Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نحن لا نحطم الأرقام القياسية في مستويات الحرارة بل نتخطاها

منذ عقود مضت تنبأ العلماء بالظواهر المناخية الشديدة القسوة التي شهدتها شتى بقاع العالم. في ما يلي شرح عن كيف وصلنا إلى هذا الدرك وعرض للخطوات الواجب اتخاذها حيال هذه الأزمة

لولا الاحترار العالمي، والارتفاع المستمر لمستويات انبعاثات الكربون لكان محالاً حدوث حرائق الغابات الأخيرة وموجات الحر والمعدلات المهولة من الأمطار والفيضانات (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

اللعب بالنار: بين مطرقة القيظ الشديد وسندان الحرائق الملتهبة، شرح للأسباب وعرض للحلول.

في الشهر الحالي، سجلت المعمورة أعلى متوسط بلغته درجات الحرارة على الإطلاق، ليس مرة واحدة فقط بل أربع مرات في أربعة أيام. من جزيرة رودس اليونانية، مروراً بالجزائر، وصولاً إلى كندا، تلتهم الحرائق الغابات، وقد خرج كثير منها عن سيطرة الإنسان. يخنق الدخان المتصاعد والكثيف أنفاس الناس. كذلك فقد كثر منازلهم؛ ويتعرض التنوع البيولوجي للتآكل.

لولا الاحترار العالمي الناجم عن حرقنا الوقود الأحفوري، والارتفاع المستمر الذي لا تنفك تسجله مستويات انبعاثات الكربون لكان محالاً حدوث هذا الكم من حرائق الغابات المتكررة الأخيرة وموجات الحر والمعدلات المهولة من الأمطار والفيضانات، وبلوغها كلها هذه الوطأة الشديدة. في الحقيقة، إننا نلعب بالنار بكل ما للكلمة من معنى، في حال لم نأخذ في الحال وبشكل جاد وسريع الإجراءات اللازمة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى السياسات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يفاقم الاحترار العالمي ظاهرة "النينو" El Nino الطبيعية، ويجعلنا أقرب إلى حد الخطورة من نقاط التحول في النظام المناخي [عتبات تؤدي إلى تغيرات كبيرة في النظام عند تجاوزها]. ربما نكون قد أشعلنا فعلاً شرارة تتعذر علينا السيطرة عليها الآن. لا يقدم لنا العلم إجابة أكيدة. طوال عقود مضت، تنبأ علماء المناخ بظواهر المناخ المتطرفة التي قاساها العالم خلال الشهر الماضي. للأسف، ما نشهده اليوم هو حصيلة 27 مؤتمراً فاشلاً من مؤتمر الأطراف COP للتغير المناخي، ومؤتمرات مناخية فاشلة لا حصر لها، وحكومات ضعيفة لا رؤية مستقبلية لها، ناهيك عن طمس متعمد للحقائق المناخية من جانب جهات معينة تحظى بتمويل جيد ولها مصالح متشعبة مشكوك بأمرها ومضللة.

لا ريب أن الهروب من الفندق حيث تمضي عطلتك تجربة صادمة جداً: يملأ الدخان المتصاعد السماء، وتلعق النيران الهواء فوقها، والحرارة الشديدة تزحف صوبك... مجبر أنت على ترك متاعك والركض بعيداً. ولكن أن تخسر منزلك ومصدر رزقك، كما حال سكان هذه المناطق، لهي تجربة أشد إيلاماً.

ومع ذلك، على رغم مشاهد الحرائق في اليونان والفيضانات في شرق كندا التي تدمي القلوب، علينا أن نشعر بقلق أكبر من بعض العلامات الظاهرة الأقل دراماتيكية لانهيار المناخ التي نشهدها هذا العام: إنها موجات الحر غير المتوقعة في المحيط، علماً أنها تشكل تغيراً حاداً في فقدان الجليد البحري في القطب الجنوبي، وتسجيل درجات الحرارة العالمية، ليس بنسب ضئيلة بل بقفزات مهولة.

في يونيو (حزيران)، تراوحت درجات الحرارة في شمال المحيط الأطلسي، قبالة الساحل الغربي لإيرلندا، بين أربع وخمس درجات مئوية فوق المتوسط الذي بلغته الحرارة في ذلك الوقت من العام. صنفت "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" هذا الرقم على أنه "أبعد من الحد الأقصى". مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات، يذوب جليد البحر، فتتراجع قدرته على عكس ضوء الشمس (المعروف باسم تأثير "البيدو" أو الوضاءة)، من ثم ترتفع سخونة المحيطات. إنها حلقة خطيرة من النشاط المناخي، كما كشفت الأرقام المسجلة هذا الشهر.

تراجع حجم الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) الآن بنسبة ضخمة بلغت 10 في المئة عن أدنى مستوى قياسي له سابقاً، فكر ملياً: 10 في المئة أقل. إذا حطم عداء الرقم القياسي العالمي 100 متر ببضع أجزاء من المئات من الثانية، سيتصدر الأخبار الرئيسة. ولكن إذا حطم الرقم القياسي بثانية كاملة، سنعرف أن ثمة خطباً ما. وعلى النحو نفسه، لا بد من أن يعترينا القلق إزاء السرعة التي يذوب بها الجليد.

يكمن عدم يقين علوم المناخ في مفاهيم نقاط التحول المناخية المتتالية؛ والرأي القائل إن ذوبان الجليد، وحرائق الغابات، والميثان المتسرب من التربة الصقيعية، من شأنها أن تؤدي إلى احترار أكبر منفلت العقال بما ينطوي عليه من تداعيات مدمرة بالنسبة إلينا جميعاً.

وبعيداً من العلم، تكمن الألغاز الحقيقية في تقاعس الحكومة عن العمل، والتغطية المتواضعة لمعظم هذه الحوادث المناخية في معظم وسائل الإعلام.

ما هي الأسباب التي تفسر كل ما سبق؟ كانت صناعة النفط والغاز تتبع نموذجاً واضحاً، وضعته منذ عقود صناعة التبغ، بشأن كيفية تأخير الإجراءات على صعيد السياسات لمواجهة الحقائق العلمية المقلقة. المجموعات التي تحظى بتمويل جيد والتي تربطها علاقات قوية بوسائل إعلام كثيرة قد شرعت وعلى نحو مستهتر في تضليل الناس وتوجيه السياسات.

عادة ما يضللنا وزراء الحكومة بشأن السياسات المتعلقة بالمناخ. اقتصر هنا على ذكر مثالين، ينبغي أن يعرف الوزير البريطاني غرانت شابس أنه ليس صحيحاً القول إن عدم استغلال النفط والغاز الجديدين في بحر الشمال سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وعندما قال زميله مايكل غوف إنه نظر في الأدلة الخاصة بمنجم الفحم في كمبريا، بدا لي واضحاً انحيازه إلى أدلة مولتها شركة تعدين الفحم وليس إلى أدلة مضادة تثبت العكس بدت أكثر صرامة وقوة واستقلالية قدمها خبراء رفيعو المستوى في مجالاتهم.

أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى أن يتوخى سياسيونا الصدق والنزاهة معنا. نحن بحاجة إلى وقف ذلك الكلام الفارغ المتكرر كي نتمكن من خفض انبعاثات الكربون. علينا جميعاً أن نحرص أكثر من أي وقت مضى على أن ندلي بأصواتنا فقط لمن يتنبهون إلى الحقيقة. ستبدو علامات التدهور المناخي أسوأ من الآن فصاعداً، مهما فعلنا. ولكن إذا اتخذنا تدابير عاجلة ووقف الحظ في صالحنا، يسعنا أن ندرأ عنا كارثة عالمية. الوضع شديد الخطورة.

مايك بيرنرز لي باحث ومستشار بيئي وبروفيسور في "جامعة لانكستر"

 

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء