ملخص
قد يُحرم حزب "التجمع الوطني" من تقديم مرشحته، مارين لوبن، في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027، وتشكل هذه التطورات ضربة قوية لطموحات لوبن السياسية، التي سبق وخاضت غمار الانتخابات الرئاسية في ثلاث مناسبات سابقة (2012، 2017، و2022).
في قلب المعركة السياسية الفرنسية، تجد مارين لوبن، زعيمة حزب "التجمع الوطني"، نفسها في مواجهة أزمة غير مسبوقة قد تهدد مستقبلها السياسي.
ففي خطوة غير متوقعة، وجهت النيابة العامة الفرنسية اتهامات خطرة لها بالتورط في فضيحة مالية قد تقلب موازين الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027.
طالبت النيابة أمس الخميس بتوقيع عقوبة سجن لمدة خمسة أعوام، من بينها عامان مع النفاذ، إلى جانب غرامة مالية ضخمة تصل إلى 300 ألف يورو، فضلاً عن منعها من الترشح لفترة خمسة أعوام.
وتتمثل التهمة الرئيسة في تأسيس وظائف وهمية لمساعدين برلمانيين، إذ يُزعم أن هؤلاء الموظفين كانوا يتقاضون رواتبهم من أموال البرلمان الأوروبي، بينما كانوا يعملون فعلياً لمصلحة حزب "التجمع الوطني".
كما أن الاتهامات لا تقتصر على تهم الاختلاس فقط، بل تشير إلى تورط مارين لوبن في "نظام مدبر" يهدف إلى تحويل البرلمان الأوروبي إلى مصدر تمويل لحزبها، هذه القضية قد تعصف بمستقبل لوبن السياسي، مما يضع حزب "التجمع الوطني" في موقف صعب، ويعقد وضعه قبيل الاستحقاقات السياسية المقبلة.
"عنف وفظاعة"
عند مغادرتها جلسة الاستماع، لم تتمالك مارين لوبن نفسها أمام ما وصفته بـ"العنف" و"فظاعة" لوائح الاتهام الموجهة ضدها، وأكدت أن تحركات النيابة العامة تهدف إلى "حرمان الشعب الفرنسي من حقه في اختيار مرشحيه بحرية" و"تدمير حزب التجمع الوطني".
كما شددت على أن هذه الاتهامات التي تأتي في وقت حساس للغاية، تهدف إلى إضعاف حزبها بصورة مباشرة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027.
ومع تصاعد هذه الأزمة، أطلق حزب التجمع الوطني حملة دعم كبيرة عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، تحت شعار "أنا أدعم مارين لوبن"، بمشاركة رئيس الحزب جوردان بارديلا وعدد من نواب الحزب مثل توماس ميناغي.
هؤلاء اعتبروا أن هذه الحملة القضائية تشكل جزءاً من "انتقام سياسي" يهدف إلى تقويض شعبية الحزب، والتأثير في مجريات الانتخابات المقبلة.
وفي ما يتعلق بتوقيت هذه القضايا، أكد بارديلا أن الأمر ليس صدفة، مشيراً إلى أن هذا التصعيد القضائي يأتي في وقت بالغ الحساسية، مع اقتراب الاستحقاقات الرئاسية لعام 2027.
وفي تدوينة له على منصة "إكس"، كتب بارديلا أن "النيابة العامة لا تسعى إلى تحقيق العدالة، بل ترغب في الانتقام من مارين لوبن"، معتبراً أن مطالب الادعاء "تهدف إلى حرمان ملايين الفرنسيين من حق التصويت في انتخابات 2027"، وهو ما وصفه بـ"الاعتداء على الديمقراطية".
في سياق متصل، عبر وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان، من حزب "التجمع من أجل الجمهورية"، عن رأيه قائلاً "سيكون من الصادم للغاية اعتبار مارين لوبن غير مؤهلة لذا غير قادرة على مواجهة الشعب الفرنسي".
وأضاف عبر حسابه على منصة "إكس"، أن "محاربة السيدة لوبن يجب أن تتم في صناديق الاقتراع وليس في أي مكان آخر".
وفي هذا الصدد، قوبل تعليق دارمانان بانتقاد من السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، أوليفييه فاور، الذي دان تصرفه قائلاً إنه "تصرف محرج جداً من شخص يتظاهر بالتعاطف مع من يسعى إلى استقطاب ناخبيه.
منع لوبن من الترشح بموجب قانون "سابان 2"
قد يُحرم حزب "التجمع الوطني" من تقديم مرشحته، مارين لوبن، في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027، وتشكل هذه التطورات ضربة قوية لطموحات لوبن السياسية، التي سبق وخاضت غمار الانتخابات الرئاسية في ثلاث مناسبات سابقة (2012، 2017، و2022).
في هذا السياق، تأخذ الإجراءات القضائية المتخذة ضد لوبن بُعداً بالغ الأهمية، لا سيما في ما يتعلق بتداعيات قانون "سابان 2"، الذي يُسمى رسمياً "قانون تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد والاقتصاد المسؤول".
تم اعتماد هذا القانون في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 ودخل حيز التنفيذ في الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، وسُمّي نسبة إلى وزير المالية الفرنسي في تلك الفترة، ميشيل سابان.
وينص هذا القانون على فرض عقوبة الحرمان من الأهلية بصورة تلقائية وملزمة، في حال تورط الشخص في اختلاس الأموال العامة.
ومع ذلك، إذا دينت لوبن، فإن المحكمة قد تقرر عدم تطبيق هذه العقوبة، وهو خيار رفضته النيابة العامة التي تطالب بتطبيق عقوبة غير الأهلية بصورة موقتة، أي أن يتم تنفيذها فوراً، مما قد يمنعها من الترشح للانتخابات الرئاسية في 2027.
وتبرر النيابة العامة مطالباتها استناداً إلى مبدأ "الوقاية من التكرار" و"حماية النظام العام".
وخلال الجلسة، أوضح المدعي العام نيكولا باريت أن "القانون يُطبق على الجميع"، مؤكداً أن العدالة لا يمكن أن تتحمل "الطموحات" السياسية لأي شخص. وأضاف، "لكي تكون العقوبة فعّالة وتحقق هدفها، يجب أن تُنفذ في وقت مناسب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محمد رجائي بركات: قضايا الفساد تضع مستقبل لوبن وحزبها تحت الضغط
كما تلقي تصريحات الباحث السياسي محمد رجائي بركات لـ"اندبندنت عربية" الضوء على خلفية الاتهامات الموجهة لمارين لوبن في ما يتعلق بقضايا الفساد في البرلمان الأوروبي، وأكد بركات أنه لا يرى استهدافاً سياسياً واضحاً للوبن، مشيراً إلى أن "السلطات في فرنسا تفصل بوضوح بين الأفرع القضائية والتشريعية والتنفيذية مما يضمن نزاهة القضاء الفرنسي".
وبحسب بركات، فإن "الاتهامات ضد لوبن تتعلق بتوظيف أشخاص باعتبارهم موظفين مساعدين للبرلمانيين، تُصرف رواتبهم من أموال البرلمان الأوروبي، لكن في الواقع كانوا يعملون لمصلحة حزبها السياسي".
وأشار إلى أن "هذه الاتهامات أثبتت صحتها، لذا يُستبعد وجود استهداف سياسي لها".
وأوضح المتحدث ذاته أن "صدور حكم قضائي بحرمان لوبن من الترشح لمدة خمسة أعوام يشكل ضربة كبيرة لمستقبلها السياسي، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 2027".
ولفت إلى أن "هذا القرار لن يؤثر فقط في مسيرتها الشخصية، بل سيضر أيضاً بحزبها بصورة كبيرة". وأضاف أن "لوبن كانت تتمتع بحظوظ كبيرة في الانتخابات المقبلة، نظراً إلى ضعف الأحزاب المنافسة، بما في ذلك اليسار والحزب الاشتراكي الفرنسي، وكذلك اليمين المعتدل.
ومع تراجع شعبية هذه الأحزاب، كانت فرصتها قوية للصعود، لكن بعد حرمانها من المشاركة، ستصبح هذه الضربة قاصمة لها ولحزبها، مما قد يُضعف موقفهما في المشهد السياسي الفرنسي في المستقبل القريب".
وفي ما يتعلق بتأثير قضايا الفساد في ثقة الجمهور الفرنسي بالأحزاب السياسية التقليدية، اعتبر بركات أن "أحزاباً عدة في فرنسا وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي عانت مشكلات الفساد والمحسوبية، إضافة إلى انتهاكات تتعارض مع القوانين والقيم الديمقراطية التي طالما دعا الاتحاد الأوروبي إلى تبنيها".
وقال إن "هذا الفساد على رغم تأثيره في ثقة الناخبين بالأحزاب التقليدية، لا يبدو أنه يؤثر بالقدر ذاته في شريحة الناخبين الذين يصوتون عادة لليمين المتطرف، مثل أنصار حزب مارين لوبن. فالناخبون الداعمون لليمين المتطرف يركزون بصورة أكبر على القضايا المتعلقة بأزمة اللجوء، وتفاقم البطالة، والأوضاع الاقتصادية".
وتابع "بالنسبة إلى هؤلاء الناخبين، قضايا الفساد ليست ذات أولوية مقارنة بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في حياتهم اليومية، مما يجعلهم يتغاضون عن هذه الاتهامات لمصلحة دعم أجندات تعكس اهتماماتهم الأساسية".
وذكر أن "قضايا الفساد التي طاولت حزب اليمين المتطرف، بما في ذلك فضيحة اختلاس الأموال من البرلمان الأوروبي، لن تؤدي بالضرورة إلى تغيير كبير في توازن القوى السياسية في فرنسا، فهو يعتقد أن الناخبين الذين يدعمون هذا الحزب هم من المتشددين أو المؤيدين لتلك الأفكار، مما يجعلهم أقل تأثراً في مثل هذه الفضائح".
أما في ما يتعلق بتأثير فضيحة الاختلاس على شعبية حزب "التجمع الوطني"، لفت بركات إلى أن "التأثير قد يكون محدوداً، لأن أولويات هؤلاء الناخبين تتركز على قضايا أخرى مثل أزمة اللجوء وارتفاع الأسعار والبطالة.
لذا، فإن قضية الفساد تبقى ثانوية بالنسبة إليهم ولا تؤثر بصورة جوهرية في قراراتهم الانتخابية".
وعن استبعاد مارين لوبن من السباق الرئاسي المقبل، يرى بركات أن "حزب التجمع الوطني سيضطر إلى اختيار شخصية بديلة لقيادة الحملة الانتخابية".
لكنه أكد أن "غياب لوبن سيمثل ضربة كبيرة للحزب، نظراً إلى افتقار أية شخصية أخرى في الحزب إلى الكاريزما والشعبية اللتين تتمتع بهما.
ويُعتقد أن هذا الغياب قد يفتح المجال أمام مرشح يميني آخر من خارج التجمع الوطني، وربما من اليمين التقليدي، للاستفادة من الفراغ السياسي ومحاولة الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبخاصة أن الرئيس الحالي لن يتمكن من الترشح لولاية ثالثة".
من المتوقع أن تترك هذه القضية أثراً كبيراً في مستقبل حزب "التجمع الوطني" ومسار مارين لوبن السياسي، وربما تُنذر بنهايته.
فعلى رغم كون لوبن حجر الزاوية في الحزب، فإن هذه الاتهامات قد تضعف ثقة الناخبين بها، ومع ذلك، قد تسهم هذه الإجراءات في تعزيز دعم أنصارها الذين يعتبرون المحاكمة محاولة لإقصاء زعيمة اليمين المتطرف من الساحة السياسية الفرنسية.
ومع تصاعد التوترات بين الجوانب السياسية والقضائية، يبقى السؤال الأبرز، هل ستتمكن لوبن وحزبها من الصمود في وجه هذه الأزمة، أم أن القضية ستشكل نهاية لطموحاتها الرئاسية؟