في الأسبوع الماضي كانت هناك زيارةٌ لوفد خفر السواحل الإماراتي العاصمة الإيرانيَّة طهران، ثم الوفد القطري، ثم جاءت دعوة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف للحوار مع السعودية، فقال "أعلنا دائماً بأننا نرغبُ في إقامة علاقات مع دول الجوار"، مضيفاً "إذا كانت السعودية مستعدةً للحوار، فنحن مستعدون دائماً للحوار، ولم نغلق أبداً باب الحوار مع جيراننا".
تحاولُ إيران تصوير التحرّكات الأخيرة، وكأنها انتصارٌ لموقفها في مقابل السياسة الأميركية ضدها، لا سيما بعد لقاء الوفد الإماراتي. لكن حقيقة الأمر أن التعاون بين إيران وبعض الدول الخليجية في بعض الجوانب ليس جديداً، كما أن دعوة إيران إلى الحوار والتعاون مع السعودية ليست جديدة.
تكررت تلك الدعوات منذ عهد الرئيس الإيراني الأسبق رفسنجاني، وبعده الرئيس خاتمي. ولإقناع الدول الخليجيَّة عملت إيران على بناء إجراءات الثقة لتسهل تطبيع العلاقات معها، إذ أجرت مشاورات منتظمة مع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وتم تبادل الملحقين العسكريين، وزارت السفن البحريَّة الإيرانيَّة بشكل ودي موانئ دول مجلس التعاون الخليجي، وشارك مراقبون من دول مجلس التعاون الخليجي في المناورات العسكريَّة الإيرانيَّة، وقدمت إيران إخطاراً مسبقاً عند إجراء مثل هذه التدريبات أو اختبار إطلاق الصواريخ الباليستية.
كما عبَّر خاتمي عن استعداد إيران للتوقيع على اتفاق دفاعي مع السعودية، كما عبَّر عن رؤية إيران حول أمن الخليج، مؤكداً أن السياق الإقليمي يتطلب إجراءات أمنية خاصة ونظام دفاع جديداً، ورفضت السعودية اقتراح إيران بإنشاء جيش ثنائي للتحالف، لكن الحكومتين وافقتا على تبادل الملحقين العسكريين، ووُقّع اتفاقٌ أمنيٌّ بين إيران والسعودية في 17 أبريل (نيسان) 2001، يهدف هذا الاتفاق إلى قتال الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات. إلا أنه بعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، ومحاولة إيران التعاون مع الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، ونجاحها في توسيع نفوذها بالعراق، ومحاولة استعراض قوتها والإعلان عن برنامجها النووي، فضلاً عن اتباع أحمدي نجاد سياسة وخطاباً متشددين، هنا توترت العلاقات مرة ثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذن، لا تسعى إيران إلى التعاون مع دول الخليج بقدر ما تسعى إلى الحصول على القبول الإقليمي لدورها وسياستها، تمهيداً لتوطيد علاقتها بالقوة العظمى التي هي الولايات المتحدة حالياً. من هنا تكمنُ المعضلة في العلاقة بين دول الخليج العربي وإيران هي اختلاف تصورات كل منهما إلى الآخر. تقوم استراتيجيات دول الخليج الدفاعيَّة على اعتبار إيران تهديداً، وبالتالي ضرورة الحفاظ على توازن القوى بالخليج، عبر تطوير القدرات العسكريَّة لكل دولة خليجية ومنع تحوّل توازن القوى لصالح إيران عبر تطوير برنامجها النووي، أو تطوير منظومة الصواريخ الباليستية.
في المقابل تقوم الاستراتيجية الإيرانية على توسيع مساحة نفوذها، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، واستعراض قوتها العسكريَّة في الخليج بما يجعلها تعود إلى ممارسة دور شرطي الخليج، لكن بتأييد من الولايات المتحدة وقبول إقليمي.
لذا فعلى الرغم من أن السياسة الخارجية الإيرانيَّة أصبحت أكثر براغماتية وأقل عقائدية لم تحدث أي مؤشرات على حدوث تحوّل كبير في موقف إيران تجاه الخليج، أو تغيّر تصورات دول الخليج تجاه إيران، باعتبارها أحد التهديدات الإقليمية الموجهة إليهم، ويرجع ذلك أساساً إلى أن تأثير الأيديولوجية والطموح الإقليمي في القيادة الإيرانية لا يزال قوياً.
لتحقيق الأمن في الخليج هناك متطلبات رئيسية يجب توافرها، فيجب على إيران أن تدرك أن القبول الإقليمي لدورها لن يكون إلا بموافقة معظم دول المنطقة، فضلاً عن توافر الإدراك والتوافق على التهديدات المشتركة في المنطقة، وهي أن التهديدات الأمنيَّة الكلية في الخليج تتسع لتشمل الوضع بالعراق، والبرنامج النووي الإيراني، والتهديدات غير المتماثلة بما في ذلك الإرهاب وغياب الأمن الإقليمي، والتوترات الإقليمية. فضلاً عن التهديدات الخطابية التي تعلو من وقت إلى آخر من المسؤولين الإيرانيين أو من المسؤولين بالتنظيمات المرتبطة بها. كل ذلك من شأنه تسهيل تأسيس استقرار وأمن بمنطقة الخليج وتسهيل الحوار مع السعودية، وهي الشريك الأهم لدى إيران، حيث التوافق في مجال إنتاج وأسعار النفط.