Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يقترب العنف في السودان من الحرب الأهلية؟

مؤشرات خطرة لدعوة البرهان الشباب لحمل السلاح والقتال إلى جوار الجيش

فلول النظام البائد يمارسون ضغوطاً على الجيش السوداني ويطالبون البرهان بتجنيد الشباب للانخراط في الحرب (أ ف ب)

ملخص

نقاشات تدور حالياً حول ضعف واضح يعانيه الجيش السوداني من خلال معطيات كثيرة خلال وقائع هذه الحرب تتمثل في استيلاء "الدعم السريع" –حتى الآن– على كثير من المقار الاستراتيجية للجيش مثل المجمع الصناعي، وعديد من المعسكرات في الخرطوم.

بعد الدعوة الرسمية التي وجهها قائد الجيش السوداني إلى الشباب خصوصاً، وإلى كل من كان قادراً على حمل السلاح، الأسبوع الماضي، عبر خطاب متلفز في القناة الرسمية لتلفزيون البلاد، تدخل الحرب بين القوات المسلحة و"الدعم السريع" منعطفات خطرة، لا سيما بعد سقوط معسكر قوات الاحتياطي المركزي على يد قوات حميدتي قبل أيام.

ثمة مؤشرات خطرة لهذه الدعوة الصريحة التي أطلقها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورسائل عديدة يكشف عنها مضمونها من خلال السياق الذي مرت به الحرب بين الطرفين وهي تدخل شهرها الثالث.

حقيقتان مؤلمتان

ففيما تبدو هناك شبه قناعة تتعزز يومياً في نقاشات السودانيين الدائرة حول هذه الحرب، مفادها أن ضعفاً واضحاً يعانيه الجيش، من خلال معطيات كثيرة خلال وقائع هذه الحرب، تمثلت في استيلاء الدعم السريع -حتى الآن– على كثير من المقار الاستراتيجية للجيش مثل المجمع الصناعي، وعديد من المعسكرات في الخرطوم، إلى جانب بعض المقار الاستراتيجية كالقصر الجمهوري وجزء كبير من مقر القيادة العامة للجيش، علاوة على مبنى الإذاعة والتلفزيون، تبدو حقيقتان أظهرتهما الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحقيقة الأولى ترتبط بأنه لم تكن هناك جاهزية لهذا الجيش "أو أن هناك كثيرين من كبار ضباطه وقادته وجزء من أقسامه لم يكن على علم بتوقيت الحرب التي اندلعت 15 أبريل (نيسان) الماضي، بدليل وقوع المئات من كبار ضباط الجيش في الأسر منذ الأيام الأولى من المعارك".

أما الحقيقة الثانية، فهي أن هذا الجيش ومن خلال جرعات من التسييس والأدلجة التي مارسها الإسلاميون منذ استيلائهم على السلطة بانقلاب البشير– الترابي في عام 1989 بدا واضحاً أنه جيش لا تعكس عقيدته القتالية تأويلاً حقيقياً لوظيفته في أن يكون جيشاً مهمته، الدفاع عن حدود الوطن وحماية الدستور والاستقرار.

صورة معكوسة

اليوم، وبعد أكثر من شهرين بدا واضحاً أن عجز الجيش عن مقاومة ضغط "الدعم السريع" هو سر هذه الدعوة التي وجهها قائد الجيش للشباب بحمل السلاح، وهي دعوة ظهر معها المنطق معكوساً، ذلك أن حماية الجيش للمدنيين هي المهمة الأولى التي تبرر شرعيته، لكن وفق الدعوة الجديدة هذه يدعو الشعب –بصورة من الصور– إلى حمايته هو والقتال إلى جانبه.

وفيما يخرج الناس من الخرطوم التي غادرها نحو مليوني نازح إلى داخل الولايات السودانية، ولجأ أكثر من 500 ألف إلى دول الجوار منذ بدء الحرب، كيف يمكن فهم هذه الدعوة من طرف البرهان إلى تسليح الشباب في هذا التوقيت؟

تعني هذه الدعوة نقطة البداية لتحول الحرب من عنف سياسي، حتى الآن في الخرطوم، إلى بدايات حرب أهلية، في ظل محاذير من أن تكون هناك دعوة من طرف الدعم السريع أيضاً إلى تجنيد حواضنه الاجتماعية ومكوناته الإثنية في دارفور التي ربما كان هو الإقليم الذي تأثر كثيراً بالحرب في الخرطوم.

وسرعان ما بدأت ملامح للاصطفاف الأهلي والمناطقي والولائي على خلفية دعوة البرهان لانخراط المدنيين في الحرب وحمل السلاح، حيث رأينا إعلاناً واضحاً نشرته وسائط الأنباء بانحياز قبائل عرب جنوب دارفور إلى "قوات الدعم السريع" بعد أيام من دعوة قائد الجيش، وسط أنباء عن معسكرات تدريب تنظمها مراكز قوى متحالفة مع الجيش لبعض قبائل شرق السودان.

دعوة البرهان تأتي في ظل رفض الجيش لكثير من المبادرات كمبادرة رباعية "إيغاد" وكذلك اعتراضه على بعض مقترحات الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة، إلى جانب المطالبة الغريبة من البرهان مثل اعتراضه على رئاسة فولكر بيرتس رئيس البعثة الأممية المتكاملة في السودان، في توقيت تعطلت فيه المهام السياسية لتلك البعثة منذ الحرب.

كل ذلك على رغم من أن البرهان كقائد للجيش كان قد وقع على الاتفاق الإطاري بمحض إرادته، وهو الاتفاق الذي سهلت الوصول إليه البعثة الأممية المتكاملة للسودان بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد".

دور الفلول

المراقب لنشاط فلول النظام البائد على "فيسبوك" يلاحظ كثيراً من الضغوط التي ظل يمارسها أولئك الناشطون والمؤثرون على الجيش، حيث كانوا يوجهون للقوات المسلحة وقائدها الفريق أول عبدالفتاح البرهان بصفة خاصة، دعوات ملحة في نقاشاتهم تلك، إلى تجنيد الشباب للانخراط في الحرب كظهير للجيش.

يدل على ذلك أن ناشطي "فيسبوك" من أنصار النظام البائد كانوا هم من دعوا إلى ما سموها "جمعة الغضب"، الأسبوع الماضي، واستنفروا فيها المدنيين بالخرطوم للتظاهر في عز أيام القتال، ويبدو أن تلك الدعوة لما سمي "جمعة الغضب" كانت تمهيداً لما خرج به البرهان على جماهير الشعب السوداني طالباً من الشباب ومن كل من يستطيع حمل السلاح القتال إلى جانب الجيش في مواجهة "قوات الدعم السريع".

ربما كان هذا التماهي الذي كشفت عنه عديد من التوافقات بين نشاط فلول النظام في السوشيال ميديا، واستجابات الجيش لبعض مطالباتهم ما يدل على مؤثر ثالث تنعكس ردود فعله واضحة على احتمال لوجود أكثر من مركز قيادة في الجيش، وأن ثمة جهات أخرى داعمة لتوجهات الإسلاميين تقاتل في صوف الجيش.

 بحسب ما أوردت وكالة "رويترز"، في تقرير لها بالإنجليزية، نشر أول أيام عيد الأضحى فإن هناك "الآلاف من الذين عملوا في جهاز الأمن والاستخبارات الوطني السوداني في عهد الرئيس السابق عمر البشير، لديهم صلات بالتيار الإسلامي، يقاتلون إلى جانب الجيش في الصراع السوداني". وقال مسؤول عسكري مطلع على عمليات الجيش، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "نحو ستة آلاف عنصر من الاستخبارات انضموا إلى الجيش قبل الصراع بعدة أسابيع".

تتجه الحرب اليوم بعد هذه الدعوة الصريحة من قبل "البرهان" للشباب إلى حمل السلاح والقتال إلى جانب الجيش، نحو فصل جديد لا يمكن استبعاد معه الدخول في مناخ الحرب الأهلية، لأن ما كنا نشاهده من حشود قبلية مناصرة في نفرات كانت تنفذها القبائل في عديد من مناطق السودان هو فعل معروف كانت تنظمه آليات إدارة الحشود في حزب المؤتمر الوطني إبان مرحلة النظام السابق، كما كنا نشهد طرفاً منه إبان حراك الثورة المضادة طوال فترة الحكومة الانتقالية المغدورة إبان رئاسة عبدالله حمدوك لحكومة الثورة.

إن ما ينادي به البرهان اليوم من تسليح للشباب كان قبل ذلك بالون اختبار تم إطلاقه في وسائل التواصل الاجتماعي من طرف فلول النظام السابق عبر سرديتهم للحرب التي مارسوا فيها ما يشبه المكارثية لإرهاب أصوات المخالفين الذين ظلوا يعارضون المعارك، أو الذين حاولوا فهم الأسباب الزمنية لها والمبررات السياسية لشنها.

آثار خطرة

دعوة البرهان تبعث برسائل سلبية للخارج لأنها في اعتبار كثير من تلك الدوائر، محاولة لتأبيد الصراع بين طرفين أحدهما خير والآخر شرير، فضلاً عن كونها خلطاً للأوراق التي يمكن أن تمسك بها السياسة الإقليمية والدولية للخروج من مأزق الحرب.

وإذا ما بدا اليوم أن كلاً من طرفي الصراع أكثر اغتراباً في هذه الحرب، من خلال إرادة الإفناء المتبادل، وهو إفناء مستحيل، فإن الذي يغيب عنهما، أنه كلما اقتربت الحرب من محطة الصراع الأهلي والإثني كانت أكثر تعقيداً ووحشية واستعصاء أمام الحلول، وأبعد عن أي عقلنة ممكنة لرد أسباب الحرب إلى طبيعتها السياسية، علاوة على أن المعالجات التي سيضعها المجتمع الدولي لاحتواء الحرب الأهلية هي بمثابة معالجات ستطلق يده للتصرف بكثير مما كان يمكن كفه عنه متى ما كانت هناك إرادة سياسية للمتحاربين ورؤية عقلانية لطبيعة الحرب الجارية.

لقد أقدم الفريق عبدالفتاح البرهان بدعوته لانخراط الشباب القادرين على حمل السلاح في الحرب مع الجيش ضد "الدعم السريع" على ركوب طريق وعرة وسكة صعبة، وهي في تقديرنا دعوة تضمر ضعفاً بدا عليه الجيش السوداني اليوم أكثر من أي يوم مضى، وبطريقة تؤكد لكل مراقب، الآثار الخطرة التي تحدث حين يتم تسييس مؤسسات سيادية –كالجيش- من شأنها أن تظل مؤسسات قومية غير قابلة للانقسام إلا على الوطن.

وفي تقديرنا أنه ربما لا يستجيب كثيرون للدعوة التي أطلقها البرهان، فيوميات الحرب وسيناريوهاتها الجهنمية كشفت لكثيرين من السودانيين عن عبثيتها، وهي عبثية ذكرها البرهان ذاته في أحد حواراته مع قناة فضائية، فكيف يمكن أن يتطوع الشباب بحمل السلاح إلى جانب جيش ظلوا يشاهدون باستمرار طبيعة أدائه الضعيف في مجريات هذه الحرب؟  

المزيد من تقارير