Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أثمر المال الثقافي الغربي في بساتين الجمعيات اللبنانية؟

ملايين الدولارات خلال عشرين عاماً من التمويل المستمر وحملات نقدية وردود

لوحة للرسامة ريم يسوف (صفحة الرسامة - فيسبوك)

ملخص

ملايين الدولارات خلال عشرين عاماً من التمويل المستمر وحملات نقدية وردود

في العام 2019 تداعت مجموعة من المؤسسات والمنظمات الثقافية العاملة في لبنان لتوقيع بيان تؤيد فيه انتفاضة الشعب اللبناني (حراك تشرين 2019) وتدعم مطالبه، وأعلنت التزامها الإضراب الذي دعا إليه الحراك والمجتمع المدني. بالطبع قد يعتقد البعض أن دعوة المؤسسات والمنظمات الثقافية إلى المشاركة في الإضراب اللبناني العام أمر لا طائل منه في التأثير بمجريات الأمور الثقافية نفسها، فكيف الحال بالمجريات السياسية. إلا أن البيان الصادر عنها مكتوب بحرفية ثقافوية عالية وقد جاء فيه أن "الفنون والثقافة من ركائز المجتمع الأساسية إذ تسهم في خلق المساحة الضرورية للفكر النقدي والإبداعي في وقت الأزمات. وفقاً لذلك، لا نعتبر الإضراب انسحاباً للثقافة والفنون من هذه اللحظة الاستثنائية، بل هو تعليق لـ "الأعمال المعتادة".

وبالطبع فإن عبارة "الأعمال المعتادة" في حال سحبناها من سياقها البيانيّ الثوري الثقافي فهي تعني الأعمال التي تتلقى مقابلها هذه المؤسسات والجمعيات والمنظمات الثقافية، ملايين الدولارات سنوياً من منظمات وجمعيات ومؤسسات ثقافية وحكومات حول العالم، وتحديداً التابعة للاتحاد الأوروبي حيث الدعم الثقافي للعالم الثالث يدخل في أطر دعم رفع الشعور بالذنب عن مراحل الاستعمار، حين تم استغلال هذه الشعوب ومواردها من أجل الثراء الأوروبي. كل هذه الأموال التي تتلقاها تصب مباشرة في نهر الثقافة اللبنانية الغزير، وهي لو أعلنت المشاركة في الإضراب فإنها تعتذر عن "تعطيل" الشارع الثقافي اللبناني، الذي لولا التمويل لصار قفراً متصحراً.

بيان دفاع

ومن الواضح أن البيان الصادر عن المؤسسات والمنظمات الثقافية في لبنان صاغته مجموعة من المثقفين الذين يعرفون كيفية كتابة الطلبات لمشاريع ثقافية للتقدم بها إلى الممولين، وخصوصاً أن المانحين يطلبون تعبئة الطلب بالكامل والإجابة على مئات الأسئلة المتشابهة، والتي تجعل العمل الفني المزمع القيام به منجزاً على الورق، على أن يتم إنجازه كما تم الاتفاق الذي بناء عليه حصل على المال. أي أن الممولين يحددون ماهية العمل الثقافي الممول وإلى ماذا سينتهي العمل به قبل عرضه، سواء كان كتاباً أو عملاً مسرحياً أو تصوير فيديو أو عملاً تجهيزياً ما. وبالطبع فإن الجماعة التي يخاطبها البيان والتي يجب أن تكون في الشارع غير معرّفة تعريفاً واضحاً، وربما هي جماعة المثقفين اللبنانيين "المطاطة" والتي تتسع وتضيق بحسب حسابات الناظر إليها. وقبل الدعوة إلى النزول إلى الشارع كان قد اختتم البيان الثقافي بجملة بيانية ثورية بشكل واضح أي "الحلم والتفكير والنضال ليست مخيّلات راديكالية في سبيل إحداث تغيير منهجي وبنيوي".

هذا الموقف الذي بلا ضفاف وحدود وقعت عليه جمعيات ومؤسسات ومنظمات ثقافية عاملة في لبنان وصلت إلى صناديقها عشرات ملايين الدولارات خلال عشرين عاماً من التمويل المستمر، من دون أن تترك أثراً ثقافياً ما في البيئات الثقافية اللبنانية سواء في العاصمة المركزية ولا في مدن الأطراف. والأمر لا يتناول السنوات الأخيرة حين وقعت حرب أوكرانيا وكفت بعض الدول الأوروبية عن تمويل الثقافة في بلادنا، بسبب مترتبات الحرب، وقبلها انخفاض التمويل بسبب فيروس كورونا. فالتمويل عاد إلى سابق عهده في العام الماضي، إلا أن سنوات ثقافة زمن "السلم البارد" المديدة منذ مطلع القرن الحالي، كانت تعيش في هدوء وتقدير ودعم مالي من كل الاتجاهات، ومع ذلك فهي لم تترك أثراً ثقافياً واحداً يؤشر إلى تلك المرحلة أو يظهر أينما ذهب المال الثقافي وما أضافه إلى الحياة الثقافية اللبنانية، ولماذا لم تتمكن 20 عاماً من التمويل الثقافي من إبراز جماعات ثقافية تؤسس لنواة ما، أو لبدائل ثقافية راهنة تقارب الواقع الراهن بأدواته لا بأدوات الشارع الثقافي السيتيني والسبعيني في بيروت. ولم يتم انتخاب أي مجموعة من الشباب كل في إطاره الفني والثقافي، ليكونوا في مقدمة ناشري نمط ثقافي جديد بناه التمويل ونفذته جمعيات ومؤسسات ثقافية لبنانية.

بل وعلى رغم كل الأموال الدافقة بقيت معظم المساهمات الثقافية الجدية من صناعة أفراد وبجهودهم الشخصية ومرتكزة على مواهب خاصة. هذا على رغم أنّ في عالم الدعم المادي المؤسساتي ظهرت استثناءات خارج القاعدة في تمويل فنانين كانوا يستحقون الدعم، ومشاريع ثقافية أسهم دعمها المادي بإخراجها أمام الجمهور العام، خصوصاً في مجالات المسرح والسينما والتجهيز والآرت برفورمنس وغيرها من أنواع الفنون. وكانت هذه استثناءات على قاعدة الجهد الفردي المضني.

وقد وقع هذا البيان مؤسسات ثقافية لبنانية مشهورة وهي نفسها التي هاجمها نائب الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم حين اتهمها أنها تعمل لمصلحة السفارات التي تدعمها مالياً. وكان يقصد أيضاً الجمعيات التي تكاثرت عقب تفجير مرفأ بيروت الكبير في 4 آب 2020، وقد دافعت هذه الجمعيات بضراوة عن نفسها، دفعاً للاتهام بالعمالة، وساندها في الدفاع مجموعة كبيرة من المثقفين أصحاب الأقلام. وبالطبع كان نائب الأمين العام لـ"حزب الله" مخطئاً في اتهاماته، إذ إن كل التمويل الثقافي الذي تلقته الجمعيات خلال عشرين عاماً لا يضاهي ميزانية حزبه الثقافية لشهر واحد. ومن المؤسسات الموقعة "المؤسسة العربية للصورة"، والصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، ومركز بيروت للفن، ومتحف سرسق، وأمم للتوثيق والأبحاث، و"منزل اليوم"، ومنصة مؤقتة للفن، جمعية "بيروت دي سي"، ودار النمر للفنون والثقافة، "الهنغار"، و"مقام" والمورد الثقافي، وسينما متروبوليس و"ارتجال" و"أشكال ألوان"، وجمعية شمس، و"اتجاهات-ثقافة مستقلة"، "سيناريو"، و"بيروت أرت رزيدنسي"، و"السمندل".

الدراسة الثقافية وسر التمويل

بعد عامين من صدور البيان، صدرت في عام 2021 دراسة بعنوان "نظرة حول السياسات الثقافية في لبنان" استغرق العمل عليها مدة 4 سنوات، وقام بتمويلها "المورد الثقافي" وهو أحد موقعي البيان أعلاه، وهو من المؤسسات العربية الممولة للثقافة والمعروفة بالمنح السخية التي تقدمها سنوياً في مختلف أنواع الفنون للمتقدمين بطلبات تمويل لأعمالهم الفنية، وأسهم في تمويل هذه الدراسة "المعهد الألماني للدراسات الشرقية"، وحررتها الناشطتان في الحقل الثقافي اللبنانية حنان الحاج علي والألمانية ناديا فون مالتسان.

تعتبر الدراسة أن لبنان "يتبوأ مكانة استراتيجية رفيعة في المنطقة بأسرها. وبيروت، هي المختبر الفعلي الذي ينتج الحياة الفنية والثقافية في الشرق الأوسط، والجسرَ الذي يعتبرُه عددٌ كبير من الفنانين والمُثقفين المكانَ الذي يتبناهم، وهي مركز تلاقٍ تتقاطعُ فيه الإنتاجات الفنية والتعددية الثقافية وحرية التعبير والدينامية والفن الطليعي. وعزا الفضلُ في ذلك إلى عوامل عدة، من جُملتها موقعُ بيروت الجغرافي وإرثها التاريخي والتركيبة السياسية الخاصة في البلد". بعد هذه المقدمة العامة والتي يمكن انتشالها من كتب الإنشاء في المدارس الحكومية اللبنانية، صرحت محررة الدراسة، الباحثة في المعهد الألماني للدراسات الشرقية في بيروت، ناديا فون مالتسان للزميلة "الشرق الأوسط" أن "المشكلة الرئيسية التي واجهتنا هي الحصول على المعلومات والبيانات، في ما يتعلق بالتمويل. ففي وزارة الثقافة مثلاً كان من الصعب الحصول على أرقام، إما لأن لا صلاحيات لإعطائها أو لأن الأشخاص ليست لديهم المعلومات بالفعل". وتشير الدراسة في مواضع مختلفة إلى أن "أحداً لم يرد الإفصاح عن حجم التمويلات التي يدفعها، وكأنها من الأسرار، تتساوى في ذلك الجهات الرسمية كما الخاصة".

حين تصرح عاملة أجنبية في صلب دراستها بأن المعلومات حول الأموال تشبه الأسرار، على رغم أن دراستها ممولة من مؤسستين من أكبر داعمي المشاريع الثقافية في لبنان والعالم العربي، فإنما يشير الأمر إلا أن التمويل لا يذهب في المحل الذي مُنح لأجله. وتشير الباحثة مالتسان إلى أن هذه السرية تسري في المؤسسات العامة والخاصة. وتحدثت الدراسة عن خيبة أمل تنتاب الفنانينَ جراءَ الصعوبات التي يواجهونها مع وزارتهم، "فبدلاً من طلب الحصول على الدعم المالي، يتوجه العاملون الثقافيون إلى وزارة الثقافة التماساً لدعمها المعنوي". تُيَسرُ الوزارة بعضَ الإجراءات الإدارية، مثل تلك المتعلقة بطلبات الحصول على تأشيرات دخولٍ لفنانين أو غيرها من الإجراءات والأذونات ذات الطابع القانوني. لذلك فإن التمويلات الأجنبية للمؤسسات الخاصة، مع المبادرة الفردية، "هي عصب الحيوية والديناميكية الثقافية".

المؤسسات الداعمة وطريقة عرض خدماتها

على موقع السفارة الأميركية في لبنان الإلكتروني يوجد قسم الدبلوماسية العامة في بيروت التي تكمن وظيفتها في إقامة مجموعة متنوعة من برامج التبادل الثقافي التي تخدم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وترعى التميز الفني الأميركي وتعمل على تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل لثقافات وتقاليد أخرى. وبحسب التعريف في الموقع "تهدف برامج الفن والتبادل الثقافي إلى خلق حوار دائم بين الثقافتين الأميركية واللبنانية". وتشمل هذه البرامج قطاع الأفلام والموسيقى والمسرح والتصوير والحرف اليدوية والأعمال اليدوية واللوحات، والإدارة الفنية، ولكنها لا تقتصر على هذه القطاعات. ومنذ عام 2003 جرى تمويل 16 مشروعاً في لبنان من خلال صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ على التراث الثقافي.

وفي السفارة الأميركية نفسها قسم آخر للتمويل تحت اسم "صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ على التراث الثقافي" الذي يدعم الحفاظ على المواقع والقِطَع الثقافية وأشكال التعبير الثقافي التقليدي، وترميم المباني القديمة والتاريخية، وتقييم وحفظ المخطوطات النادرة ومجموعات المتاحف، وحفظ المواقع الأثرية الهامة وحمايتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السفارة البريطانية يسمى القسم المعني بتمويل المشاريع الثقافية "مسارات" ويقدم منحاً للفنانين وللمبادرات الثقافية. ويسعى إلى الاستجابة لحاجات الفنانين والممارسين الثقافيين في كل من العراق والأردن ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن، بحيث يزودهم بالدعم المالي لتمكين استمرار الإنتاج وتنفيذ المشاريع في ظروف صعبة للغاية. وتتراوح قيمة المنح بين 4 آلاف و10 آلاف جنيه استرليني.

أما المؤسسة اللبنانية الأكثر شهرة في دعمها لمشاريع الفنانين اللبنانيين فهي "آفاق" والتي جاء في تعريفها بأنها تهدف إلى "إنشاء ساحة عربية ثقافية وفنية مزدهرة تُسهم في بناء مجتمعات منفتحة وحيويّة تتفاعل فيها الأصوات الناشئة والمكرّسة في ظلّ التحوّلات الهائلة التي تشهدها المنطقة العربية". وذلك من أجل "استغلال مساحة الغموض وتهاوي اليقينيّات في منطقتنا لتحفيز مخيّلة جديدة وتصوّرات مبتكَرة عن المستقبل". وبحسب تعريفها على الموقع الإلكتروني يبرز أن "آفاق" تحرص على الشفافية في عملها، بدءاً من استمارة تقديم طلبات الحصول على مِنح والتي تتيح للمتقدّمين عرض مشاريعهم بأفضل طريقة ممكنة وتتيح للمحكّمين الإحاطة بتلك المشاريع، وصولاً إلى عمليّة التحكيم نفسها التي تتولاها لجنة من المتخصّصين الذين يتمّ اختيارهم سنوياً وفقاً لكلّ فئة. وتقدّم "آفاق" قرابة 200 منحة سنوياً.

مؤسسة "المورد الثقافي" قريبة من "آفاق" في طريقة أو منهجية تقديم الدعم للطلبات المتقدمة، مع إضافة إتاحة السفر أمام الفنانين للعيش لمدة قصيرة في بلد آخر يختارونه. ويقدّم البرنامج الدعم لما يزيد على 16 مؤسسة فنية وثقافية ناشطة في لبنان، من مجالات وممارسات ثقافية وفنيّة متنوعة، وذات ارتباط بمحيطها من خلال ما تقدّمه من برامج عامّة. ويهدف "وجهات" إلى المساهمة في التعريف بالثقافة والفن في المنطقة العربية وتبادل الخبرات والمعارف بين الفنانين، أو بناء القدرات، أو السفر لإنتاج أو تطوير مشاريع فنية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة