ملخص
قال أحد السائقين إنه يرفض طريقة تعامل أصحاب "السترات الصفراء" معهم إذ يرغمونهم على دفع بدل مادي مقابل ركن سياراتهم
انطلقت ظاهرة حراس السيارات في شوارع المغرب ككرة الثلج المتدحرجة، وبات هؤلاء يعرفون إعلامياً بأصحاب "السترات الصفراء"، إذ اشتهروا بارتداء سترات صفراء اللون، وتحولوا إلى قضية رأي عام بسبب تصرف كثيرين منهم عبر فرض "إتاوات" مالية على سائقي السيارات عند ركن مركباتهم في الأزقة والشوارع من دون سند قانوني أو رخصة مهنية.
وتداولت الصحافة المغربية، في أكثر من مناسبة، حوادث مؤسفة من شتائم ومشاحنات عنيفة أدت إحداها أخيراً إلى مقتل سائق سيارة على يد حارس سيارات، مما دفع برلمانين وناشطين وحقوقيين إلى المطالبة بوضع حد لما سموه "بلطجة" ذوي "السترات الصفراء"، وتقنين قطاع حراسة السيارات في شوارع البلاد.
البرلمان على الخط
وباتت قضية أصحاب "السترات الصفراء" تؤرق كثيرين من المغاربة بسبب انتشار هؤلاء في الأزقة والأحياء والشوارع حيث يحرسون السيارات، ويشكو السائقون مما يسمونه ابتزاز هؤلاء الذين يحتلون الشوارع بدعوى حراسة السيارات على رغم عدم امتلاكهم أية تراخيص قانونية، وهذا الأمر غالباً ما يفضي إلى مشاحنات وتهديدات واعتداءات، بخاصة عندما يرفض السائق منح مبلغ مالي إلى صاحب "السترات الصفراء" الذي يصر، من جهته على أحقيته ببدل مالي لمهمته.
وتوالت دعوات برلمانيين مغاربة لوزير الداخلية عبدالواحد لفتيت من أجل التدخل وإقرار تدابير صارمة تحمي المواطنين، لا سيما سائقي ومالكي السيارات من مضايقات أصحاب "السترات الصفراء"، التي تسبب أحياناً حوادث مأسوية ودموية بسبب الإصرار على أخذ "إتاوات" إجبارية يراها السائقون غير قانونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت أسئلة برلمانيين موجهة للحكومة إلى أن أشخاصاً ينحدرون من طبقات اجتماعية فقيرة يعمدون إلى ارتداء "سترات صفراء"، ويبتزون علانية السائقين، وانتقد نواب ما وصفوه بـ"ظاهرة احتلال الملك العام في الشوارع من طرف أصحاب السترات الصفراء الذين يأخذون إتاوات من سائقي السيارات من دون موجب حق"، علماً أن مواقف السيارات في الشارع العام تعد مرفقاً جماعياً، وتدبيره يعد اختصاصاً حصرياً لإدارات تابعة لوزارة الداخلية (الجماعات المحلية).
وتبعاً للنواب، فإن هذه الظاهرة تعطي انطباعاً بالإحساس بعدم الأمان بخاصة من طرف النساء، وتعطي صورة سيئة عن المدن ويؤثر في جاذبيتها السياحية الداخلية والخارجية، وتهد، بالتالي، استثمارات تحتاج إليها المدن المغربية، داعين إلى "اتخاذ إجراءات لتحرير شوارع المدن من هذا الوضع غير القانوني".
صدامات
وقال أحد السائقين إنه يرفض طريقة تعامل أصحاب "السترات الصفراء" معهم إذ يرغمونهم على دفع بدل مادي مقابل ركن سياراتهم، على رغم أنهم لا يملكون رخصة للقيام بهذه المهمة، "وهم مجموعة من الأشخاص من دون عمل يرتدون سترات صفراء مكتوباً عليها حارس سيارات فقط".
الباحث في القانون عادل وزاني أكد، من جهته أن القانون الخاص بالأملاك العقارية يمنع على "الجماعات الترابية" (شخصية معنوية خاضعة للقانون العام وتسري عليها قوانين منظمة وميثاق وقوانين داخلية) إيجار الأزقة والشوارع، بالتالي حتى الذين يحملون رخصاً من هذه المؤسسات لا يحق لهم أخذ المال من سائقي السيارات في الشوارع بداعي حراسة السيارات. أضاف وزاني أن عدم احترام القوانين من بين أسباب استشراء ظاهرة أصحاب "السترات الصفراء" في الشوارع، لكونهم لم يجدوا رادعاً قانونياً يمنعهم من ممارسة أعمالهم كحراس سيارات، بينما هم في الواقع منتحلو صفات ومهن.
في المقابل، قال حارس سيارات بضواحي الرباط، يدعى مجيد، إن هناك مبالغة كبيرة في تصوير أصحاب "السترات الصفراء" كظالمين ومبتزين، "بينما هم في الواقع يبحثون عن لقمة عيش شريفة، بدل الانحراف أو ارتكاب الجرائم"، مضيفاً أن "حراسة السيارات تظل مهنة حتى لو لم يملك صاحبها رخصاً قانونية، فالمهم ألا يعتدي على حقوق الآخرين ولا يبتزهم".
"عيون المدينة"
الباحث السوسيولوجي في ظواهر المدن محمد شقير له رأي آخر تماماً، يتمثل في كون حراس السيارات في الشوارع المغربية يشكلون ظاهرة سوسيوسياسية ناتجة من جهة عن هشاشة اجتماعية - اقتصادية، وعن حاجة أمنية مرتبطة باعتماد السلطات الإدارية والأمنية على هؤلاء كجزء من "عيون المدينة"، بهدف الحصول على المعلومة ليصبحوا جزءاً من آلية التحكم السياسي والضبط الإداري والترابي، ووفق شقير "من الصعب جداً القضاء على ظاهرة السترات الصفراء بالمغرب على رغم أنها أصبحت تزعج أصحاب السيارات الذين يؤدون ضرائب للدولة بأجهزتها المركزية والمحلية، ويجبرون على دفع إتاوات، مما أدى إلى احتكاكات وصدامات مع سائقي السيارات، أو رفع شكاوى أمام المحاكم، مما يتطلب بالتالي إيجاد حل لهذه الظاهرة بشكل مقنن". ورأى أن "من بين التدابير المقترحة لمواجهة هذه المعضلة وضع لوائح في أماكن الركن تحدد البدل المادي لركن المركبات بحسب المدة والتوقيت، كما من الضروري تقنين عمل هؤلاء الحراس من خلال رخص محددة في الزمان والمكان، وإلزام هؤلاء الحراس بارتداء سترات موحدة تحمل البيانات الضرورية."
وختم شقير "ينبغي فسح المجال أمام الاستثمار في بناء مرائب كبرى تتوفر على كل المواصفات التقنية والفنية، وتشغيل جزء من هؤلاء الحراس فيها بعد حصولهم على تدريب في مجال حراسة السيارات، وكيفية التعامل مع السائقين، علاوة على أنه بالإمكان خلق شركات لحراسة السيارات يمكن التعاقد معها على غرار شركات الحراسة الأمنية الخاصة في المصارف والمؤسسات الإدارية والتجارية وغيرها".