ملخص
مبتورو الأقدام في غزة يمارسون رياضة التجديف لكن القطاع لا يوجد فيه سوى 8 قوارب فقط نصفها متهالكة.
بالقرب من شاطئ البحر في قطاع غزة رمى وسام عكازيه اللذين يساعدانه على المشي، وفتح ذراعيه على امتدادهما ليوازن جسمه الذي تحمله قدم واحدة في الهواء الطلق، وبدأ يمارس تمارين الإحماء، استعداداً لركوب البحر والتجديف على قارب "الكاياك".
مط الشاب ذراعيه بأقصى قدر لمدة 10 ثوان، ثم حرك يديه بطريقة دائرية، وبعدها أخذ يقلب منطقة الرسغ يمنة ويسرة، وساعده كان يمرنه إلى الأعلى والأسفل، ولاحقاً رفرف بيديه كأنه عصفور يطير، كل هذه التمارين مارسها الشاب وهو يقف على قدم واحدة تحمله.
تدريب وإحماء
قضى وسام 10 دقائق في تمارين الإحماء، ثم أخذ يقفز على قدمه الوحيدة صوب قارب "الكاياك"، بصعوبة كان يسير على رمل البحر، لكن رياضة التجديف تستحق في نظره هذا المجهود المرهق بالنسبة إلى الشاب مبتور القدم.
أحاط به عدد من البحارة، وما إن اعتلى القارب دفعوه إلى مياه البحر، وحينها بدأت المغامرة الجميلة، إذ أخذ يحرك مجدافه باتجاه اليمين واليسار ويلطم الأمواج بكل قوة ليدفع القارب إلى وسط البحر، كان بإصرار يعاند تضارب الأمواج التي يصل ارتفاعها نحو 11 متراً.
ولهان وسام بالرياضة المائية باختلاف أنواعها، إلا أن بتر قدمه اليسرى عام 2014 إثر قصف إسرائيلي على مدينة غزة إبان العملية العسكرية الكبيرة التي شنها جيش تل أبيب، آنذاك على القطاع، حرمه من ممارستها لسنوات طويلة.
إعاقة ورياضة
وعلى رغم إعاقته لم يتخل الشاب عن عشقه للرياضات المائية، وانتظر حتى تماثل للشفاء، وبدأ يتأقلم مع وضعه الجديد، ويعود تدريجاً إلى السباحة في البحر وركوب الأمواج والتجديف، في محاولة منه للتعايش من دون اختلاف عن باقي المجتمع.
يقول وسام "بعد بتر قدمي تدمرت حالتي النفسية، بخاصة أن فترة العلاج كانت طويلة، وبعدها عشت تحدياً، فإما أن أنجح وأواصل حياتي بشكل طبيعي أو أن أعيش اليأس، كانت فترة صعبة لكنني تجاوزتها بجهد جبار، وساعدني على ذلك عودتي للبحر".
قبل بتر ساقه، كان يومياً يسبح في البحر، لكن بعد فقدان طرفه تغير الأمر، وعلى رغم أنه يجيد الغوص فإن إعاقته فرضت عليه وضعاً جديداً، ويروي "ممارسة الرياضة المائية تحتاج إلى إتقان السباحة، والعوم بساق واحدة صعب، لذلك تلقيت تدريبات مطولة ومرهقة، وكنت أقول إذا لم أنجح في العودة إلى البحر فلن أستطيع مواصلة حياتي".
لم يتأخر وسام عن البحر، وعاد له من جديد بعد أن أتقن السباحة بطرف واحد، ويجيد ركوب قارب "الكاياك" المعتمد دولياً في المسابقات العالمية الخاصة برياضة التجديف، وما زال يحلم بدخول المسابقات الأولمبية، حاملاً معه رسالة إلى المجتمع الدولي بأن ذوي الإعاقة لديهم طموح كبير، ويجب الاهتمام بهم وتسليط الضوء على معاناتهم في قطاع غزة.
مشاركة ومنافسة
ليس وسام وحده، الذي يجيد رياضية التجديف، بل هناك عشرات من ذوي الإعاقة الحركية ومبتوري الأقدام في غزة يستطيعون تحريك المجداف وضرب الأمواج بواسطتها، وشاركوا في مسابقة مخصصة لهذه الفئة أقامها الاتحاد الفلسطيني للشراع والتجديف على سواحل القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من بين الذين يجيدون التجديف، كانت فاطمة التي ما إن سمعت صوت صافرة انطلاق النشاط الرياضي حتى بدأت تحرك مجداف قارب "الكاياك" الذي تعتليه، وأخذت تبحر وتستمتع بصوت هدير الأمواج العالية بفعل عوامل الطقس.
بدت الفتاة وهي مبتورة القدم اليسرى نتيجة خطأ طبي تعرضت له وهي طفلة، أنها تملك خبرة واسعة في رياضة التجديف، وأخذت تضرب بمجدافها الأمواج بقوة، فهي تحاول التقدم على وسام وباقي المشاركين، وكأنها تسابق الوقت للوصول إلى نقطة الفوز.
قوارب محدودة
تجيد فاطمة، التي تسير بكرسي متحرك، كثيراً من الرياضات ومنها لعب كرة السلة والسباحة، حيث تقول "نظر لي المجتمع أني معاقة وامرأة، لكنني تحديت ذلك، وأنا اليوم أنافس على المركز الأول في مسابقة التجديف، لدي طاقة كبيرة وطموح، وأحب نزول المياه رغم حالتي الصحية".
كانت مطمئنة وهي تجدف في البحر، إذ كان يحيط بها قوارب يعتليها رجال إنقاذ يبحرون على مقربة من المتسابقين للتدخل بسرعة حال تعرض أحدهم لطارئ أو فقد توازنه، وفي ظل ذلك واجهت الفتاة الأمواج، إلا أنها استسلمت بعد قطعها مسافة أكثر من ميل بحري.
توضح فاطمة أنها لم تمارس تمارين الإحماء بشكل جيد، كما أن منافستها لأكثر من شخص يجيد السباحة كان صعباً، بخاصة أن رياضة التجديف تحتاج إلى قوة عضلية كبيرة، وهي تفتقد ذلك نتيجة إعاقتها، مشيرة إلى أنها لن تستسلم وستنافس في المرات المقبلة.
وخاض ذوو الإعاقة المتنافسون رياضة التجديف باستخدام ثمانية مراكب "كاياك" وهي كل ما يتوفر داخل غزة، أربعة منهم دخلوا غزة حديثاً بدعم من الاتحاد الأوروبي، والبقية في حالة متردية، إذ إن واحداً منهم به قرابة 10 ثقوب تم رقعها.
تفريغ نفسي
مسؤول الإعلام في الاتحاد الفلسطيني للشراع والتجديف سامي عيسى قال إن "المسابقة لتسليط الضوء على الرياضات البحرية في غزة، بخاصة فئة ذوي الإعاقة، لأنها تسهم في التفريغ النفسي للأشخاص الذين بترت أطرافهم، وتطوير مهاراتهم الرياضية، في إطار دمجهم في المجتمع وتأهيل قدراتهم".
وأضاف عيسى "نحاول رفع الوعي لدى هؤلاء الأشخاص وتعريفهم بحقوقهم وتحسين صحتهم النفسية، مع الاهتمام بتطوير قدراتهم في رياضات المائية، وكذلك كسر حاجز الخوف لدى أولئك الذين يعتقدون أنهم لن يتمكنوا من إتقان مهارات معينة".
وأوضح مسؤول الاتحاد الفلسطيني للشراع والتجديف أن الرياضة من الأنشطة الجديدة في غزة، وعلى رغم أنها "شهدت تزايداً في المشاركة أخيراً، إلا أنها ما زالت تواجه كثيراً من الصعوبات، وأهمها تعقيدات في توفير القوارب المعتمدة دولياً والمعدات المناسبة ووسائل الأمان".