ملخص
تكاثرت الحكايات حول مصير ابنة الأسرة الروسية الحاكمة قبل ثورة البلاشفة واختبارات الحمض النووي لا تحسم الحقيقة بشكل نهائي
في السادس عشر من يوليو (تموز) الجاري، توافد إلى مدينة "يكاترينبورغ"، الروسية الشهيرة، مسقط رأس الرئيس الأول للاتحاد الروسي "بوريس يلتسين"، رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الروسية المنتشرون في المراكز الروحية الكبرى حول العالم، أنطاكيا وصربيا والتشيك وسلوفاكيا وأميركا، وذلك للاحتفال بالذكرى المئة والخمسة، لواحدة من أكثر المناسبات الحزينة في تاريخ روسيا.
جرى الاحتفال في الكنيسة القائمة فوق مسرح الدماء، الذي خلفته مجزرة لم ولن ينساها التاريخ الإنساني عامة والروسي بخاصة، وداخل "القاعة الملكية" التي استشهدت فيها العائلة التي باتت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وبعد زوال الحقبة الشيوعية، يطلق عليها "العائلة المالكة المقدسة".
لم يكن الأمر مجرد صلاة أو قداس احتفالي فحسب، بل بداية لما يعرف بـ"الخدمة الكنسية للأيام القيصرية"، التي تبدأ في ليلة 17 يوليو في الساحة أمام كنيسة الدم الشهيرة، ومن أهمية الحدث أنه شارك فيه 12 أسقفاً، وفي نهاية الصلاة، جرى تطواف في مسار يسمى "يانينا ياما"، حيث يوجد الدير المعروف باسم "دير العائلة المالكة المقدسة".
يعن لنا التساؤل أول الأمر، من هي هذه العائلة، ولم تسمى المقدسة، وما السبب في تقديسها في أعين الروس، وهل هي قصة منتهية في الزمن، أم أنها مستمرة عبر بعض الألغاز التي لم يمط اللثام عنها حتى الساعة؟ ثم وهذا هو التساؤل الأهم، بل اللغز الباقي من دون حل حتى الساعة: هل من نسل باق إلى اليوم لهذه الأسرة؟ وما حكاية أحد أفرادها الذي يقول بعضهم إنه هرب من المذبحة، فيما ترى أصوات أخرى أنه لم ينج أحد من هذا العمل الإجرامي الأخطر في تاريخ الأسر الروسية الحاكمة عبر نحو ثلاثة قرون، على رغم ظهور كثير من الأشخاص الذين انتحلوا هذه الشخصية.
أسرة رومانوف من التأسيس إلى التوسع
يحتاج التأصيل لجذور هذه الأسرة كتباً وأبحاثاً قائمة بذاتها، وليس بضعة سطور، غير أنه باختصار مفيد تعد أسرة رومانوف العائلة المالكة الثانية بعد أسرة "روريك" والأخيرة في حكم روسيا القيصرية، فقد تأسست عام 1613، ومضت بها الحال نحو ثلاثة قرون، وكانت النهاية في 15 مارس (آذار) 1917، حين اضطر القيصر نيقولا الثاني للتنازل عن العرش، نتيجة ضغط الثوار البلاشفة.
يعود أصل العائلة بحسب عدد من المؤرخين إلى منطقة بروسيا في شمال شرقي ألمانيا، وقد قدموا إلى روسيا مهاجرين في القرن الرابع عشر، لكن بعض المؤرخين الروس يعتقدون أن أصولهم تعود إلى مدينة "نوفغورد" الروسية.
في عام 1614 انتخب مجمع "زيمسكي" أو بالأحرى مؤتمر ممثلي فئات الشعب في عموم روسيا ميخائيل فيودوروفيتش نيكيتيش، قيصراً لعموم روسيا وحكمت ذريته التي تدعى تقليدياً أسرة رومانوف روسيا حتى عام 1917.
عاشت أسرة رومانوف لا سيما في بدايات عهدها فترات طويلة وواسعة من الاستقرار السياسي، الأمر الذي مكنها من التوسع جغرافياً، وبنوع خاص في عهد بطرس الأكبر، حفيد ميخائيل رومانوف القيصر المؤسس.
في عهد بطرس الأكبر، تحولت روسيا من دولة غير ساحلية إلى واحدة من أكبر الإمبراطوريات في أوروبا، خلال الحروب ضد كل من الإمبراطورية العثمانية والسويدية، تمكنت روسيا من توسيع أراضيها، وأصبحت القوة المهيمنة في كل من منطقة بحر البلطيق والبحر الأسود.
في السنوات اللاحقة شكلت حملة الإمبراطور الروسي ألكسندر الأول نقطة تحول في الحروب النابليونية، عندما غزا الفرنسيون روسيا عام 1812، في ذروة قوة نابليون بونابرت، حين هزم جيش الإسكندر الأول القوات الفرنسية.
الضعف يلف حكم نيكولاس رومانوف
كشأن كل الأنظمة السياسية عبر التاريخ، التي تعرف فترات ازدهار، ثم تنتابها أوقات انهيار، كان هذا هو قدر أسرة رومانوف.
كانت النهايات قد وصلت عند الإمبراطور "نيكولاس ألامسندروفيتش رومانوف"، المولود عام 1868، والمغدور عام 1918.
يكنيه الروس الأرثوذكس بالقديس نيقولا حامل العاطفة، وكثيراً ما يُكنى بـ"القديس نيقولا الشهيد"، ولقبه معارضوه نيقولا الدامي.
تميزت إدارة نيقولا الثاني بالتطور الاقتصادي في روسيا في الوقت الذي زادت فيه التناقضات الاجتماعية والسياسية مع الحركة الثورية التي أشعلت ثورة 1905-1907 وثورة 1917.
أما في السياسة الخارجية، فقد اتسمت إدارته بالتوسع في الشرق الأقصى، والحرب مع اليابان، كما تعرضت روسيا في عهده إلى هزيمة منكرة حين دمر اليابانيون الأسطول الروسي.
أدى سوء تعامله مع الحرب الروسية اليابانية ما بين 1904و 1905، وانتفاضة عام 1905 للعمال الروس، المعروفة بالأحد الدامي، وتدخل روسيا في الحرب العالمية الأولى إلى تسريع سقوط الإمبراطورية، كما أسهم أصل زوجته الألمانية التي كانت تتصرف بكراهية تجاه الثقافة الروسية في كراهية معظم الشعب الروسي لها.
أمر آخر أدى إلى تراجع شعبية نيكولاس الثاني، تمثل في تفاني زوجته القيصرة "الكسندرا"، في خدمة الراهب الروسي "غريغوري راسبوتين"، الذي راجت من حوله كثير من القصص التي امتزجت فيها الحقيقة مع الأسطورة، واختلفت الآراء لجهة ما إذا كان قديساً أو إبليساً، وقد وقعت القيصرة تحت تأثيره بعد أن أسهم في علاج ابنها الوحيد، أليكسي، الذي سيصبح ولياً للعرش، من مرض "الهيموفيليا" المزمن، وهو مرض وراثي لا يتجلط فيه الدم بشكل طبيعي، ما يتسبب في نزيف حاد بعد أدنى إصابة بسيطة.
أثار تأثير راسبوتين القوي في الأسرة الحاكمة غضب النبلاء وقادة الكنيسة والفلاحين على حد سواء، ما أضعف من شعبية نيكولاس وسط الروس.
تمثلت الطامة الكبرى والقشة التي أنهت عصر رومانوف في إقحام روسيا في الحرب العالمية الأولى، في وقت لم تكن فيه البلاد مستعدة لخوض غمار الحرب، الأمر الذي أدى إلى وقوع نحو ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف قتيل روسي، غير الجرحى والخسائر الاقتصادية.
قامت الطبقات الوسطى على الفور غاضبة بلا حدود تدعمها مجموعات عديدة تدعو للإصلاح بالمطالبة بتغيير الحكم.
غادر القيصر نيكولاس الثاني سانت بطرسبرغ في عام 1915، لتولي قيادة جبهة الجيش الروسي الفاشلة في الحرب العالمية الأولى، ولكن بحلول عام 1917 فقد معظم الروس كل الثقة في قدرة القيصر على القيادة.
في 15 مارس من عام 1917، تنازل نيكولاس عن الحكم، وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، كان الثوار البلاشفة، قد أحكموا قبضتهم على البلاد، بقيادة "فلاديمير لينين"، ليؤسس بذلك أول دولة شيوعية في التاريخ العالمي الحديث. أما أسرة اليقصر رومانوف، فقد أرسلت للعيش والإقامة الجبرية في سيبيريا عام 1918... لتكتب هناك فصول المأساة الأخيرة، وتبقى الأسئلة المعلقة عبر نحو 100 عام.
مجزرة مروعة في يكاترينبورغ
في مايو (أيار) من عام 1918، نقلت عائلة رومانوف إلى بلدة يكاترينبورغ، وهناك في الساعات الأولى من صباح يوم 18 مايو (أيار)، لقوا حتفهم في ما يبدو.
وصف أحد الحرس، يدعى "بافل مدفيدياف"، المشهد في ما بعد للمحققين ذوي البشرة البيضاء، إذ قال إنه تم إيقاظ أفراد العائلة من نومهم وأُمروا بالنزول إلى قبو المنزل.
حضر القيصر السابق نيكولاس الثاني أولاً، حاملاً ابنه المريض أليكسي الثاني ذا الـ13 سنة.
بعد ذلك حضرت زوجته ألكسندرا، وأعقبتها بناتها الأربع، أولغا ذات الـ22، وتاتيانا ذات الـ21، وماريا ذات الـ19، وأنستاسيا ذات الـ17 سنة.
تواجد كذلك طبيب العائلة، والطاهي، والخادمة، والخادم الخاص.
كان الضابط البلشفي المسؤول عن الحراسة، يدعى "باكوف بوروفسكي"، قد رتب أن تكون ظهور السجناء الـ11 إلى الحائط، وكأنه سيلتقط صورة تذكارية للعائلة. بعدها استدعى فرقة الإعدام وأبلغهم بأن لجنة "الأورال التنفيذية المركزية" قد قررت إعدامهم. وفي تلك اللحظة، أطلق بوروفسكي النار على القيصر السابق ليلقى مصرعه في الحال.
خصص لكل عضو في فرقة الإعدام ضحية، إلا أن الغرفة كانت صغيرة للغاية حتى إنهم لم يستطيعوا اتخاذ الوضع الصحيح لإطلاق النار، وفشلت تصويباتهم الأولى في قتل الملكة السابقة وبناتها، اللواتي طال عذابهن أكثر وأكثر بسبب صفوف الماس التي خبأنها في مشدات الخصر، فقد ارتدت طلقات الرصاص عنها وتبعثرت عبر الغرفة. وفي النهاية أجهز عليهن الحرس باستخدام حرابهم ومؤخرات بنادقهم.
عمت الفوضى مراسم دفن العائلة بالقدر نفسه، وكان ذلك يرجع في جزء منه إلى اهتمام الحرس بالاستيلاء على الماس أكثر من اهتمامهم بالتخلص من الجثث، فقد ألقوا بهم في البداية في بهو منجم قريب، ثم عادوا في اليوم التالي للبحث عن مكان أكثر سرية لدفنهم فيه، غير أن الثلوج التي وحلوا فيها أجبرتهم على الدفن العشوائي في المدنية.
لم يذكر الإعلان الرسمي عن موت القيصر السابق أياً من تلك التفاصيل الدموية. ففي 20 يوليو، أفادت جريدة "برافدا" بأن القيصر نيكولاي قد أعدم بناء على أوامر المجلس المحلي في مدينة يكاترينبرغ، وأضاف بنفس الاقتضاب أن بقية أفراد العائلة قد "أرسلوا إلى مكان آمن".
هل كانت الجملة الأخيرة هذه هي السبب الرئيس في بقاء قصة أسرة رومانوف بمثابة لغز حتى الساعة؟
تبدأ الحيرة من عند عدم وجود سوى شاهد عيان واحد، مع ملاحظة أنه كان قد أدلى بشهادته لذوي البشرة البيضاء الذين كانت لهم مصلحة شخصية في تصوير البلاشفة كسفاحين وقتلة.
كانت النتيجة أن انتشرت منذ ذلك الوقت قصص عن هروب واحدة أو أخرى من أفراد العائلة، في الغالب بمساعدة أحد الحرس الرحماء، وقد كان من السهل نبذ معظم من ادعين أنهن الهاربات باعتبارهن محتالات، ولكن ليس جميعهن، إذ إن بعضاً منهن قد حصل على دعم من أقارب ومعارف العائلة الملكية الباقين على قيد الحياة.
الحقيقة والأسطورة في قصة أناستاسيا
لا يزال الغموض يلف عملية تنفيذ حكم الإعدام على أسرة رومانوف، بخاصة في ظل عدم وجود شهود كثيرين، ما يجعل رواية شاهد واحد أمراً مشكوكاً فيه.
تخبر بعض المصادر أن جثث العائلة تنقلت أربع مرات، قبل أن يدفنوا في حفرة لا تحمل أي علامات مميزة، حيث بقيت هناك حتى صيف عام 1979، وخلال الحقبة السوفياتية، عندما نبش بعض الهواة المتحمسين القبر، وأعيد دفن البعض منهم، وقرروا بعد ذلك إخفاء الأمر حتى سقوط الشيوعية.
في يوليو من عام 1991، أخرجت الجثث المسحوقة لنيكولاس الثاني وزوجته، جنباً إلى جنب مع ثلاثة من أصل خمسة من الأطفال، إضافة إلى أربعة من الخدم، على رغم وجود شك في هذه العظام وعلى رغم فحص الحمض النووي، وذلك لأن جثتين لم يعثر عليهما، الأمر الذي فتح باب التوقعات لجهة هروب اثنين من آل رومانوف.
جرت كثير من النقاشات حول هذه المسألة، فقد قدم عالم روسي صوراً فائقة الوضوح، وقرر أن ماريا وأليكسي لم يكونا في الحفرة.
في وقت لاحق قام عالم أميركي بفحص الأسنان وعظام العمود الفقري، وقال بأن أنستاسيا وأليكسي هما اللذان لم يعثر لهما على جثث.
ولدت انتستاسيا في يونيو (حزيران) من عام 1901، ويبدو أنها كانت ذات شخصية جذابه جداً، ذكية العقل بشكل كبير، أثنى عليها جميع معلموها بسبب سرعة تعلمها وإدراكها وقد كانت قريبة جداً إلى قلب والدها نيكولاس الثاني هي وأخوها الأصغر أليكسي المريض، والوريث المحتمل للعرش.
وبالعودة إلى رواية الاغتيال الغامضة، وقيام البلاشفة بإطلاق النار بشكل عشوائي، يرجح البعض أن دماء القيصر وزوجته قد غطت الأطفال الصغار، ما يعطي فرصة لتصديق أن بعضهم لم يقتل، وقد قدر له الهروب بخاصة أنستاسيا، وهي رواية رجحها بعض الجنود الروس وقتها.
رواية أخرى تقول إن شخصين على الأقل من الذين استدعوا للمساعدة في نقل الجثث إلى الشاحنة قاموا بالانحناء على جثة تمتلئ بالدماء لإحدى الأميرات الصغيرات وهي الأميرة الشهيرة أناستاسيا، ووجدوها مازالت على قيد الحياة، ولكن كانت تشعر بألم شديد وكانت هناك شكوك كثيرة حول بقائها على قيد الحياة بسبب كبر حجم الجرح الذي كانت تعاني منه في رأسها، ولهذا قاموا بلفها وتأكدوا من عدم تتبع أحد لهم وأسرعوا ووضعوها في بيت صغير بأول السهل، وهناك وضعت على الفراش وغادروا سريعاً حتى لا يلتفت أحد لغيابهم.
منذ ذلك الحين سرت عديد من الإشاعات، إذ قامت عديد من النساء بالادعاء أنهن الأميرة، في محاولة منهن لكسب إرث عائلة رومانوف، وحسب بعض الإحصاءات تجاوز عدد الادعاءات حاجز الـ100، ما يعني أن قصتها المأسوية قد تحولت إلى أسطورة استمرت لأكثر من 50 سنة، وإن كانت أشهر وربما أخطر تلك الأساطير، قصة الفتاة التي حملت اسم "آنا أندرسون"، وهل كانت هي الأميرة الروسية أناستاسيا بالفعل أم لا؟
آنا أندرسون بين المصدق والمكذب
من بين أهم الكتابات التي أوردها المؤلف "بول آرون"، في عمله المميز عن الألغاز التاريخية المحيرة، يتوقف عند واحدة كانت تعرف بأسماء متعددة في مراحل مختلفة من حياتها، ولكنها بالنسبة إلى مؤيديها كانت دوماً الأميرة أناستاسيا.
جذبت هذه السيدة أنظار العالم إليها لأول مرة في فبراير (شباط) من عام 1920، بعد أسبوعين من محاولتها الانتحار بالقفز في قناة "لاندفير" ببرلين، وبعد إنقاذها روت حكاية غريبة عن جندي بولندي أخرجها محمولة من القبو في مدينة "يكاترينبورغ" وهي فاقدة الوعي، وقد تمكنت بمساعدته من عبور روسيا في عربة، ووصلت إلى رومانيا، ثم قررت التوجه إلى برلين لطلب المساعدة من عمتها الأميرة أيرين من بروسيا، ولكنها يئست من إقناع أيرين بهويتها وقررت بدلاً من ذلك إلقاء نفسها في النهر.
لاقت هذه الفتاة من عدد مذهل من الروسيين المنفيين قبولاً منقطع النظير، بعد ملاحظة الشبه بينها وبين الأميرة أناستاسيا التي يفترض أنها ماتت، وقد كان من بين من صدقوها ابن عم والدها القيصر نيكولاس الثاني، من الدرجة الأولى، الجراندوق أندريه، وابنة عم انستاسيا نفسها، الأميرة زينيا.
وفي نيويورك، حيث اتخذت اسم "آنا أندرسون"، كانت المدعية محل إعجاب واسع، فكانت تدعى للشراب وتناول الطعام من جانب عديد من وجهاء المجتمع الأثرياء المتلهفين لأن يشاهدوا برفقة الجراندوقه المزعومة.
غير أنه سرعان ما وقف معظم أفراد عائلة رومانوف ضد أندرسون، ففي أكتوبر (تشرين الأول) عام 1928، وقع اثنا عشر فرداً من الأسرة المكلومة وثلاثة من أقارب الكسندرا إعلاناً مشتركاً ينص على أن السيدة التي تعيش في الولايات المتحدة، ليست الجراندوقة أنستاسيا، وعلى عكس ما يشاع، رفضت الإمبراطورة العجوز، جدة انستاسيا، مقابلتها أو حتى سماع ذكر اسمها.
في عام 1938، توجهت أندرسون بقضيتها إلى المحكمة في محاولة للحصول على نصيبها مما تبقى من أملاك رومانوف، وكانت الأدلة ضدها قوية، فلم ينبذها معظم أقاربها فحسب، بل إنه في عام 1927 تعرفت عليها سيدة تدعى "دوريس وينجندر" وأقرت بأنها "فرانشيسكا شانتسكوسكا"، وهي عاملة بولندية في أحد المصانع عاشت معها حتى عام 1920.
كانت أندرسون بطلة صعبة المراس بالنسبة إلى شخص يزعم أنه عاش حياة توازي ما يقرأ عنه في قصص الجنيات، فكثيراً ما كانت تتصرف بغطرسة وتعجرف، وتعادي حتى أقوى مؤيديها، وكانت ترفض التحدث بالروسية، ما عمق الشكوك تجاهها بأنها محتالة،
لكن على رغم ذلك، قدم مؤيدوها تفسيرات منطقية لذلك، منها أن الغطرسة ناجمة عن نشأتها في عائلة ملكية، ورفضها للحديث باللغة الروسية سببه الربط النفسي بين تلك اللغة وبين الاغتيال الصادم لوالديها وأشقائها.
غير أن كل ذلك لم يشكل سوى حجة واهية، وبعد تأجيلات عدة، رفضت محكمة ألمانيا الغربية العليا استئنافها عام 1970.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل حسمت وفاة أنستاسيا للأبد؟
في أواخر صيف عام 2007، بدا وكأن هناك دليلاً جديداً على وفاة أليكسي الصغير وأخته أنستاسيا، فقد أعلن أحد العلماء الروس عن اكتشاف من قبل أحد عماله، إذ كشف عن وجود بقايا 46 شظية من عظام بشرية، وأجزاء من أسنان وبعض من نسيج ثوب.
كانت المنطقة التي عثر فيها على البقايا واقعة إلى جانب طريق يسمى "كوبتياكي".
حسم العلماء أمرهم لجهة العظام المكتشفة فقالوا إنها تعود لصبي يتراوح عمره ما بين 10 سنوات و13 سنة وقت وفاته، وامرأة شابة كانت تقريباً تتراوح بين 18 و23 سنة.
كانت أنستاسيا تبلغ 17 سنة وشهراً واحداً من العمر في وقت ارتكاب الجريمة، بينما كانت ماريا أختها تبلغ 19 سنة من العمر وشهراً واحداً، وأليكسي كان سيصبح في الـ14 في غضون أسبوعين، فيما كانت الأخوات الأكبر سناً أولغا وتاتيانا تبلغان 22 و20 سنة على التوالي في وقت ارتكاب الجريمة.
في 30 إبريل (نيسان) 2008 أعلن علماء الطب الشرعي الروس أن اختبار الحمض النووي قد أثبت أن الرفات تعود إلى أليكسي وشقيقته أناستاسيا، ونشرت المعلومات بشكل رسمي في يونيو 2008.
غير أنه لكي يظل اللغز قائماً، ففي سبتمبر (أيلول) من عام 2015 فتح التحقيق مرة جديدة، بعد أن قالت لجنة تحقيق روسية، وهي هيئة حكومية، إن هناك حاجة إلى فحوصات جديدة للتحقق من رفات عام 2007.
هل يعني هذا أن هناك شخصاً ما أو جهة ما لايزال يتشكك في أن أنستاسيا بقيت حية وربما شقيقها أليكسي كذلك، إلى وقت بعيد؟
تبقى الاحتمالات واردة، وتبقى أسرار الدولة السوفياتية الشمولية عميقة وخطيرة في الوقت ذاته ويلفها الغموض، وفي مقدمتها مصير أسرة رومانوف.