ملخص
أعلنت اللجنة الرباعية أنها ستطلب من الاتحاد الأفريقي بحث إمكانية نشر "القوة الاحتياطية" لشرق أفريقيا في السودان بهدف "حماية المدنيين"
تزايدت الدعوات لإيجاد حل للنزاع الآخذ في الاتساع في السودان مع قرب إتمام شهره الثالث، بينما دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الثلاثاء، محكمة العدل الدولية إلى التحقيق في "جرائم حرب" مرتكبة في إقليم دارفور.
وكانت اللجنة الرباعية المنبثقة من الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) دعت، أمس الإثنين، طرفي النزاع إلى إبرام اتفاق "غير مشروط" لوقف إطلاق النار، بعد فشل محاولات عدة مماثلة خلال الأشهر الماضية.
وقاطع الجيش هذا الاجتماع الذي استضافته أديس أبابا، مكرراً مطالبته بتنحية كينيا عن رئاسة اللجنة لاتهامها بـ"عدم الحياد" في النزاع.
من دون أفق
منذ اندلاعها في 15 أبريل (نيسان) تتواصل المعارك بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو من دون أفق للتهدئة.
ويرى محللون أن الحليفين السابقين اختارا المضي في حرب استنزاف لا تتوقف سوى بنصر عسكري لأحدهما على حساب الآخر، على رغم أن أي طرف لم يحقق منذ بدء الحرب مكتسبات مهمة تغير من المعطيات الميدانية.
وحذر السفير الأميركي إلى الخرطوم جون غودفري من أن "انتصاراً عسكرياً لأي من الطرفين المتصارعين سيتسبب بكلفة بشرية غير مقبولة وضرر للبلاد".
وأشار الدبلوماسي الذي غادر العاصمة السودانية مع بدء المعارك كحال غالبية الأجانب، في بيان إلى ضرورة "التوصل إلى مخرج تفاوضي من الأزمة".
وشدد على أنه لا يمكن أن يعني ذلك العودة إلى "الوضع الذي كان قائماً قبل 15 أبريل"، حين كان البرهان ودقلو يمسكان بمقاليد الحكم بعد إطاحة المدنيين في انقلاب عسكري.
وأتت تصريحات غودفري قبيل لقاءات من المرتقب أن تعقدها مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في أديس أبابا، اليوم الثلاثاء، مع مسؤولين سودانيين وإقليميين.
وتأتي هذه اللقاءات غداة اجتماع عقدته اللجنة الرباعية المؤلفة من كينيا وجيبوتي وإثيوبيا وجنوب السودان، ودعت إليه طرفي النزاع. وقاطع الجيش اللقاء بسبب عدم تلبية مطلبه بتنحية كينيا عن رئاسة اللجنة، إذ يتهمها بتأييد قوات الدعم السريع.
حرب أهلية شاملة
ودعت اللجنة المنبثقة من "إيغاد" الطرفين إلى وقف غير مشروط للقتال، مؤكدة أنها ستطلب من الاتحاد الأفريقي بحث إمكان نشر "القوة الاحتياطية" لشرق أفريقيا (إيساف) بهدف "حماية المدنيين" وضمان وصول المساعدات.
إضافة إلى ذلك، طالب الرئيس الكيني ويليام روتو بـ"منطقة إنسانية بقطر 30 كيلومتراً حول الخرطوم لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية" التي يحتاج إليها أكثر من نصف سكان البلاد.
ولم تفلح مبادرات الوساطة أكانت من "إيغاد" أو أخرى تقودها واشنطن والرياض في إيجاد أرضية للتفاهم.
وحذرت الأمم المتحدة في نهاية الأسبوع الماضي من أن السودان، إحدى أكثر دول العالم فقراً حتى قبل اندلاع المعارك الراهنة، بات على شفير "حرب أهلية شاملة" ستطاول تداعياتها كل المنطقة.
وأودى النزاع بأكثر من 2800 شخص ودفع أكثر من 2.8 مليون شخص للنزوح، لجأ أكثر من 600 ألف منهم إلى دول مجاورة أبرزها مصر وتشاد، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
ويعاني من بقي من السكان الذي كان عددهم الإجمالي يقدر بزهاء 45 مليون نسمة قبل بدء المعارك نقص المواد الغذائية والخدمات ومصادر الطاقة، بينما تتوالى التقارير عن حالات نهب وعنف جنسي واحتدام الصراعات العرقية خصوصاً في إقليم دارفور (غرب).
وخلال الأسابيع الماضية أدلى شهود في الخرطوم ودارفور لوكالة الصحافة الفرنسية بشهادات مروعة عن انتهاكات، متهمين على وجه الخصوص قوات الدعم السريع ومجموعات عربية متحالفة معها، بالوقوف خلفها.
يوميات القتل والنهب
واليوم الثلاثاء، أفادت منظمة "هيومن رايتس" أن "آلاف عدة من مقاتلي الدعم السريع" وحلفاء لها هاجموا أواخر مايو (أيار) بلدة مستري بإقليم دارفور.
وأوضحت في تقرير مطول أن هؤلاء حاصروا البلدة التي يقدر عدد سكانها بزهاء 46 ألف نسمة باستخدام "دراجات نارية وخيول وشاحنات بيك - أب"، وأطلقوا النار على "الذين حاولوا الفرار".
ونقلت عن شهود أن المهاجمين نهبوا "طول اليوم ممتلكات السكان، إذ سرقوا الماشية والبذور والأموال والذهب والهواتف والأثاث، وبعد نهب المنازل أشعل المهاجمون النار فيها".
وأشارت إلى أن القوات المهاجمة "أعدمت 28 فرداً في الأقل من إثنية المساليت، وقتلت وجرحت عشرات المدنيين"، وهي إحدى أبرز المجموعات العرقية غير العربية في غرب دارفور.
ونقلت المنظمة عن شهود قولهم إن المهاجمين "لاحقوا الأشخاص الذين يبحثون عن الأمان في المدارس والمسجد"، وهاجموا "بشكل متكرر قاعات الدراسة بحثاً عن الرجال، ونفذوا إعدامات ميدانية في حق الذين وجدوهم".
ورأت المنظمة أن "عديداً من هذه الانتهاكات المرتكبة في سياق النزاع المسلح في السودان ترقى إلى جرائم حرب"، داعية المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في هذه الهجمات.
وقال الباحث في المنظمة جان باتسيت غالوبان "يظهر القتل الجماعي في حق المدنيين والتدمير الكامل لبلدة مستري ضرورة اعتماد رد دولي أقوى على النزاع الآخذ في الاتساع".
وتتولى المحكمة التحقيق في انتهاكات جسيمة ارتكبت في دارفور خلال نزاع بدأ عام 2003 وامتد زهاء عقدين من الزمن، وأوقع نحو 300 ألف قتيل وشرد 2.5 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة.
محادثات السلام
ورفض الجيش السوداني، أمس الإثنين، المشاركة في محادثات سلام أفريقية بهدف البحث عن حل للنزاع بينه وبين قوات "الدعم السريع" الذي يقترب من دخول شهره الرابع من دون أي أفق للتهدئة. ولم تفلح مبادرات عدة للوساطة في إيجاد أرضية لأي تفاهمات قد تثمر حلاً. ومنذ بدء المعارك، أبرم طرفا القتال اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار بوساطة سعودية - أميركية.
وتقود الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) مبادرة إقليمية عبر لجنة رباعية برئاسة كينيا تضم إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان. وكانت اللجنة ثلاثية برئاسة جنوب السودان، قبل أن تتوسع في يونيو (حزيران) بضم إثيوبيا.
وترافقت تلك الخطوة مع نقل رئاسة اللجنة من جنوب السودان إلى كينيا، وهو ما لقي معارضة من الخرطوم.
غياب البرهان ودقلو
وعقدت اللجنة الرباعية اجتماعاً، أمس الإثنين، في أديس أبابا، غاب عنه عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو على رغم دعوتهما إليه. وأكد كل من طرفي النزاع إرسال ممثل عنه إلى أديس أبابا، إلا أن الحكومة المرتبطة بالبرهان أكدت أنها لن تشارك في الاجتماع ما لم تتم تلبية مطلبها بتغيير الرئاسة الكينية.
وقالت الخارجية السودانية في بيان "وصل وفدنا بالفعل إلى أديس أبابا صباح اليوم، مما يؤكد جدية حكومة السودان للارتباط البناء والتواصل مع منظمات انتمائها الإقليمية". وأضافت "للأسف، اتضح لوفدنا أن رئاسة اللجنة الرباعية لم يتم تغييرها، علماً أن حكومة السودان طالبت بتغيير رئاسة الرئيس وليام روتو رئيس جمهورية كينيا للجنة الرباعية".
وكررت أن مطالبتها بذلك تعود إلى جملة أسباب منها "عدم حيادية السيد الرئيس روتو في الأزمة القائمة".
وكانت الوزارة قد اعتبرت الشهر الماضي أن حكومة كينيا "تتبنى مواقف (الدعم السريع)، وتؤوي عناصرها وتقدم لهم مختلف أنواع الدعم".
من جهتها، رأت قوات "الدعم السريع" أن المقاطعة كانت تصرفاً "غير مسؤول". وأعربت في بيان عن استغرابها لمقاطعة الطرف الآخر للجلسة "بذرائع واهية غير موضوعية على رغم وصوله لأديس أبابا"، معتبرة أن "هذا التصرف غير المسؤول يكشف بوضوح ما ظللنا نؤكده بأن هناك مراكز متعددة لاتخاذ القرار بداخلها (القوات المسلحة) تسعى إلى إطالة أمد الحرب وعرقلة المساعي الحميدة" من أجل التوصل إلى حل للنزاع.
وانتقدت الرباعية في بيان ختامي "الغياب المؤسف لوفد القوات المسلحة السودانية على رغم دعوتها وتأكيد مشاركتها"، إلا أنها أكدت استمرارها في تركيز جهود "كل الأطراف على الوصول إلى عقد لقاء وجهاً لوجه بين قائدي الطرفين المتنازعين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يلتق البرهان ودقلو منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل، وهو يوم كان من المقرر أن يشهد اجتماعاً بينهما بتسهيل من الأمم المتحدة.
نشر "القوة الاحتياطية" لـ"إيساف"
ودعت الرباعية الطرفين إلى "توقيع اتفاق غير مشروط لوقف إطلاق النار". وأعلنت أنها ستطلب من الاتحاد الأفريقي بحث إمكانية نشر "القوة الاحتياطية" لشرق أفريقيا "إيساف" التي عادةً ما يتم توكيلها بمهام مراقبة الانتخابات، في السودان بهدف "حماية المدنيين" وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
واعتبر مبارك أردول، وهو قائد سابق لإحدى مجموعات "التمرد" في السودان، ويعد مقرباً من الجيش، أن اجتماع أديس أبابا كان "فخاً للتدخل العسكري". وأضاف عبر "تويتر" أن الحديث عن نشر قوات شرق أفريقيا هو "فصل آخر لاحتلال السودان بعدما فشلت مليشيات التمرد في تحقيقه وانهزمت".
وشهدت العاصمة الإثيوبية كذلك حضور مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في التي من المقرر أن تلتقي مسؤولين سودانيين وإقليميين.
ودعت المسؤولة الأميركية في بيان الأحد طرفي النزاع إلى "وقف المعارك فوراً"، مكررة "نداءات أطلقتها دول المنطقة للحيلولة دون أي تدخل أجنبي ودعم عسكري يعمق النزاع أو يطيل أمده".
قصف بالمسيرات
ميدانياً، أفاد سكان في الخرطوم، أمس الإثنين، بوقوع "قصف عبر مسيرات لمناطق في شرق أم درمان"، ضاحية غرب الخرطوم الكبرى، فيما تحدث آخرون عن "قصف جوي على منطقة المدينة الرياضية" في جنوب العاصمة.
وعلى مسافة نحو 350 كيلومتراً جنوب العاصمة، تحدث شهود عيان بولاية شمال كردفان عن وقوع "اشتباكات غرب مدينة الأبيض" مركز الولاية.
وأفاد مصدر عسكري بقيام الجيش بـ"صد هجومين للحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو على مدينة الكرمك الحدودية بولاية النيل الأزرق".
وفي ظل تواصل المعارك، مددت سلطة الطيران المدني إغلاق المجال الجوي السوداني حتى نهاية يوليو (تموز) باستثناء "رحلات الإغاثة والإجلاء بعد الحصول على الإذن من السلطات المختصة"، وفق ما أعلنت في بيان أمس الإثنين.
يشهد السودان منذ 15 أبريل (نيسان) معارك بين الجيش بقيادة البرهان الذي يتولى أيضاً رئاسة مجلس السيادة، وقوات "الدعم السريع" بقيادة دقلو المعروف بـ"حميدتي".
وأودى النزاع بأكثر من 2800 شخص، ودفع أكثر من 2.8 مليون شخص للنزوح، لجأ أكثر من 600 ألف منهم إلى دول مجاورة، أبرزها مصر وتشاد، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
ويعاني من بقي من السكان الذين كان عددهم الاجمالي يقدر بزهاء 45 مليون نسمة قبل بدء المعارك نقص المواد الغذائية والخدمات ومصادر الطاقة، بينما تتوالى التقارير عن حالات نهب وعنف جنسي واحتدام الصراعات العرقية، خصوصاً في إقليم دارفور (غرب السودان).
وحذرت الأمم المتحدة في نهاية الأسبوع الماضي من أن السودان إحدى أكثر دول العالم فقراً حتى قبل اندلاع المعارك الراهنة، بات على شفير "حرب أهلية شاملة" ستطاول تداعياتها كل المنطقة.