Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أطفال القمر"... داء يخطئه العلاج لأبناء البادية في المغرب

جمعية واحدة تسجل 500 حالة والانتشار 100 ضعف عن الولايات المتحدة و10 أضعاف أوروبا

كي يعيش طفل القمر مثل غيره فإنه يحتاج إلى قناع ثمنه 1400 دولار (مواقع التواصل) 

ملخص

متى يعيش "أطفال القمر" تحت "أشعة الشمس" في المغرب؟

ما إن تختفي الشمس وتتوارى أشعتها الساخنة، وتنسدل خيوط الليل ويطل القمر، حتى تنطلق الحياة الفعلية عند فاطمة الزهراء التي بات محكوماً عليها بعدم الخروج في النهار، خشية أن تسوء حالتها إذا ما تعرضت لضوء الشمس.

فاطمة الزهراء هي واحدة من "أطفال القمر"، صغاراً وكباراً الذين يواجهون العديد من العراقيل والأخطار في المغرب، على مستوى الصحة والتعليم والتشغيل، علاوة على النظرات القاسية للمجتمع إزاء الشكل الخارجي للطفل.

في الوقت الذي لا توجد فيه إحصائيات رسمية دقيقة عن عدد الأطفال المرضى بهذا الداء في المغرب، فإن جمعية واحدة مثل جمعية "التضامن مع أطفال القمر" تكشف ضمها أكثر من 500 طفل أغلبهم من أبناء البادية، إضافة إلى أن بعض الأسر تأوي أكثر من حالة.

جفاف الجلد

ويصنف الأطباء والأخصائيون داء "جفاف الجلد المصطبغ" الذي يصيب "أطفال القمر" تحديداً بأنه مرض نادر، ينجم عن نقص في الحمض النووي المسؤول عن معالجة الطفرات الناتجة من اختراق الأشعة فوق البنفسجية للجلد.

ويصيب هذا الاضطراب المرضي بنسبة واحد من بين 10 آلاف شخص في منطقة شمال أفريقيا، وهو رقم يبلغ أكثر من 10 أضعاف المعدل المسجل في أوروبا، ويضاهي 100 ضعف معدل الحالات في الولايات المتحدة الأميركية.

 

 

ويواجه طفل القمر، وهو اللقب الذي يطلق على الصغير والكبير المصاب بهذا الاضطراب الجلدي، عدداً من المشكلات الصحية، التي تبدأ بظهور بثور على الجلد، مروراً بتطور خلايا سرطانية، وانتهاءً باستئصال أعضاء مثل الأنف أو العين، قبل أن تكون الوفاة حتفاً للمريض.

في المغرب، لا يزال مرض "أطفال القمر" غير معروف، لكن يظل الشكل الخارجي مميزاً للحالة عن الباقين، إذ يبتعد المصاب عن الخروج تحت أشعة الشمس، وإذا فعل يتعين عليه ارتداء "قناع طبي"، ونظارات مخصصة لهذا الاضطراب الجلدي.

ويتسبب هذا الوضع في عزلة مجتمعية لأطفال القمر، بالنظر إلى أنه يضطر في كثير من الأحيان إلى الابتعاد عن أشعة الشمس للنأي بجلده عن الأشعة البنفسجية، وانتظار فترة الليل من أجل الخروج واستئناف الحياة.

رحلة الصعاب

"رحلة علاج أطفال القمر طويلة وشاقة ومرهقة" بهذه العبارة لخص طبيب أمراض الجلد، مامون بندادا، حياة المريض باضطراب جفاف الجلد المصطبغ الذي يحول جلده إلى منطقة تشبه "النمش" والبقع المنتشرة بسبب التعرض لأشعة الشمس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح الطبيب المختص بأن رحلة العلاج طويلة ومتشعبة، لأن المريض لا يتوقع أن يُشفى من هذا الاضطراب، بسبب أنه لا يوجد علاج كاف أو ناجع في العالم لهذا المرض النادر، على غرار العديد من الأمراض النادرة الأخرى التي تتجاوز 800 صنف.

ووفق المتحدث ذاته، فإن المجتمع المغربي لم يدرك خطورة هذا الاضطراب الجلدي الذي يحول حياة المصاب به إلى جحيم، والذي يتطلب العديد من التصرفات والسلوكيات والخضوع لكثير من التدابير، وكذلك امتلاك الوسائل الكفيلة بعدم التأثر بأشعة الشمس التي تصيب جلد طفل القمر أحياناً بتقرحات خطيرة.

فاطمة الزهراء شابة أصيبت بداء "جفاف الجلد المصطبغ"، فتغيرت حياتها رأساً على عقب، أقلها لا تعيش حياة عادية مثل قريناتها، كما تقول، وأقساها أنها اضطرت مثل العديد من أطفال القمر لإجراء العديد من العمليات الجراحية بشأن مضاعفات أو أمراض مرتبطة بالمرض.

وعلى رغم نشاطها وحيويتها التي لا تخطئها العين، فإن هذا المرض النادر أنهك الجسد النحيل لفاطمة الزهراء التي صارت مجبرة على إجراء عمليات جراحية متكررة، بعضها كانت لبتر أجزاء من الأنف حتى تم بتره كاملاً بسبب نمو الخلايا السرطانية نتيجة مضاعفات التعرض للشمس، وهو ما ألقى بتأثيره على مسارها الدراسي ونمط حياتها وطموحاتها الشخصية.

ترسانة مشكلات

هذه المشكلات الصحية يقول رئيس جمعية "التضامن مع أطفال القمر" حبيب غزاوي إنها "معقدة ومكلفة مادياً، وتحتاج إلى متابعة طبية دقيقة، حيث تتداخل فيها عدة تخصصات من أطباء العيون والجراحة والدماغ، وكذلك الأمراض الجلدية وبعض التخصصات الأخرى".

 

 

ودعا غزاوي، وهو الأب الذي يتجرع معاناة ابنته فاطمة الزهراء من هذا المرض، السلطات الحكومية إلى توفير العلاج المجاني لأطفال القمر، لا سيما أنهم يحتاجون لتحاليل طبية وعمليات جراحية وأمراض مرافقة لمرضهم الرئيس.

وأشار غزاوي إلى أنه يصعب على هذه الفئة متابعة دراستهم، ما يستدعي إيجاد حلول مثل توفير الدراسة عن بعد، مردفاً أن هناك مرضى ضحوا بصحتهم وبلغوا مستويات دراسية عليا لكنهم وجدوا مشكلات في إيجاد وظائف وأو فرص للالتحاق بالعمل.

ولفت المتحدث إلى أنه سبق له أن طرح على وزارة التضامن والأسرة مسألة إدراج هذا المرض ضمن لائحة أمراض الإعاقة، إذ إن طفل القمر يمشي ويترك وقد يظهر أنه سليم ظاهرياً، لكن لا يتم إدراك مدى التداعيات الخطيرة التي يعيشها بسبب هذا المرض، والتي قد تصل إلى الموت.

وتطرق رئيس جمعية "التضامن مع أطفال القمر" إلى موضوع تجهيز هذه الفئة من المرضى بأقنعة خاصة تساعدهم على الذهاب إلى المدرسة، غير أنها أقنعة مكلفة مادياً، فالقناع الواحد قد يكلف نحو 14 ألف درهم مغربي (1400 دولار أميركي)، ما يستدعي البحث عن حلول لتوفير أقنعة بأسعار مقبولة.

تنمر وسخرية

إضافة إلى هذه العراقيل والمشكلات المتشابكة في الصحة والتعليم والتشغيل والتجهيزات التي تعترض طفل القمر في حياته اليومية، فإنه يواجه مشكلة اجتماعية أكثر تأثيراً عليه بالسلب وهي معضلة التنمر والسخرية.

 

 

ويحكي فؤاد المصاب بهذا المرض النادر عن الكم الهائل من التنمر والتهكم والسخرية التي تصل إلى حد الشتائم والنفور بسبب شكله الخارجي، سواء كان مرتدياً للنظارات الخاصة أو القناع الطبي أو من دونهما.

وقال فؤاد إنه "إذا لم يضع النظارات على عينيه بسبب حساسيتهما حيال الأشعة، والقناع على رأسه، وخرج من دونهما كان يتعرض لسيل من عبارات التنمر خصوصاً في صغره"، مشيراً إلى تعرضه كذلك إلى أسئلة فضولية من قبيل "ما هو مرضك بالتحديد" أو "هل أصبت بحروق جلدية؟".

واستطرد الشاب قائلاً "إذا خرجت من البيت مرتدياً القناع الطبي مثلاً، فإن النظرات والتعليقات تحتد وتتناسل، وكم سمعت من أشخاص يسخرون مني بالقول مثلاً: هل هذا شخص قادم من الفضاء إلى كوكب الأرض؟".

وتابع فؤاد أن المشكلة تكمن في أن كثيرين يجهلون المرض وحقيقته، بدليل أن البعض يرفض مد يده للسلام أو العناق على المصاب بالاضطراب الجلدي، خشية أن يكون هذا المرض النادر معدياً، وهو ما يؤدي إلى زيادة الشحن النفسي والتأثر بهذه السلوكيات.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي