Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكنيسة الإثيوبية تعتذر من شعب تيغراي وآباء أكسوم يعتبرون أن الأوان فات

سكرتير الإرشاد الروحي في الإقليم وصف موقف الجهة الروحية بـ"القاصر" الذي لا يتناسب وحجم الفظائع

بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية أبونا ماتياس (مواقع التواصل)

ملخص

شارك الآباء في عيد الصليب وصرحوا بأنهم يفضلون أن يحكمهم الشيطان بدلاً من عودة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، داعين إلى تخليص البلاد من شرور هذه المجموعة العرقية

في خطوة وصفها مراقبون للشأن الإثيوبي بأنها "جاءت بعد فوات الأوان"، أصدرت كنيسة التوحيد الإثيوبية الأرثوذكسية بيان اعتذار إلى شعب تيغراي، على ما قالت إنه تقصير من جهتها تجاه أتباعها ورعاياها في الإقليم، وكنيستهم "مريام صهيون" في مدينة أكسوم.

وقال البيان الذي وقع عليه السينودوس الأعلى للكنيسة، "لم نقم بما يجب علينا القيام به لحماية أتباعنا وكهنتنا في الإقليم الشمالي للبلاد"، مضيفاً "لأن الاعتذار من تعاليم كنيستنا تاريخياً، فإننا نقدم اعتذارنا من هذا التقصير، ونعلن ندمنا على الموقف الذي وجدنا أنفسنا فيه خلال الأعوام الثلاثة الماضية"، في إشارة إلى فترة الحرب التي جرت بين "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" والجيش النظامي الإثيوبي، إذ اتخذت الكنيسة الأم في أديس أبابا موقفاً مؤيداً لرئيس الوزراء آبي أحمد.

ويأتي هذا الاعتذار بعد جملة من الأحداث التي شهدتها الكنيسة الأرثوذكسية من بينها إعلان كنيسة تيغراي استقلاليتها عن الكنيسة الأم وشروعها في تنصيب القساوسة والكهنة بشكل مستقل بعيداً من أديس أبابا، مما استدعى محاولة الحفاظ على وحدة الكنيسة التي استقلت عن الكنيسة المصرية عام 1959 وحافظت على وحدتها على مدى سبعة عقود.

كما يأتي هذا التطور بعد أزمة شهدتها الكنيسة في إقليم أوروميا، حيث انشق عدد من الآباء عن الكنيسة الأم وحاولوا تشكيل مجلس كنسي، أدى إلى عزلهم واستتابتهم لاحقاً.

ردود أولى

الاعتذار الرسمي المقدم إلى كنيسة أكسوم ورعاياها لم يحظ باهتمام كبير من قبل الأخيرة التي لم تصدر أي بيان رسمي مقابل، سواء بقبوله أو رفضه، إلا أن عضو المجمع الكنسي في أكسوم وسكرتير الإرشاد الروحي الأب تسفاي تولدي أجرى حواراً صحافياً مع قسم اللغة التيغرانية في الإذاعة البريطانية، أكد خلاله أن "الاعتذار لا يتناسب وحجم الدور الذي لعبته الكنيسة وما أسهمت به بشكل غير مباشر في استمرار معاناة التيغراويين وما لحق بهم من موت ونزوح". 

وقال إن "الاعتذار من حيث المبدأ أمر جيد لجهة أنه يكشف عن حجم الجريمة التي أسهمت فيها الكنيسة بقدر معين، في إعلان الحرب على المدنيين التيغراويين، وكذلك استمرارها لأمد طويل تجاوز العامين، إلا أنه دون المستوى المطلوب، مقارنة بالفظائع التي ارتكبت لا سيما في دور العبادة، بما فيها تلك التي لحقت بالكهنة والآباء الروحيين".

وأضاف "تاريخ كنيسة التوحيد الأرثوذكسية يشهد بأنها كنسية تعلي من قيمة الاعتذار والاعتراف والعفو، لكن ذلك ينبغي أن يحدد بضوابط دينية، لعل أهمها الاعتراف الصريح بحجم تلك الأدوار وكذلك ما يتطلبه ذلك من تعويض للضحايا".

وأكد أن "هذا الاعتذار قاصر ومتأخر جداً، فقد مضى أكثر من ثمانية أشهر على توقيع اتفاق السلام"، منوهاً بأن "ثمة أسباباً دفعت كنيسة أديس أبابا الآن إلى تقديمه"، وشكك المتحدث في أن يكون الموقف نابعاً عن نية حقيقية لتصحيح المسار الذي أقحمت فيه الكنيسة نفسها كطرف في النزاع. 

وأشار إلى أن الأسباب السياسية التي دفعت الكنيسة إلى موالاة الحكومة المركزية عام 2020، هي ذاتها التي تدفعها الآن إلى الاعتذار.

وقدر عضو المجمع الكنسي في أكسوم الموقف بالقول "الأمر لا يتعلق بخصومة أو خلاف عابر، إذ إن دور آباء الكنيسة في أديس أبابا تجاوز المعقول، فأسهموا في جمع المال والمؤونة لدعم الحرب، بل إن بعضهم شارك في الصفوف الأولية لدعم الحرب وتحفيز الجنود، إمعاناً في إعطاء شرعية دينية لتلك المعارك"، وأشار إلى أن أعضاء من المجمع الكنسي انتقلوا إلى مناطق عدة في إقليم الأمهرة لدفع الشباب للانضمام إلى الجيش، منوهاً بأن هناك تسجيلات فيديو تظهر ذلك في منطقة ماري قوس، حيث شارك آباء محسوبون على المجمع الكنسي الإثيوبي في حملات دعم الجيش عبر استخدام وظيفتهم الروحية.

كذلك في منطقة جنوب قوندر، شارك الآباء في عيد الصليب، وصرحوا بأنهم يفضلون أن يحكمهم الشيطان، بدلاً من عودة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، داعين إلى تخليص البلاد من شرور هذه المجموعة العرقية التي وصفوها بـ"الأقلية الشريرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى تولدي أن "أبرز تلك المواقف وأكثرها أثراً يتعلق بتحول المجمع الكنسي الأرثوذكسي كخادم لآلة الحرب، بحيث ابتعثت الكنيسة وفداً يضم 11 من الآباء إلى البيت الأبيض في واشنطن، للحصول على دعم أميركي لحكومة أديس أبابا في حربها المعلنة ضد شعبنا".

ويؤكد أن "كل هذه الأدوار التي أسهمت فيها الكنيسة بشكل مباشر، كان لها نصيب كبير في استمرار الحرب ووقوع فظائع، بالتالي لا يمكن محوها بمجرد صدور بيان اعتذار"، بخاصة أن ثمة جهوداً كانت بذلت لإثناء الكنيسة عن هذا المسار، على رأسها موقف عضو المجمع الكنسي الأعلى الأب ماتيوس الذي أصدر بياناً واضحاً أثناء الحرب وطالب بوقفها لأنها تبيد المؤمنين من الطرفين، إلا أن رد الكنيسة جاء على لسان سكرتير السينودوس البطريرك حينها الأب يوسف الذي اعتبر بيان ماتيوس "موقفاً شخصياً لا يعبر عن الكنيسة ولا قيادتها"، مما يعني، بحسب تولدي، أن النية كانت مبيتة لإبادة التيغراويين وأن الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية حسمت أمرها بعلم ودراية، "مما يصعب علينا قبول اعتذارها الآن". 

وختم الأب تولدي قائلاً، "هذا الاعتذار يعد عملاً تكتيكياً ببعد سياسي وليس اعتذاراً ينم عن ندم ورغبة في الاعتراف الروحي لما حدث في تيغراي لأن الكنيسة الآن تعاني مشكلات وانشقاقات في أقاليم عدة، بالتالي تحاول لملمة الأمر".

كنيسة الدولة

بدوره رأى الصحافي الإثيوبي المتخصص في شؤون الكنيسة الأرثوذكسية تادلي يعقوب أن "اصطفاف الكنيسة إلى جانب موقف الدولة ليس جديداً، فتاريخياً ظلت كنيسة التوحيد الإثيوبية معبراً عن سياسات الدولة، إذ إن الملوك الأحباش ظلوا يعتمدون عليها في تثبيت أركان حكمهم وفي تسويق سياساتهم، كما ظل منصب الملك حتى منتصف السبعينيات مرتبطاً بكونه راعي الكنيسة".

كما لم يختلف الأمر كثيراً حتى بعد وصول النظام الشيوعي إلى الحكم في أديس أبابا في 1974، إذ استمر دور الكنيسة في دعم سياساته، على رغم الفوارق الكبيرة التي حدثت في رؤية النظام لدور المؤسسات الدينية.

 

وأضاف يعقوب أن "الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة ظلت تعتبر الكنيسة جزءاً من مؤسسات الدولة وتعتمد عليها كقوة روحية ناعمة، سواء في أعوام السلم أو الحرب"، مؤكداً دورها الفاعل في الحرب الحدودية بين إريتريا وإثيوبيا في الفترة من 1998 إلى 2000، مما دفع الكنيسة الأرثوذكسية الإريترية إلى فك ارتباطها الروحي بأديس أبابا وذهابها إلى الكنيسة القبطية في مصر.

وفي قراءته للأزمة الراهنة يقول يعقوب إن "الأمر مختلف قليلاً، بخاصة أن كنيسة أكسوم تعد أولى الكنائس الشرقية التي اعتمدت المسيحية ديناً رسمياً للدولة في القرن الرابع الميلادي، وتاريخ الأرثوذكسية في الحبشة مرتبط بها، بالتالي لا يمكن التخلي بيسر عن هذا البعد التاريخي". 

ويرى أن هذا التاريخ هو الذي دفع الملك منيليك الثاني إلى التمسك بتيغراي كجزء من إثيوبيا، وهذا ما يبرر قيادته للحرب ضد إيطاليا في موقعة عدوة، إذ إن خسارة تيغراي كانت تعني خسارة هذا التاريخ العتيد للكنيسة الأرثوذكسية في أكسوم.

الحلول الممكنة 

وحول رفض كنيسة أكسوم لاعتذار الكنيسة الأم، يقول يعقوب إن "ذلك عائد لأسباب، أهمها أن الجروح لم تندمل بعد، فضلاً عن أن صيغة الاعتذار لم تكن بحجم الموقف"، مستدركاً "قد يتطلب الأمر انتقال المجمع الكنسي بكامل أعضائه نحو تيغراي وتقديم الاعتذار وفقاً للأعراف الكنسية، بما يتناسب مع الاعتراف وجبر الضرر، وهذا الموقف قد يكون مرضياً لآباء الكنيسة في أكسوم، كما عبروا عنه مراراً". 

ولا يرى يعقوب أن ثمة إشكالية في حدوث هذ الأمر حفاظاً على وحدة الكنيسة التي يتبعها أكثر من 45 مليون إثيوبي وتعد المعبر الروحي الرسمي للدولة الإثيوبية.

ويتوقع أن تدعم إدارة آبي أحمد هذا التوجه، تحقيقاً لمصالحها السياسية، بخاصة بعد تمكنها من توقيع اتفاق السلام مع قادة الجبهة وتكريمها لهم في احتفالات وطنية. 

من جهة أخرى يطرح هذ الموقف، بحسب يعقوب، سؤال الدين والدولة وما إذا كانت البلاد بحاجة إلى سلطة روحية مستقلة تحظى باحترام الجميع، مؤكداً أن "هناك آباء أعضاء في المجمع الكنسي أعربوا عن رفضهم لموقف الكنيسة من الحرب في تيغراي، وهم يرون ضرورة أن تتحلى المؤسسة الدينية الأكبر في البلاد باستقلاليتها وسلطتها الروحية بعيداً من كونها جزءاً من سلطة الدولة وأدواتها الناعمة".

وينوه بأن "المؤسسة الرسمية الإثيوبية ظلت تعلن عن استقلالية المؤسسات الدينية وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الديانات، لكنها تلجأ إلى كنيسة التوحيد دوماً عند إعلان الحروب أو عقد اتفاقات السلام خدمة لسياساتها المرحلية".

المزيد من تقارير