Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حنيف قريشي كتب يوميات جريئة تحت هاجس الموت

دعمه سلمان رشدي في محنته ووصف يده بالباردة والميتة ووجد أن المكوث في غرفة العناية يعيد الإلهام

حنيف قريشي مع ناشره البريطاني في المستشفى (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

دعمه سلمان رشدي في محنته ووصف يده بالباردة والميتة ووجد أن المكوث في غرفة العناية يعيد الإلهام

أقسى خيانة يكابدها المرء عبر مسار حياته المليء بالفخاخ هي خيانة الجسد. حين يجبر صاحبه على تبادل الأدوار بين غمضة عين وطرفتها، ويملي شروطه على مجرى حياته وحياة أسرته وأصدقائه المقربين وكل من كان يعنيه أمره. في اليوم الذي يسبق مباراة الدوري الإيطالي في روما، وبينما كان حنيف قريشي، الكاتب البريطاني من أصول باكستانية يتابع هدفاً لمحمد صلاح في مرمى فريق أستون فيلا، ويرتشف من كوبه المنعش، انتابه دوار مفاجئ فانحنى إلى الأمام، وإذا بجسده يتداعى في سقطة مباغتة، لوت رقبته وأصابت عموده الفقري على نحو خطر. أفاق قريشي البالغ من العمر 68 سنة بعد دقائق ليجد نفسه وسط بركة من الدماء ولا يستطيع، مهما بذل من جهد، تحريك أطرافه. لحظتها خطر له أنه فقد الاتصال بين عقله وبقية جسده، "استبعدت تماماً من لدن ذاتي، ولم يتبق لي سوى ثلاثة أنفاس أخيرة".

نقل المصاب إلى العناية المركزة، وأجريت له جراحة دقيقة في عموده الفقري، ومن سريره في مستشفى "جيميلي" في إيطاليا أراد أن يشارك العالم مأساته عبر تغريدات أملاها على ابنه وزوجته إيزابيلا داميكو: "لبضعة أيام ظللت مصدوماً للغاية، تغيرت ولا أستطيع التعرف إلى نفسي. أنا في المستشفى، لا يمكنني تحريك ذراعي ولا رجلي، لا يمكنني حك أنفي أو إجراء مكالمة هاتفية أو حتى إطعام نفسي".

مزايا البوح في العصر الرقمي

 

أشعلت تغريدات قريشي التي راحت تتوالى على تنويعات شتى، وسائل التواصل الاجتماعي بصنوف المؤازرة والتعاطف، كتب أحدهم يقول "إننا جميعاً نلازمك في غرفتك بالمستشفى، نجلس على فراشك ونتمدد جوارك لنحدق معك في السقف نفسه. إن كتاباتك الجميلة تنقلنا كل يوم إلى عالمك". ومع تضاعف عدد متابعيه من كل أنحاء العالم تشجع على إنشاء مدونة بعنوان "يوميات قريشي" لتوسيع دائرة الحكي في تلك اللحظات الحرجة كما هو متوقع من شخص على شفير الموت، ويريد أن يفضي بكل شيء ليمضي إلى مثواه الأخير خفيفاً طليقاً، لكن الكلمات الأخيرة في ضوء كاشف كهذا، بوسعها أن تعري أكثر المناطق حميمية كـ"ليالي الكوكايين الرائعة"، وطقوس العربدة التي عاشها في أمستردام، وكثير من التابوات التي طفق، بحسه الفكاهي الشهير، يمليها على ابنه البالغ من العمر 24 سنة، واعداً قراءه بمزيد من الاعترافات المثيرة.

 لم تقتصر مزية التغريدات على جذب جمهور متعاطف للكاتب الأكثر مبيعاً، بل أدى مزيد من هذا التواصل الافتراضي إلى تجاوز محنته وتقبل وضعه الحالي، الذي لا تغيب عنه حقيقة أنه أصبح عالة على أسرته لا سيما زوجته. يقول قريشي: "الشيء الوحيد الذي يبقيني على قيد الحياة ويهبها المعنى، بغض النظر عن حب زوجتي، أن كثراً من الناس يقرؤون هذه الرسائل الحزينة ويتفاعلون معها".

 

دفعت تلك اليوميات دار "هاميش هاميلتون" إلى التعاقد مع قريشي وهو على فراش المرض لنشرها بين دفتي كتاب تحت عنوان "حطام" Shattered. في هذا الصدد يعلق مدير النشر في الدار سايمون بروسر: "مثل كل من يعرف حنيف، صدمت بنبأ حادثته والموقف المروع الذي وجد نفسه فيه فجأة، ومثل كل متابعيه، تأثرت بالكلمات التي بدأ في تغريدها إلى العالم في يناير (كانون الثاني) على تويتر، وتستبين من خلالها أفكاره ومشاعره وذكرياته على نحو دقيق، كما تداعت على ذهنه، بوضوح غير عادي وقوة ورباطة جأش. من خلالها نسمع صوت حنيف الذي يمكن تمييزه في الحال، والذي يأتي من مكان يمكن أن يتخيله كل واحد منا ويخافه". ولم يفت بروسر أن يبدى سعادته بالتعاون مع قريشي الذي صدرت كل أعماله عن دار "فابر أند فابر للنشر" في لندن حتى الآن، بما في ذلك "بوذا الضواحي" و"الألبوم الأسود" و"هدية غابرييل" و"الجسد".

قرين سلمان رشدي

برز اسم قريشي ككاتب سيناريو وروائي مع صدور روايته الأولى "بوذا الضواحي" التي فازت بجائزة "وايتبريد" لأفضل رواية، وترجمها الشاعر سامر أبوهواش إلى العربية (منشورات الجمل 2014). رشح كذلك سيناريو "مغسلتي الجميلة" لجائزة الأوسكار، وفاز بجائزة جمعية نقاد السينما في نيويورك، وهو عن صبي بريطاني باكستاني مثلي الجنس نشأ في لندن، من إخراج ستيفن فريرز الذي تعاون معه في أكثر من عمل. يصف فريرز وقع أزمة قريشي عليه: "ما حدث مدمر، إنه كاتب جريء وشجاع للغاية، نتمنى جميعاً أن يشفى تماماً. إنه لأمر غير عادي أن يكون أفضل كاتبين آسيويين عاجزين - هو وسلمان رشدي".

 

كان رشدي قد تعرض لحادثة طعن في مناطق عدة بجسده في العام الماضي، مما أفضى إلى إصابة إحدى عينيه وضعف إحساسه بأطراف أصابعه، وجعل الكتابة بالنسبة إليه أكثر صعوبة من ذي قبل. الجميل أن رشدي أعلن أخيراً لمهرجان هاي الأدبي عن كتاب جديد على رغم حالته، يسرد حادثة طعنه وقضائه ستة أسابيع في المستشفى، وما آل إليه وضعه الحالي: "لا يمكنني حقاً أن أبدأ في كتابة رواية لا علاقة لها بهذا... لذلك عليَّ فقط التعامل معها". وسط كل هذا، حرص رشدي أن يطمئن على قريشي كل يوم فهو يمثل له، بحسب ما صرح لصحيفة "الغارديان" البريطانية "الأخ الأصغر الذي لم تنجبه أمي... أنا هنا من أجله دائماً، كما كان دائماً موجوداً من أجلي. آمل في أن يعود هذا المشاكس إلينا قريباً". ومن فراشه رد قريشي: "صديقي سلمان رشدي، أحد أشجع الرجال الذين أعرفهم، وهو رجل وقف في وجه أكثر أشكال الفاشية الأصولية شراً، يكتب لي كل يوم، يشجعني على الصبر. يجب أن يعرف أنه يمنحني الشجاعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضمن الكتاب المقرر صدوره 2024 نظرات ثاقبة في مسار قريشي الإبداعي منذ أن قرر في الرابعة أو الـ15 من العمر أن يصبح كاتباً، وشغف بقراءة السير الذاتية، من بالزاك إلى بروست وزولا، وديكنز وكولين وهنري ميللر، إلى أن ساعده كتاب "زن في فن الكتابة" للأميركي راي برادبوري، على التحرر من كل التحفظات البائسة: "علمني ألا أكون حذراً، ألا أبالي". لقد أوصاه هذا الكتاب بأن عليه أن يظل ثملاً أثناء الكتابة حتى لا تدمره الحقيقة، لا سيما أن قريشي معروف بآرائه الحادة عن العرق والطبقة والتعددية الثقافية في بريطانيا ما بعد الاستعمار، ولا غرابة في ذلك بالنسبة إلى شخص عانى في طفولته التمييز العرقي والثقافي في بريطانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. والدته كانت إنجليزية، ووالده، الذي كان يطمح أن يصبح كاتباً، جاء من عائلة شردها تقسيم الهند وباكستان. في إحدى تغريداته يقول "يدي باردة وميتة، لكن السيدة س (نزيلة في المستشفى) تصر على ضرورة أن أتخطى شعور الإشفاق على نفسي، إنها تؤكد لي أنني لو تحليت بالعزم الكافي سيكون بوسعي قريباً التلويح بيدي للتاكسي في لندن، أو بإصبعي الوسطى لأعدائي!".

 لكن الأمر الأكثر إزعاجاً لقريشي ليس عدم قدرته على التلويح أو الرد على أعدائه بحركات فجة، بل بالأحرى، عدم تمكنه من الإمساك بالقلم. يصف في تغريدة مدى متعة استخدام قلم حبر سائل: "أنا متأكد من أن عديداً من الرسامين والكتاب والمهندسين المعماريين والرياضيين والبستانيين يحبون أدواتهم ويرونها امتداداً لأجسادهم. آمل في أن أتمكن يوماً ما من استعادة أدواتي الثمينة والمحبوبة".

بعد ستة أشهر في المستشفى الإيطالي قرر قريشي العودة إلى لندن التي بات يفتقدها بشدة لاستئناف علاجه في مستشفى للعلاج الطبيعي، ومع شعوره ببعض التحسن نكث بوعده لقرائه عن نشر مزيد من الفضائح عن الجنس والمخدرات. غير أنه خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام سيعمل مع بروسر على صياغة تلك المادة المذهلة التي تعد المكافأة الوحيدة في مأساته. كتب يقول "لا أنصح بالتعرض لحادثة مماثلة، لكني أود أن أقول إن الاستلقاء خاملاً تماماً وصامتاً في غرفة رديئة على مشارف روما، من دون أي إلهاء، هو بالتأكيد مفيد للإبداع. بحرمانك من الصحف والموسيقى وكل ما تعودت عليه، تجد نفسك في أقصى درجات الإبداع كما لو كان علاجاً بالصدمة للكتاب الذين يعانون انقطاع الإلهام".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة