للتلوث الذي حرمهم من التمتع بكيلومترات من الشواطئ التي تمتد من مدينة رادس شمالاً حتى برج السدرية.
المتقاعد من وزارة الصحة وأحد سكان مدينة حمام الأنف كمال الطبوبي تحدث بكل حسرة عن أجواء المدينة صيفاً في الخمسينيات والستينيات وعن "الكورنيش"، الذي هجره أهل المدينة اليوم، بسبب الرائحة الكريهة المنبعثة من الشاطئ، واصفاً ما يحدث بـ"الجريمة في حق السكان".
رقابة مفقودة
من جهتها، أشارت رئيسة جمعية النهوض بثقافة البيئة ألفة المدب في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "الوضع كارثي لشواطئ محافظة بن عروس، ويمكن ملاحظة ومعاينة التلوث بالعين المجردة"، لافتة إلى أن "شواطئ الولاية أصبحت مصباً تسكب فيه جميع النفايات دون مراعاة للكائنات البحرية ولا سكان المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت المدب إلى أن "الحياة البحرية أصبحت مهددة، وتم القضاء على أنواع عدة من الكائنات البحرية"، مشيرة إلى "الربط العشوائي لعدد كبير من متساكني المنطقة مع وادي مليان الذي يصب في البحر، علاوة على أن المصانع تلقي بفضلاتها والمياه المستعملة في الوادي الذي يصب في البحر"، محذرة من "غياب الرقابة على سكان ومصانع المنطقة".
ودعت رئيسة جمعية النهوض بثقافة البيئة إلى "تغيير القوانين لأن الخطايا المالية لا يمكن أن تردع أصحاب المصانع التي لا تحترم المعايير المعمول بها"، مشددة على أن "السلطة لم تتفاعل مع كل التحركات الاحتجاجية، لأنها لا تملك حلولاً جذرية لهذه المعضلة".
تلوث متعدد
تعود قصة التلوث في محافظة بن عروس إلى أكثر من 30 عاماً، وتسببت في تضرر أكثر من 13 كيلومتراً من الشواطئ بسبب تعدد الملوثات، من بينها شاطئ رادس الذي يحتضن أكبر محطات توليد الكهرباء التي تستهلك كميات كبيرة من المياه يتم تصريفها مباشرة في البحر، كما أن وادي مليان، وهو من أكبر أودية تونس، ينطلق من محافظة زغوان ويصب في بحر رادس، وتلقي فيه المصانع مياهها الملوثة، إلى جانب تقاطع الوديان الصغيرة مع البحر جارفة كثيراً من ملوثات الإنتاج الزراعي والأسمدة.
وتعد بن عروس أكبر منطقة صناعية في تونس، لذلك تطالب ألفة المدب المؤسسات الصناعية في المنطقة، بـ"إيجاد حلول لتقليل أضرار أنشطتها على البحر والبيئة، عبر تطوير تقنيات تصريف المياه وتدويرها"، داعية الدولة إلى "تشديد الرقابة وفرض احترام المعايير البيئية من قبل المؤسسات الصناعية".
بؤرة الأمراض
وفي تقرير بعنوان "أي واقع بيئي في تونس اليوم، الحقوق البيئية بين الانتهاكات والنضالات اليومية"، لاحظ المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن "الديوان الوطني للتطهير المكلف إدارة خدمة الصرف الصحي ومقاومة كل مصادر التلوث البحري يظهر اليوم كفاعل رئيس في هذه الوضعية الكارثية المنجرة عن سكب مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر".
وذكر تقرير المنتدى أن "الشريط الساحلي التونسي يتعرض لتلوث متعدد يمثل كارثة بيئية ارتبطت خاصة بتدهور نوعية الماء، الذي تغير لونه، وأصبحت رائحته كريهة، وتحول إلى بؤر للبكتيريا المتسببة في انتشار الأمراض، إلى جانب انقراض عدد من الحيوانات البحرية"، مشيراً كذلك إلى "عدم اكتراث المؤسسات الصناعية بالمعايير والتعهدات الوطنية والدولية".
مسؤولية مشتركة
في المقابل، ينفي الديوان الوطني للتطهير أن يكون هو المسؤول الوحيد عن تلوث عدد من الشواطئ، حيث أشار المدير العام السابق للديوان الحبيب عمران إلى أن "الحوض الساكب لوادي مليان يضم مناطق سكنية عدة، تصب جميعها مياه غسيل شرفات المنازل وواجهاتها في بالوعات مياه الأمطار، ومنها إلى الأودية مثل وادي مليان ووادي بوخامسة، وكذلك وادي القصب ووادي الطرابلسي، وجميعها تلقى بعد ذلك في البحر".
ولفت عمران إلى "الاستعمال المكثف للسماد الفلاحي مثل الأمونيتر في المساحات الزراعية الكبرى في حوض وادي مليان، والتي تحملها مياه السيلان عند هطول الأمطار لتصب مباشرة في البحر".
تنظيف آلي
بدوره أوضح رئيس مشروع التنظيف الآلي للشواطئ بوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي نبيل مختار أن "الوكالة تقوم بعملية تنظيف إلى للشواطئ التي تحددها الجهات المتداخلة منذ عام 1999"، منوهاً بالقيام بتنظيف 133 شاطئاً على طول الشريط الساحلي هذا العام، من خلال غربلة رمال الشواطئ، وهي الأكثر ارتياداً من قبل المصطافين"، لافتاً إلى أنه "يتم تنظيفها طوال العام".
وبخصوص الشواطئ التي منعت فيها السباحة أكد نبيل مختار أن "الوكالة لا تتولى تنظيفها، لأنها مصبات للأودية وهي نقاط ملوثة"، داعياً المصطافين إلى عدم ارتيادها".
توجهات بيئية
وأفاد مدير إدارة حفظ الصحة والوسط وحماية المحيط، بوزارة الصحة التونسية، سمير الورغمي، أنه "تم القيام هذا العامة بـ500 تحليل من طريق منظومة إعلامية تخص 539 شاطئاً، وتبين أن ستة في المئة من الشواطئ التونسية ممنوع فيها السباحة، بينما 71 في المئة منها تحتوي على نوعية مياه حسنة"، مضيفاً أنه "يتم القيام بعملية جرد لتلوث مياه البحر بهذه الشواطئ من خلال رفع عينات لتحليلها طبقاً لإرشادات منظمة الصحة العالمية".
ووضعت وزارة البيئة جملة من التوجهات اللاستراتيجية للفترة المقبلة (2023-2025) ترتكز على "ترسيخ استدامة التنمية والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتحسين جودة الحياة، ومقاومة التلوث، وصون المنظومات البيئية".
ومن المتوقع أن تتطور ميزانية وزارة البيئة بنسبة ثمانية في المئة خلال 2024، وأربعة في المئة عام 2025، من أجل مقاومة كل أشكال التلوث، وتحسين إطار الحياة من خلال الارتقاء بجودة خدمات التطهير وتطوير التصرف في النفايات، فهل سيتغير حال الشواطئ التونسية مستقبلاً، أم ستشمل قائمة المنع من السباحة شواطئاً إضافية؟
معضلة تلوث الشواطئ في تونس تعود أيضاً إلى تعدد الجهات المتداخلة من بلديات ووكالة حماية الشريط الساحلي ووزارة البيئة ووزارة الصحة، مما يدعو إلى ضرورة توحيدها في هيكل واحد تكون له صلاحية ردع المخالفين للمعايير المعمول بها في مجال البيئة وصونها.