ملخص
الخروج على "اتفاق الطائف" هو المشكلة لا الحل، والبديل مجهول.
ما يحكم لبنان اليوم ليس "اتفاق الطائف" وإن صار دستوراً منذ عام 1991، ومن يتحكمون به لم يكونوا في مؤتمر الطائف والمناخ العربي الذي ساده، ولا كتم بعضهم موقف الرفض له، وليس تركيز "الخماسية" العربية والدولية في اجتماع الدوحة على مركزية "اتفاق الطائف" سوى تذكير للمصرين على تعطيل النظام لا مجرد تعطيل "الاستحقاق الرئاسي"، كما للباحثين عن مخرج من المأزق بالعودة للأصول.
فـ"الطائف" هو الحل والخروج منه هو المشكلة، والبديل من "الطائف" هو المجهول، كما جاء في بيان دار الفتوى بعد استقبال السفير السعودي في بيروت، وهذا "المجهول" معلوم وخطر وخطير، إنه الانتقال من "البلد - الرسالة" بحسب تعبير الفاتيكان الحريص على نموذج "العيش معاً" بالمعنى السياسي لا البيولوجي، إلى "البلد - الولاية" التابع للولي في طهران.
ومن المناصفة والمساواة، ولو نظرية، بين الطوائف في إدارة السلطة عبر مجلس الوزراء إلى الهيمنة المذهبية على بقية الطوائف، فـ"الطائف" رسم خريطة طريق لتطويره بالانتقال من النظام الطائفي الى نظام المواطنة في دولة مدنية بالفعل عبر تأليف "هيئة وطنية لدرس السبل الآيلة الى تجاوز الطائفية وإلغاء الطائفية السياسية، وهذا لم يحدث. ما حدث هو العمل على الطريق المعاكس، اللعب بالعصبيات الطائفية وإعطاء الأولوية للمذاهب وخدمتها، ذلك أن لبنان منذ التسليم الإقليمي والدولي للوصاية السورية بإدارة الطائف يعيش في زمن الانقلاب على الطائف، فالبنود الحيوية والمهمة في الاتفاق أبقيت في الأرشيف بلا تنفيذ، وما جرى تنفيذه جاء عكس المرسوم له في الطائف.
وما يخيف كثيرين وسط المأزق الحالي وأزماته المتعددة التي بينها الشغور الرئاسي هو خطر أن يكتمل الانقلاب على "الطائف" بقوة السلاح والعدد والدعم من قوة إقليمية، وما يطالب به بعضهم تحت عنوان الواقعية هو إقناع أصحاب القوة بعدم الذهاب إلى النهاية في الانقلاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا المناخ بدأت الدعوات إلى الفيدرالية والانتداب الدولي وحتى التقسيم، وهي على العموم مخارج مستحيلة فوق كونها ليست حلولاً، أما الداعون إلى نظام علماني أو أقله دولة مدنية فإنهم يعرفون ما على الطريق من حواجز ومصالح ومشقات، مع أن هذا هو الطريق القويم.
ومن هنا تجدد الدعوات إلى تطبيق "الطائف" نصاً وروحاً لأن هذا هو الحل الوطني والواقعي حالياً، فصحيح أن المركزية الشديدة في نظام طائفي تقود إلى الفشل في إدارة التعددية، وبالتالي إلى أزمات وصدامات وصراعات وحتى حروب دورية، لكن الصحيح أيضاً أن أقصى الممكن في لبنان حالياً هو تطبيق المشروع الذي نص عليه "الطائف" من اللامركزية الإدارية الموسعة، فهي صيغة جغرافية لا طائفية لأن التعددية قائمة في كل محافظة أو قضاء بصرف النظر عن تفاوت النسب، وهي تسمح للناس العاديين بالمشاركة في الخيارات والقرارات والمراقبة والمحاسبة، وهو الأمر الغائب حالياً، فضلاً عن أن أمراء الطوائف يديرون المركزية الشديدة ضمن "فيدرالية طوائف" غير معلنة ولا رسمية.
وأكثر من ذلك فإن لبنان مضروب بثلاث آفات مترابطة، محاصصة بين أمراء الطوائف باسم طوائفهم، ورأسمالية نيو ليبرالية متوحشة ضمن اقتصاد الريع، وفساد وسطو على المال العام والخاص بلا محاسبة ولا حتى مساءلة، والهدف الضمني في "الطائف" كان تطوير فكرة جرى العمل لها خلال الستينيات تقضي بأن تنتقي الطوائف أفضل ما عندها لتمثيلها في المؤسسات، وبالتالي إقامة "دولة أرقى من الطوائف"، وهذا ما يجب التركيز عليه والعمل على تحقيقه مهما يكن المستفيدون من سوء الوضع أقوياء، لكن أمراء الطوائف تمكنوا من ضرب المبادرة بالنقاط أولاً ثم بالضربة القاضية بعد أعوام.
وليس من المعقول ولا المقبول الاستمرار في تطبيق معادلة خطرة جداً بدل تطبيق "الطائف" تتمثل في أن الثابت هو الأزمة والمتغير هو الحل، والثابت هو السلاح غير الشرعي والمتغير هو الشرعية.