Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تخوض السنغال انتخابات 2024؟

التوازن الحرج بين شعبية سونكو ومتطلبات الدولة العميقة المنتمية إلى النفوذ الفرنسي قد تجعل إدريس سيك المرشح المنتظر

أنباء عن نية الرئيس السنغالي الحالي ماكي سال الترشح لولاية ثالثة (أ ف ب)

ملخص

السنغال نموذج أفريقي نادر إذ تعرف بكونها نموذجاً للاستقرار والتداول السلمي للسلطة طيلة 60 عاماً أعقبت استقلالها لكن هذا الأمر تغير منذ أن جرت الانتخابات التشريعية خلال يوليو 2022.

فرضت السنغال نفسها على المشهد العالمي أخيراً بعد احتجاجات دموية سقط فيها ما يزيد على 20 ضحية، وأعمال شغب وحرق في العاصمة داكار، لم تكن الأولى من نوعها، أعقبها تأكيد الرئيس الحالي ماكي سال أنه لن يتقدم لولاية رئاسية ثالثة، فرحبت المعارضة، وسكن الشارع السياسي، وصعدت الأسئلة في شأن المسار المتوقع للانتخابات السنغالية المقررة العام المقبل طبقاً لمشهد راهن يتصاعد فيه التنافس السياسي بأدوات محلية ودولية معاً.

ملامح المعركة الانتخابية

بداية، يجب الإقرار أن السنغال نموذج أفريقي نادر، إذ تعرف بكونها نموذجاً للاستقرار والتداول السلمي للسلطة في أفريقيا طيلة 60 عاماً أعقبت استقلالها. فلم تشهد البلاد نزاعات سياسية إلا نادراً، لكن هذا الأمر تغير منذ أن جرت الانتخابات التشريعية خلال يوليو (تموز) 2022، حيث بدأت الأوساط السياسية مناقشة سباق الانتخابات الرئاسية في 2024، وذلك بعد أنباء عن نية الرئيس الحالي ماكي سال الترشح لولاية ثالثة.

وبالتوازي أعلن السياسي السنغالي عثمان سونكو نيته الترشح في السباق الرئاسي، وهو الرجل الذي كان في المرتبة الثالثة خلال انتحابات 2019، وهو نقابي ومؤسس حزب إخوة المواطنين السنغاليين (باستيف) المعارض، كما يروج سونكو لنفسه على أنه "ضد الفساد"، كما يظهر له خطابات ومواقف معارضة للنفوذ الفرنسي في السنغال.

أما الرئيس الحالي ماكي سال فقد بلور موقفه على مدى عامين في شأن الترشح لولاية ثالثة بالمخالفة للدستور السنغالي على أساس أن ولايته الرئاسية الأولى 2012 - 2019 كانت قبل التعديل الدستوري، الذي جرى عام 2016 بتقليص الفترة الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، وهو ما يترتب عليه الحق في ولاية ثالثة، بينما ترى المعارضة السنغالية أن 12 عاماً كافية لحكم رئيس واحد.

طبقاً لهذا الخلاف تأسس مشهد الصراع السياسي في السنغال، حيث جرى اتهام عثمان سونكو بممارسة حالة اغتصاب فتاة، وقدم على أثرها للمحاكمة، وأسفر الحكم عليه عن احتجاجات، راح ضحيتها 16 شخصاً قتلوا، وأصيب 350 بجروح، واعتقل أكثر من 500 خلال ثلاثة أيام من التظاهرات في الفترة ما بين 1 إلى 3 يونيو (حزيران) الماضي، احتجاجاً على إدانة سونكو بالسجن عامين بتهمة "إفساد الشباب"، الأمر الذي قد يجعله غير مؤهل للترشح لانتخابات الرئاسة لعام 2024، وبطبيعة الحال اتهم سونكو الحكومة بأنها تستخدم الآلية القضائية للتخلص منه سياسياً بمنعه من الترشح في فبراير (شباط) 2024، وتمهيد الطريق أمام الرئيس الحالي سال.

في المقابل، يتهم الحزب الحاكم الذي حصل على غالبية ضئيلة في آخر انتخابات برلمانية أنصار سونكو بالرغبة في شل البلاد، واستخدام الشارع للفرار من العدالة.

وفي هذا السياق اتخذت المعارضة السنغالية خطوتين من التصعيد السياسي في محاولة الحشد ضد الترشح الذي كان محتملاً للرئيس الحالي، ويمكن تصنيفهما بأن أحدهما محلية، بينما استهدفت الثانية استدعاء الضغط الدولي ضد نية الرئيس الحالي في الترشح، وحشدت المعارضة السنغالية، في أبريل (نيسان) الماضي، أكثر من 120 حزباً وجماعة سياسية ومنظمة مجتمع مدني، ووقعوا ميثاق حركة "أف 24" ضد ترشح سال، وكان عثمان سونكو من أبرز خصوم الرئيس الذين حضروا إطلاق التحالف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما على الصعيد الدولي فقد تقدم محامي سونكو، الفرنسي - الإسباني، خوان برانكو، بدعوى جنائية أمام محكمة في باريس انضم إليه فيها 30 محامياً غربياً آخرين بعضهم من أصول سنغالية، وذلك في شأن "جرائم ضد الإنسانية" يزعم أنها "ارتكبت بين مارس (آذار) 2021 ويونيو الماضي، حيث استهدفت القضية الرئيس ووزير داخليته أنطوان ديومي، وقائد الشرطة العسكرية موسى فال، فضلاً عن 100 مسؤول في الحكومة السنغالية، حيث امتلك محامي سونكو، طبقاً لأقواله، أدلة موثقة على اتهاماته ضد المسؤولين في الدولة بمقاطع فيديو مصورة قدمها له مواطنون سنغاليون، وهي الضغوط التي دفعت الجيش السنغالي لإعلان حياده في هذه المعركة في بيان أعلن فيه عدم مسؤوليته عن قتل المتظاهرين، كما دانت الطرق الصوفية ذات التأثير الاجتماعي الكبير في السنغال العنف الممارس من السلطة.

وفي محاولة لاحتواء المعارضة السياسية، حاول الرئيس السنغالي بمناسبة عيد الاستقلال تقديم دعوة للحوار والتشاور السياسي مع القوى الحية للأمة في أبريل الماضي، تحت عناوين تحقيق التماسك الوطني بمستهدفاته من سلام واستقرار، لكن دعوة الرئيس رفضت من جانب تحالف "انقذوا الشعب" الذي قال إن الرئيس لم يقدم على الخطوات الضرورية للتهدئة، التي يقصدون بها عدم الترشح لولاية ثالثة.

أطراف المعركة الانتخابية

أسفرت جهود المعارضة السنغالية في نهاية الأمر عن النجاح في إقصاء الرئيس الحالي عن الترشح، تحت مظلة ضغوط دولية كانت ظاهرة ومهددة للدولة العميقة بأجهزتها الأمنية في السنغال، لكن ذلك يعني وبالتوازي أن يقدم الحزب السنغالي الحاكم مرشحاً جديداً من بين صفوفه يكون موالياً لفرنسا في مقابل سونكو، الذي يصنف أنه ضد فرنسا، إذ إن كثيراً من المؤشرات تدل على أن سونكو يتبنى فكرة إسلام سنغالي وأفريقي خاصاً يكون إطاراً لعمل نضالي، ضد ما يسميه بالعلمانية الموالية للثقافة الفرنسية، وذلك بالتوازي مع خطاب به نغمة تحريضية قوية ضد الحضور الفرنسي في السنغال.

من هنا، لا بد أن تكون باريس فاعلاً في الانتخابات السنغالية مطلع العام المقبل، إذ تواجه تحدياً حقيقياً هناك لسببين الأول أن سونكو قد يجد دعماً من روسيا أو الصين، بما يعني القضاء على المصالح الفرنسية في دولة أفريقية كبرى كالسنغال، والثاني أن شعبية سونكو واسعة ومؤثرة، ربما استناداً إلى كونه يمتلك صفات القائد السياسي من حيث الكاريزما والمظهر الجذاب في شقيه التقليدي المحلي أو الغربي، وكذلك امتلاك ناصية اللغة، ثم إنه منتمٍ طبقياً إلى غالبية الشعب السنغالي من الفقراء ومتوسطي الحال، ويلقى دعماً كبيراً من الأوساط الشبابية كونه على عتبة الـ50.

كما أن سونكو يعمل تحت شعار مكافحة الفساد، وهو شعار جاذب لكل الفئات الاجتماعية السنغالية، فضلاً عن أن له خلفية نقابية، حيث تخرج في جامعة "سان لويز" السنغالية عام 2001، وقد بدأ عمله مفتشاً في وزارة المالية، إذ أسس "النقابة المستقلة لموظفي الضرائب"، وشغل منصب السكرتير الأول لهذه النقابة من 2005 إلى 2012، ومكنه عمله في مجال التفتيش المالي والضريبي من اكتشاف حجم وطبيعة ممارسة الفساد في أروقة الدولة، وهو ما دفعه إلى أن يكون هذا الموضوع على قائمة خطابه السياسي، داعياً إلى التحلي بالشفافية والالتزام بمتطلبات الحكم الرشيد في بلاده، وإلى محاربة الفساد الذي استشرى في الاقتصاد السنغالي كغيره من الاقتصادات الأفريقية.

مستقبل سونكو

قد يكون عنوان التفاعلات السياسية المقبلة في السنغال هو مدى قدرة الزعيم الشاب عثمان سونكو على توحيد المعارضة السنغالية وراءه، وهي التي حققت في الانتخابات المحلية عام 2022 تقدماً كبيراً في المدن، وفازت في المدن الكبرى، بما فيها العاصمة دكار، وزيغينكور في الجنوب، وتيس في الغرب، لكن ذلك لم يعن السيطرة على الأرياف، ذلك أن التحالف السلطوي "بينو بوك يكار" الحاكم، قد تمكن من الفوز في 483 بلدية، من مجموع 553 بلدية.

أما في الانتخابات البرلمانية المنعقدة في أغسطس (آب) 2022 فلم تزح المعارضة الحزب الحاكم السنغالي عن السيطرة، وهو الذي احتفظ بغالبية ضئيلة، لكنها غير مريحة، إذ حصل على 82 مقعداً فقط من مجموع 165 مقعداً، بما يجعل التوازنات المؤسسة للانتخابات الرئاسية حرجة مع المعارضة، وربما هذا ما يفسر انسحاب الرئيس سال من السباق الرئاسي المقبل.

التوازن الحرج بين شعبية عثمان سونكو ومتطلبات الدولة العميقة السنغالية المنتمية إلى النفوذ الفرنسي قد تجعل إدريس سيك هو مرشح في الانتخابات المقبلة كحالة وسط لحل الاستقطاب الراهن، إذ إنه رجل دولة من خلفية أكاديمية فاز بالموقع الثاني في انتخابات 2019، كما خاض انتخابات 2007 ضد الرئيس عبدالله واد، وله علاقات متوازية وخبرة في كل من الدوائر الحكومية وقطاع الأعمال الخاص عبر استوزاره في الحكومة، وكذلك ضلوعه في عالم المال والأعمال، وذلك فضلاً عن علاقات مميزة له بالطرق الصوفية، خصوصاً الطريقة المريدية المسيطرة في السنغال، كما أن للرجل توجهات مناصرة للقضية الفلسطينية، بما يجعله ربما ذا قاعدة شعبية في أوساط تربط نفسها بقضية القدس في ضوء أن غالبية السنغاليين هم من المسلمين.

ويترأس إدريس حزب "رومي"، وهو حزب توجهاته ليبرالية بشكل عام، لكن تبقى نقطة ضعفه الأساسية كونه بعيداً من الأوساط الشبابية بحكم سنه، كما أن أطروحاته السياسية لا تخاطب اهتمامات غالبية المواطنين السنغاليين الذين يعانون كغيرهم من الأفارقة أوضاعاً اقتصادية ضاغطة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل