ملخص
مع استمرار إضراب كتاب التلفزيون ودخوله شهره الثالث، بدأ الممثلون ينضمون إليهم في اعتصامهم
مع استمرار إضراب كتاب التلفزيون ودخوله شهره الثالث، بدأ الممثلون ينضمون إليهم في اعتصامهم. كان من المفترض بثقافة البث التدفقي (Streaming) أن تفتح المجال أمام مشاهدة غير محدودة لمحتوى التلفزيون والأفلام، لكنها حاصرت عدداً من الممثلين في حال من انعدام الأمن.
مع انتهاء "العصر الذهبي" للتلفزيون، أعتقد بأن ثقافة البث التدفقي غيّرت كلياً طريقة عمل الإنتاج التلفزيوني. وهو تغيير حسّن التلفزيون برأيي.
لا أحب المسلسلات الكوميدية النمطية ولا الدراما البوليسية، لكنني أعشق البث التلفزيوني التدفقي. نقضي فترة المساء، زوجتي وأنا، في مشاهدة برامج تلفزيونية بشكل متواصل عبر مختلف المنصات، بدءاً من مسلسل تيد لاسو المحبوب ووصولاً إلى مسلسل "لعبة الحبار" Squid Game الأكثر اضطراباً. صحيح أن المحتوى تحسّن، لكن هيكلية التلفزيونات الأساسية تغيرت أيضاً.
فرضت ثقافة البث التدفقي نظاماً جديداً من الهشاشة والضعف على ممثلي هوليوود. قصة مجيء الطامحين في التمثيل إلى لوس أنجليس، كاليفورنيا، للحصول على فرصة لأداء دور في الأفلام والتلفزيون قديمة قدم هوليوود. وهي التي خلقت الصورة السائدة عن معاناة الممثلين لتأمين قوتهم عن طريق عملهم في الخدمة داخل المطاعم.
أرى تكرار هذه الصورة في برامج التلفزيون، بدءاً من بيني التي تعمل في "تشيزكايك فاكتوري" في مسلسل "بيغ بانغ ثيوري" Big Bang Theory ووصولاً إلى سالي ريد التي تعمل نادلة في مسلسل باري. وهذا الحلم بتحقيق "النجاح الكبير" يخلق بيئة يمكن فيها للمنتجين أن يستغلوا الوافدين الجدد على هوليوود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن قد يحصل الممثلون كذلك على أدوار صغيرة مقابل أجر متدنٍّ في التلفزيون والأفلام السينمائية والدعايات، لا تكفي لتأمين سبل عيشهم. لتأتي بعدها ثقافة البث التدفقي للإنتاج وتُصعب حياة الممثلين المكافحين بشكل أكبر.
ومن أجل تلبية الطلب على توفير محتوى جديد، قصّر المنتجون المواسم التلفزيونية. وفي الوقت نفسه، طالت الفترة الزمنية بين الموسم والثاني. ويوقع كثير من الممثلين الذين يشاركون في هذه البرامج عقوداً تحظر عليهم العمل في برامج أو أفلام أخرى، مما يصعب عليهم أن يعرفوا مصدر راتبهم التالي بين المواسم.
وفي الوقت نفسه، يتلقى المديرون التنفيذيون في مجال الإعلام أجوراً قياسية. فبحسب موقع "ديدلاين" Deadline فإن "متوسط تعويض المديرين التنفيذيين العام الماضي بلغ 32 مليون دولار لـ13 مديراً في 12 شركة إعلامية (تضم نتفليكس شراكة بين مديرين تنفيذيين عدة)، فيما تخطى بعض المديرين عتبة 50 مليون دولار". أفضّل أن تذهب رسوم اشتراكي إلى الممثلين المكافحين بدل أمثال روبرت موردوخ وبوب إيغر.
يبيّن الفارق بين الممثلين الثانويين والمديرين التنفيذيين ما أسميه الإقطاع الرقمي. والإقطاع الرقمي هو العصر الحالي من الرأسمالية، عصر يبدو شبيهاً لدرجة لافتة بفترة الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية.
مع بدء انتشار الرأسمالية في إنجلترا، أقرّ البرلمان عدداً من قوانين تسييج الأراضي وإغلاقها. وطردت هذه القوانين العمال الزراعيين من الأراضي وأرسلتهم إلى المدن بحثاً عن العمل. خلق وجود العمال الزراعيين السابقين فائضاً في اليد العاملة تسبب بخفض الأجور. وفقد العمال الزراعيون استقرار حياتهم اليومية فيما دُفعوا إلى علاقة عمل جديدة.
يحمل الإقطاع الرقمي ثلاثة خصائص أساسية: العمالة المتزعزعة والاستهلاك المتزايد ومذلّة الديون. أولاً، يزيد الأشخاص استهلاكهم، إجمالاً من خلال خدمات الاشتراك. وتوفر الاشتراكات سلعاً وخدمات إضافية، لا سيما على منصات البث التدفقي.
ثانياً، نرى زيادة في الأعمال غير الثابتة كجزء من اقتصاد الوظائف الموقتة. لا يقدم اقتصاد الوظائف الموقتة أي منافع أو أمان أو استقرار. وثالثاً، في سبيل التعامل مع الخاصيتين الأوليين، على الجميع شراء الأغراض بالدين. في الواقع، ازداد دين المستهلكين في أميركا بنسبة 18.5 في المئة في 2022 فقط. وتشكل الوظائف مصدر أمن ودخل أقل في الوقت نفسه الذي يطلب منا فيه أن نستهلك أكثر، مما يدفع الناس إلى شراء كل شيء بالدين.
كان البث التلفزيوني التدفقي بداية العصر الذهبي، لكن وتيرة التنقيب عن الذهب تراجعت. الآن، أجد أنني أرغب في مشاهدة مزيد من البرامج التلفزيونية لأننا نتابع حلقات متتالية من البرامج دفعة واحدة وننتظر عامين لنعرف ما الذي سيحصل.
وكان منجم التلفزيون الجديد مصدر ربح أكبر لمنصات البث منه للكتاب والممثلين. فالمواسم القصيرة وطول فترات الفراغ بينها وضع ممثلي التلفزيون، كما الكتّاب، في موقع ضعف، فهم موظفون في مهام غير ثابتة.
فتصوير مسلسل محبوب قائم على ثماني حلقات فيما تمتد الفترة الفاصلة بين الموسم والثاني عامين طويلين يجعل ممثلي التلفزيون يتساءلون كيف سيؤمنون دفع فواتيرهم بين المواسم. والأسوأ أن قانون السنوات السبع في كاليفورنيا يمنع الممثلين من التخلي عن هذه العقود. وخلال فترة انتظار الممثلين ليروا إن كان البرنامج سيتجدد لموسم عرض جديد أو لا، لا تسمح لهم العقود التي وقعوها بإيجاد عمل مأجور في هوليوود.
لكن المشكلة الأكبر بالنسبة إلى ممثلي هوليوود تنبع مباشرة من العصر الرقمي: وهي الذكاء الاصطناعي. على غرارنا جميعاً، نحن المعرضون لخطر تأثير الذكاء الاصطناعي في قطاعات عدة، يقلق الممثلون من لجوء الاستوديوهات إلى الذكاء الاصطناعي لخلق شخصيات شبيهة بهم رقمياً، والعقود الحالية لا تحميهم أبداً. عندها لن تضطر الاستوديوهات إلى الدفع للنجوم لكي يمثلوا في برامجها وأفلامها.
في الوقت الحالي، يعدّ الذكاء الاصطناعي المشكلة الأبرز بالنسبة إلى الممثلين والكتاب على حد سواد، وترفض الاستوديوهات أن تفاوض على هذه المسألة. فالمديرون التنفيذيون يرون إمكان التخلص من طبقات عدة من العمل الإبداعي في عملية الإنتاج لمضاعفة أرباحهم. ما تريده شركات البث الرقمي هو توظيف الذكاء الاصطناعي لتقييد نقطة الاستقرار الأساسي في عملهم: صورتهم.
فالممثلون التلفزيونيون أشبه بالعمال الزراعيين الذين يعملون لمصلحة أسياد يديرون شركات كبيرة وهم لا يجنون ما يكفي لتأمين قوتهم. يحتاج الممثلون إلى الاستقرار والكرامة كما غيرهم من العمال.
ديفيد أرديتي أستاذ مشارك في علم الاجتماع في جامعة تكساس، أرلينغتون، وباحث في شؤون التكنولوجيا الرقمية وخبير في ثقافة البث التدفقي
© The Independent