ملخص
إقبال مميز من السياح المغاربة والأجانب على حمامات رمال مرزوكة طلباً للاستشفاء بالعلاج الطبيعي لكن تحاصره لدغات العقارب وارتفاع درجات الحرارة.
تغري الرمال الذهبية الساخنة الواقعة في جنوب شرقي المغرب، وتحديداً في منطقة مرزوكة التابعة لإقليم الراشيدية، آلاف السياح والزوار من داخل البلاد وخارجها، خصوصاً من محبي الحمامات الرملية، أو الذين يتحينون الفرص لعلاج طبيعي لآلام أو أمراض معينة.
ينجذب الكثيرون إلى رمال "مرزوكة المغربية"، بالنظر إلى خصائصها والسمعة العالمية التي اكتسبتها، حيث الطبيعة الصحراوية الخلابة في المنطقة، بفضل ما يشاع عنها من مداواتها لأمراض المفاصل والروماتيزم وأمراض جلدية.
وتحف بجمالية رمال مرزوكة الساخنة والمشعة أخطار صحية عدة قد تفتك بأرواح المستحمين بالرمال، خصوصاً عند عدم أخذ الاحتياطات الطبية الواجبة عند بعض المصابين بأمراض معينة، علاوة على أن خطر العقارب والأفاعي ينغص استجمام عشاق الحمامات الرملية.
جذب السياح
مرزوكة بلدة مغربية تقع في جنوب شرقي المغرب، وتبعد عن مدينة الراشيدية 130 كيلومتراً، وعن الحدود الجزائرية بأكثر من 20 كيلومتراً، وتشتهر بكثبانها الرملية البراقة التي تجذب آلاف السياح كل سنة إليها.
والسياحة هي المصدر الرئيس لسكان مرزوكة الذين يشتغلون في مهن وقطاعات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمجال السياحة، من قبيل الدليل أو المرشد السياحي، أو العمل في الفنادق المجاورة لحمامات الرمال، أو أصحاب الجمال الذين ينفذون جولات مدفوعة الأجر لفائدة السياح لمعاينة المنطقة، خصوصاً عند غروب الشمس، وغيرها من "المهن السياحية الصغيرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يكاد يقوم اقتصاد منطقة مرزوكة وقوت سكانها ونشاط شبابها على الرمال التي تغطي مساحات شاسعة من هذه البلدة المسالمة والوديعة، والتي تعاني وفق أهاليها من هشاشة تنموية ونقص في البنيات التحتية التي لا تساعد على جذب أعداد متزايدة من السياح الأجانب والمغاربة.
تعرف مرزوكة تحديداً في المغرب وحتى خارجه بكونها "عاصمة الحمامات الرملية"، بدليل أن آلاف السياح والزوار يفدون إليها كل سنة، وعلى رغم عدم وجود أرقام رسمية في هذا الصدد، إلا أنها حمامات اشتهرت بخاصيتها العلاجية التي يختلف في شأنها المتخصصون.
ويفد إلى مرزوكة العديد من المصابين بأمراض "البرودة"، وفق تعبير المغاربة، والمقصود بها أمراض روماتيزم العظام على وجه التحديد، وأمراض المفاصل، وأمراض جلدية مثل الصدفية وغيرها.
طقوس الدفن
للاستفادة من حمام رملي ناجع وممتع، يكفي أن يتبع الزائر أو السائح إرشادات عدد من المرشدين السياحيين أو حتى أهالي المنطقة، من أجل عدم الوقوع في مشكلات يكون السائح في غنى عنها، لا سيما في وقت الصيف، حيث تكون الرمال حارة جداً.
يقول المرشد المغربي بدر الدين عزوز، إن الشخص الذي يأتي إلى رمال مرزوكة طلباً لحمام رملي كامل يتعين عليه اتباع ما يطلب منه من تصرفات وحركات معينة، منها أن يدفن جسده كاملاً مخففاً جداً من الملابس باستثناء الرأس في داخل الرمال.
وتابع أن سخونة الرمال تتجاوز في كثير من الأحيان 47 درجة، كما أن الفترة الزمنية الأكثر إقبالاً على هذه الحمامات الرملية تقع بين شهري مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول)، وضمنها أشهر الصيف الحار.
ويرى المرشد المحلي أن الوقت الذي يمكن أن يظل فيه الشخص مدفوناً تحت الرمال قد تصل إلى أربع أو خمس ساعات بحسب قدرته على التحمل، ولكنها في أدنى تقدير يتعين أن تتجاوز ساعة أو ساعتين، حتى تكون الاستفادة أكبر.
ويمضي في شرحه "الأشخاص المرضى الذين يعلنون عدم تمكنهم من البقاء كثيراً مدفونين تحت الرمال الساخنة، يمكنهم أن يحظوا بحمام رملي مدته بضع دقائق"، مبرزاً أن "الهدف الرئيس هو الاستفادة من سخونة الرمال التي تطرد البرودة من المفاصل والعظام".
ويلفت الانتباه إلى أن "الشخص بعد أن تنتهي فترة استحمامه تحت الرمال مدفوناً كله باستثناء رأسه الذي يكون مغطى بقبعة أو ملفوفاً بعمامة أو ما شابه ذلك، يمكنه أن يخرج لكنه مطالب بتناول السوائل وحساء من الأعشاب الصحية، على أن يكرر الحمام الرملي أكثر من يوم واحد للحصول على نتائج أفضل".
جدل العلاج
الحديث عن علاج الحمامات الرملية في مرزوكة لعدد من الأمراض، بخاصة المرتبطة بالعظام والمفاصل والروماتيزم وأمراض الجلد مثل البهاق والصدفية، لا يتفق معه الكثيرون الذين يرون أن الأمر يتعلق فقط بشعور بالارتياح البدني العام وليس شفاء من تلك العلل.
يقول المتخصص في السياسات الصحية بالمغرب، الطيب حمضي، إن العديد من المرضى يلجأون إلى الحمامات الرملية، وأشهرها رمال مرزوكة بالمغرب طلباً لعلاج أمراض بعينها، لكن الحقيقة أن تلك الحمامات تخفف بعض الأعراض وأنواعاً من الآلام الجسدية، لكنها قطعاً لا تعالج الأمراض.
ويضيف "لا توجد دراسة طبية أو علمية موثوقة تؤكد نجاعة علاج الرمال الساخنة للأمراض، لكن إذا شعر الشخص بتحسن في بدنه بعد أخذ حمام رمل فلا بأس بذلك، غير أن المؤكد أن الحمام الرملي لا يعالج أمراضاً بعينها".
في المقابل، يرى آخرون أن الحمامات الرملية تدعم بشكل كبير مشكلات وهشاشة العظام، وتسرع من عملية جبر الكسور بفضل سخونة الرمال، كما تسهم في علاج دوالي الساقين بفضل امتصاص الرمال للأملاح، علاوة على تطهير الجسد من السموم بفضل عملية التعرق".
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى تجارب شعوب قديمة كانوا يلجؤون إلى حمامات الرمل من أجل علاج العديد من الأمراض والأسقام، على رأسهم الفراعنة ثم اليونانيون، فضلاً عن أبحاث ودراسات قديمة مثل دراسة جراح روسي يدعى باريسكي فاسيليفيتش نيكولاي الذي دبج أطروحة أثبت فيها منافع الحمام الرملي على التنفس وصحة القلب والإنقاص من الوزن.
مخاطر العقارب
لكن حالة الجدل لا تتوقف عند جدوى العلاج، إذ تطرح مشكلات أخرى ترافق هذه الممارسات التي تنتشر في رحاب الرمال الفسيحة لمنطقة مرزوكة، وعلى رأسها لدغات الأفاعي والعقارب المميتة.
ووفق المرشد المحلي عزوز، فإنه بالفعل تقع أحياناً حوادث لدغ ولسع العقارب لرواد الحمام الرملي في مرزوكة، لكن في المقابل تبذل جهود كبيرة من طرف المصالح المتخصصة لمواجهة آفة العقارب التي تخرج من جحورها بكثرة في فصل الصيف.
ويحكي "الرهان في مثل هذه الأمور ينعقد على عدة جهات تتداخل مهامها ومسؤولياتها، من سلطات محلية، ومرشدين سياحيين، وأيضاً حتى على السياح الذين يجب أن يكونوا حذرين من زحف الحشرات السامة".
وهناك أيضاً أخطار الوفيات بسبب حمامات الرمل نفسها، ومنها وفاة رجل ستيني قبل مدة بمنطقة تاقوجت في مرزوكة، إذ عثر عليه زاحفاً على بطنه وسط الرمال الساخنة، وقربه قنية ماء، بعد أن تأثر بمضاعفات الحرارة الشديدة وسط الرمال.
ويعود الخبير الصحي الطيب حمضي ليقول، إن الشخص الذي سيأخذ حماماً رملياً يجب أن يكون رأسه مغطى بالضرورة، ويكون تحت مراقبة طبية، وأن تكون الظروف المناخية مواتية، حتى لا يتعرض لضربة شمسية أو ضربة حرارية قد تفضي إلى اختلالات في بعض أعضاء الجسم، ومن ثم إلى الوفاة.
ويبرز أن المخاطر تكون أكبر لدى المصابين بأمراض القلب أو نقص في وظائف الكلى أو ارتفاع الضغط الدموي، بالتالي يتعين إجراء مراقبة طبية ليس فقط أثناء أخذ الحمام الرملي بل قبله أيضاً، من قبيل قياس ضغط الدم، وإخبار الطبيب بما يتناوله من أدوية.
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن "الطبيب هو من يقرر بممارسة هذا الحمام الرملي للشخص من عدمه، آخذاً في الاعتبار لتاريخه المرضي ومدى احتمال تأثير سخونة الرمال على وظائفه الجسدية الحيوية أو على سلامته الصحية".