ملخص
المال السياسي عامل أول في اختيار ساكن البيت الأبيض والحذر يتصاعد من تأثيراته في العملية الديمقراطية وتمويل الحملات الانتخابية يفتقر بشكل متزايد إلى الشفافية
بالتوازي مع الارتفاع الحاد وغير المسبوق في درجات حرارة الطقس في كل بقاع وأصقاع الولايات المتحدة، ترتفع كذلك حرارة سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، لا سيما على صعد جمع التبرعات، ومحاولات جذب المانحين، ومراكمة الأرصدة التي تستخدم في خدمة حملات المرشحين.
تحمل قصة التبرعات السياسية في الولايات المتحدة عديداً من التساؤلات العميقة بل والجذرية، وفي المقدمة منها العلاقة بين رؤوس الأموال والنزاهة الديمقراطية.
يتساءل الأميركيون في الداخل ومن يراقبهم في الخارج عن التأثير الذي يحدثه التداخل بين المال والسياسة، وهل يخدم الأمر العملية الديمقراطية أم يؤذيها؟ وقد قال أحدهم ذات مرة إن الانتخابات الأميركية، بمختلف درجاتها، لا سيما الرئاسية تجعل الديمقراطية الأميركية تباع على الأرصفة... هل هذا قول مبالغ فيه؟
للقارئ أن يحدد الجواب في ضوء ما هو معروف عن إمكانية أن يمضي المرء ليلة في جناح الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن في البيت الأبيض، وفي الصباح يتناول الإفطار مع الرئيس في حديقة البيت الرئاسي، مقابل 100 ألف دولار تبرعاً لحملته الانتخابية.
القصة ليست رمزية، بل حقيقية، فيما المبلغ الذي يتم التبرع به للرئيس الساكن البيت الأبيض قد يزيد أضعافاً مضاعفة، وهو ما يشغل تفكير كثير من المفكرين الأميركيين، بل ربما يؤرقهم ويخيفهم من مستقبل الديمقراطية في الدولة التي تعتبر نفسها راعيتها حول العالم.
تمويل الحملات الانتخابية الرئاسية
تدعم الحملات السياسية القومية في الداخل الأميركي عادة بمبالغ هائلة من المال، في كل مراحل الانتخابات، وبنوع خاص في الانتخابات الرئاسية، إذ يتم إنفاق مليارات عدة من الدولارات على الأنشطة المصاحبة، سواء كانت المؤتمرات التي تعقد في كل أنحاء الولايات الواسعة والشاسعة، بجانب الدعاية الانتخابية، عبر وسائل الإعلام التقليدية من إذاعة وتلفزيون، وصولاً لوسائط التواصل الاجتماعي، وغيرها من النفقات.
يسمح القانون لمرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري للرئاسة بتلقي ما مجموعه 180 مليون دولار من الأموال العامة لإدارة حملتيهما الانتخابيتين، كذلك يسمح بتلقي كل مرشح تبرعات يطلق عليها الإنفاق المستقل من "لجان العمل السياسي" التابعة للمؤسسات الاقتصادية المختلفة، لا سيما كبريات الشركات، طالما لم يتم تنسيق مثل هذا الإنفاق السياسي بصورة رسمية مع حملة المرشح فإنها تعتبر بمنزلة حرية رأي يحميها الدستور، وليست خاضعة لقيود قانونية أو حتى لمتطلبات الإبلاغ عنها، وبالمثل يعد أيضاً إنفاق الأحزاب السياسية الأموال صورة من صور حرية الرأي.
وباختصار غير مخل تأتي أموال الحملات الانتخابية من المساهمات الصغيرة التي ترسل عبر البريد المباشر، والتحويلات الرقمية، والإنفاق المستقل الكبير، وكذلك من موارد المرشحين ولجان العمل السياسي، والأموال السلسة من لجان الأحزاب السياسية والتمويل العام.
المال السياسي وصناعة رؤساء أميركا
الذين لهم علم من كتاب الحياة الأميركية يدركون معنى مقولة "فن صناعة النجم"، وهو أمر ينسحب على الشاشتين الفضية والذهبية، أي التلفزة والسينما.
هل صناعة الرئيس الأميركي فن قائم بذاته؟
يمكن القطع بأن الأمر صحيح بصورة كبيرة، فثروات مليارديرات أميركا تمنحهم تأثيراً عميقاً في إدارة شؤون اقتصاد الولايات المتحدة، من خلال الشركات التي يديرونها، وبطبيعة الحال في المجتمع الأميركي بفضل المنتجات التي يطورونها والحملات الدعائية التي تشكل جزءاً من وعي وثقافة المواطن.
كما تمنح هذه الثروات أصحابها نفوذاً وقدرة شديدة على تشكيل سياسة البلاد من خلال المرشحين الذين يمولونهم.
بالنظر إلى الانتخابات الرئاسية الماضية 2020 يمكن للمرء أن يتفهم مقدار الدور الذي لعبته أموال التبرعات السياسية في توجيه دفة الأحداث السياسية في هذا البلد الواسع والفسيح.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 طورت مجلة "فوربس" الأميركية، التي تهتم بشؤون المال والأعمال، أداة تعقب تفاعلية فريدة من نوعها تظهر أين وجه أغنى أغنياء الولايات المتحدة رهاناتهم في انتخابات 2020.
كان المثير أن الرئيس السابق دونالد ترمب قدم أوراق ترشحه لرئاسة 2020، في اليوم الذي تولى فيه منصبه عام 2017، مما مكنه من جمع التبرعات على مدى ثلاث سنوات متتالية.
بحسب "فوربس" فإن 120 مليارديراً وأزواجهم تبرعوا بمبلغ 328.9 مليون دولار لحملته ولجان جمع التبرعات المشتركة التابعة لها منذ ذلك الحين.
أما على الجانب الديمقراطي فقد بدأ جو بايدن العمل في وقت لاحق، إذ أطلق حملته في أواخر أبريل (نيسان) من عام 2019، ونجح في جمع الأموال من 186 مليارديراً وأزواجهم، وفقاً لتحليل المستندات الرسمية للجنة الانتخابات الفيدرالية.
في بداية الأمر، وبالتحديد بحلول منتصف سبتمبر (أيلول) من 2019، أي قبل عام من الاقتراع الرسمي، كانت حملة بايدن ولجان جمع التبرعات المشتركة قد تلقت أموالاً مباشرة من المليارديرات أقل مما فعلته حملة ترمب، لكنهم ضخوا مزيداً من الأموال في لجان العمل السياسي التي تدعم بايدن. في النهاية جمع المرشح الديمقراطي نحو 637.1 مليون دولار أي ضعف ما جمعه ترمب تقريباً.
بلغ إجمالي الإنفاق الخاص بالانتخابات الأميركية 2020 والتي تشمل الرئاسة والكونغرس نحو 14 مليار دولار، وهو مبلغ يزيد عما تم إنفاقه في الدورتين الانتخابيتين 2012 و2016 مجتمعتين.
هل كانت هذه الأموال الطائلة مثار تساؤلات مربكة عن نزاهة العملية الانتخابية؟
بحسب المراقبين في "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" وفي تقرير لهم عن سير تلك الانتخابات، فإن قواعد التمويل كانت تفتقر إلى الشفافية.
هل سيختلف الوضع كثيراً من جانب العملية التمويلية للدورة الانتخابية 2024، ومن سيكون له حصة الأسد في جمع التبرعات هذه المرة، مع العلم أن الديمقراطيين في الدورة الانتخابية الماضية 2020، كانوا الأكثر إنفاقاً إذ استهلكوا نحو 6.9 مليار دولار، مقارنة بـ3.8 مليار دولار أنفقها المرشحون والجماعات الجمهورية؟
قد يكون هذا وارداً بالفعل لأسباب لا تخفى على أحد، وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية الأميركية التي خلفتها جائحة "كوفيد-19"، مع ما صاحبها من كساد اقتصادي وإفلاس كبيرين، عطفاً على حالة الركود ومن ثم التضخم، ناهيك بوفاة كبار المتبرعين من أمثال الملياردير شيلدون أديلسون المانح السخي للحزب الجمهوري، والذي تبرع قبل وفاته في 2019 بنحو 50 مليون دولار.
بايدن يتقدم سباق التبرعات الانتخابية
في منتصف يوليو (تموز) الجاري أعلنت الحملات الانتخابية للمرشحين الرئاسيين القاصدين بوابة رئاسة الولايات المتحدة الأميركية 2024 عن حجم التبرعات التي تحصلوا عليها، خلال الفترة من أبريل وحتى نهاية يونيو (حزيران)، وذلك أمام لجنة الانتخابات الفيدرالية، كما تم الكشف عن أسماء المتبرعين.
ترى أين موقع وموضع الرئيس الأميركي جو بايدن من هذه التبرعات حتى الساعة؟
بحسب حملته الانتخابية فإن بايدن جمع نحو 72 مليون دولار في الربع الثاني من العام الحالي.
تبدو خطوات بايدن في سياق جمع التبرعات سريعة وواثقة، فالرجل أعلن عن ترشحه للرئاسة في 25 أبريل الماضي، ومنذ ذلك التاريخ يجمع تبرعات بمعدل مليون دولار يومياً، الأمر الذي يجعله يتجاوز معدلات جمع التبرعات العالية والسريعة التي حققها المرشح الديمقراطي باراك أوباما في انتخابات 2008، والتي مكنته من تحقيق مفاجأة الفوز.
في مقدمة المتبرعين لبايدن، رئيس سلسلة فنادق "تشويز" ستيورات باينوم، وزوجته ساندرا، إذ تبرع كل منهما بمبلغ 929.6 ألف دولار.
ومن بين كبار المتبرعين لبايدن كذلك، الرئيس التنفيذي لشركة "تشات جي بي تي" سام ألتمان، ومؤسس "لينكد إن" ريد هوفمان، والممثل والكاتب سيث ماكفارلن، ومصمم الأزياء مايكل كورس.
تلفت هذه التبرعات الانتباه لا سيما في ضوء الشكوك الكبيرة والكثيرة التي أثيرت حول رئاسة بايدن، منذ أن دخل السباق بنسبة رضا عن أدائه تقل عن 40 في المئة ومخاوف في شأن عمره وصحته العقلية، إلا أن أرقام جمع التبرعات ربما تشير إلى رأي آخر بين الناخبين.
يرى مدير حملة إعادة انتخاب بايدن جوني شافيز أنه في حين يحرق الجمهوريون موارد كبيرة في سباق تمهيدي منقسم يركز على من بإمكانه تبني المواقف الأكثر تشدداً، فإن الديمقراطيين يتفقون في جمع التبرعات لأن قوة الفريق هي دعم قاعدة المؤيدين.
تحيط حملة بايدن الانتخابية ذاتها بستار من السرية والتكتم، لا سيما أن أكثر من نصف فاعليات جمع التبرعات سيكون بمشاركة الرئيس.
وللمرة الأولى في الانتخابات الأميركية فإنه لدى بايدن اتفاقيات مشتركة لجمع التبرعات مع ممثلي الحزب الديمقراطي في الـ50 ولاية، وفي العاصمة واشنطن، وهو ترتيب من شأنه المساعدة في تعظيم التبرعات مع تقليل النفقات في الأشهر الأولى للحملة.
ويعد هذا التوجه جزءاً من جهود أوسع نطاقاً لتوحيد تحالف ديمقراطي متنوع خلف بايدن، بينما يشهد الجمهوريون ما يمكن أن يكون انتخابات تمهيدية واسعة النطاق وخلافية.
من جهتها تقول مديرة حملة بايدن جولي رودريغز: "بينما ينفق الجمهوريون المؤيدون لحركة (ماجا) أو (اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، مزيداً من الأموال في انتخاباتهم التمهيدية، وفي المنافسة على الأجندات الأكثر تشدداً ستستفيد حملة الرئيس بايدن من فرصة جمع موارد ضخمة".
هل سيكمل الديمقراطيون مخططهم لجمع التبرعات بهذا النجاح؟
تسافر رودريغز في شتى أنحاء الولايات المتحدة للقاء المتبرعين والمسؤولين المحليين والقادة المجتمعيين للمساعدة في مواءمة التحالف، مما يعني أن فرص المضي قدماً كبيرة، وبديهي القول إنه حال التقدم على هذا المنوال، فإن كفة بايدن من جهة التبرعات مبدئياً ستكون هي المرجحة؟
هل تتراجع حظوظ تبرعات ترمب؟
ما الذي يحدث على صعيد حملة الرئيس السابق دونالد ترمب، وهل سيخالفها الحظ التبرعاتي، إن جاز التعبير؟
بحسب البيانات الأخيرة لم تجمع حملة ترمب الانتخابية سوى 35 مليون دولار في الربع الثاني من هذا العام، وهو ما يعد في كل الأحوال دعماً كبيراً من المانحين، وبخاصة في ظل المشكلات القضائية التي تحيط به، إذ يواجه اتهامات متعددة في ولايات مختلفة، وربما تكون الاتهامات الجنائية الأخيرة أخطرها، وتبلغ نحو 37 اتهاماً.
يحظى ترمب حتى الساعة بدعم نحو 53 في المئة من الناخبين الجمهوريين، مما يجعله البطاقة الرابحة لحزبه، لكن حديث التبرعات بالنسبة إليه مغاير لذلك، وكأن الأمر قراءة في المعكوس، بالضبط مثلما تجري المقادير مع بايدن.
بحسب صحيفة "ذا هيل" فإن جيشاً من المتبرعين الصغار كان قد أعلن محاولة دعم ترمب، بهدف واضح للعيان وهو تعويض الهجرة الجماعية للمليارديرات الذين دعموه في 2016، غير أنهم لاحقاً أظهروا علامات على تقليص تبرعاتهم.
تبدأ الماكينة السياسية لترمب بخزانة تزيد قيمتها على 110 ملايين دولار، بينما يمنعه القانون الفيدرالي من استخدام معظم هذه الأموال لدفع حملته لجهة البيت الأبيض.
هل ستكون القضايا الكثيرة التي يواجهها ترمب سبباً في تعريض حملته الانتخابية الرئاسية لارتباكات إدارية ونقص مالي واضح وكبير للغاية؟
المؤكد أن اللجان السياسية لترمب تنفق مبالغ طائلة على دفاعه القانوني، وهي مبالغ يبدو من المرجح أن ترتفع بعد أن عينت وزارة العدل مستشاراً خاصاً للإشراف على التحقيقات معه.
هل كانت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر الماضي أحد الأسباب التي أثرت، وربما ستؤثر لاحقاً بشكل سلبي، في مقدرة ترمب في جمع تبرعات أكثر؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، فقد ملأ ترمب أميركا صياحاً، بل ضجيجاً وعجيجاً، تحت شعارات "الموجة الحمراء" التي يجب أن تخيم على سماوات البلاد، بمعنى الفوز الكبير الذي يجب على الجمهوريين تحقيقه، مما يكفل لهم السيطرة على الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب بصورة مطلقة، وهو ما لم يحدث، مما خيب الآمال في إمكانية قيادته مستقبلاً من جديد.
هنا تعتبر "ذا هيل" أن الجمهوريين الأثرياء أبعدوا أنفسهم عن ترمب بعد تلك الانتخابات، التي أدى فيها الجمهوريون أسوأ أداء منذ عقدين وجاءت أقل بكثير من التوقعات، مما وجه ضربة قوية لآفاق جمع التبرعات.
يعن للباحث السياسي المحقق والمدقق التساؤل: هل كانت محاولة ترمب الانقلابية على نتيجة الانتخابات الرئاسية 2020 من بين أسباب حرمانه من مزيد من الأموال السلسة اللازمة لخوض غمار انتخابات 2024؟
المؤكد أن هناك عديداً من كبريات الشركات الأميركية، ذات الحس السياسي العالي، والمؤدلجة ديمقراطياً بشكل واضح، قد اتخذت قرارات حاسمة وحازمة تجاه الذين اتخذوا جانباً مضاداً لبايدن، بمعنى رفضهم تصرفات ترمب، والتي اعتبروها مخزية ولا تتساوق وتاريخ الديمقراطية الأميركية.
عادة تنشر كبريات الشركات الأميركية أرقام تبرعاتها للحزبين الكبيرين تحديداً، الجمهوري والديمقراطي.
في مقدم تلك الشركات فندق "ماريوت" العملاق "سيتي بنك"، وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل "غوغل".
ومن الشركات المؤثرة التي قالت إنها تعيد النظر في تبرعاتها للذين أخلوا بملامح ومعالم الديمقراطية الأميركية، شركة "ديلويت" العملاقة للمحاسبة، وشركة الاتصالات "أي تي أند تي"، وشركتا بطاقات الائتمان "أميركان إكسبريس" و"ماستر كارد".
بل إن شركة المواد الكيماوية العملاقة "دو" ذهبت إلى أبعد من غيرها، معلنة أنها ستمنع تبرعاتها خلال فترات عمل النواب الجمهوريين بالكامل، وحتى ست سنوات لمن هم في مجلس الشيوخ.
يعن لنا التساؤل في هذا السياق: هل هناك من الحزب الجمهوري من تتصاعد حظوظه على حساب ترمب بنوع خاص؟
من يتبرع لرون دي سانتيس؟
على رغم أن كل التحليلات السياسية المعمقة تكاد تجزم بأن حاكم ولاية فلوريدا الشاب رون دي سانتيس، والذي يرى فيه البعض ملامح ومعالم الرئيس الأميركي المغدور في أوائل ستينيات القرن الماضي جون كيندي، فإنه وضمن التناقضات الأميركية الكامنة في روح هذا البلد – القارة، يجيء متأخراً عن ترمب في استطلاعات الرأي بدرجة واسعة، إذ يحوز فقط 20 في المئة من أصوات المستطلعة آراؤهم.
وفي ما يخص جانب التبرعات فإن دي سانتيس وخلال الربع الثاني من العام الحالي لم يجمع أكثر من 20 مليون دولار، ليكون في المركز الثاني بعد ترمب، في سياق جمع التبرعات من المانحين الجمهوريين.
من بين أبرز المانحين لـ"دي سانتيس" المليارديرات كيسلي وارنوكينيث لانجون وهارلان كرو وكلارنس تومس.
في الحديث عن دي سانتيس هناك أكثر من جزئية مهمة، منها توجه صغار المساهمين الذين يتبرعون بأقل من 200 دولار لدعمه، وقد أسهموا حتى الساعة بنحو 2.9 مليون دولار.
هذا التوجه مهم للغاية، مهما بدا صغيراً، لا سيما أن هناك تجربة سابقة تمثلت في حملة انتخابات باراك أوباما، حين كانت المساهمات الصغيرة للغاية، والتي لم تتجاوز الـ20 دولاراً وليست الـ200 دولار، عاملاً رئيساً في زخم خزانة أوباما، مما مكنه من شراء مساحات واسعة عبر القنوات الإعلامية التقليدية، مثل التلفزة والإذاعة، لا سيما أن وسائط التواصل الاجتماعي والرقمية لم تكن بقوة أوضاعها الحالية.
أمر آخر هو أن دي سانتيس عقلاني جداً في إنفاقه، وغير متهور، ويكاد يظهر كأنه غير مستعجل النجاح أو القفز على المنصات، وهو يدرك أن فرصته قادمة لا شك في ذلك يوماً قريباً، ولهذا خفض عدد موظفي حملته الانتخابية، فقد سرح 10 منهم، والقصة منسوبة إلى مجلة "بولتيكو".
لكن هناك جانباً آخر خفياً في التبرعات للرجل، الأمر الذي قد يحدث انقلاباً كبيراً عما قريب لصالحه، وبالضد من فرص دونالد ترمب... ماذا عن ذلك؟
يكاد مشهد دعم مليارديرات الحزب الجمهوري يذهب لجهة دي سانتيس عوضاً عن ترمب.
خذ إليك ما صرح به مدير صندوق التحوط كين جريفين، ثاني أكبر مانح للحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية، من أنه سيدعم دي سانتيس في مواجهة ترمب، مشيراً إلى انتصار حاكم فلوريدا المهيمن في إعادة انتخابه في ولاية كانت تعتبر تنافسية حتى وقت قريب.
كان ذلك خلال منتدى بلومبيرغ للاقتصاد الجديد في سنغافورة، في إشارة إلى الدورات الانتخابية الثلاث الأخيرة، ويومها أكد بالقول "أود أن أعتقد أن الحزب الجمهوري مستعد للانتقال من شخص خسر مع الحزب ثلاث مرات".
أما الرئيس التنفيذي لشركة "بلاكستون" العملاقة للأسهم الخاصة، وأحد كبار المانحين الجمهوريين ستيفن شوارزمان، فقد قطع بأنه سيدعم منافساً لترمب في انتخابات 2024.
وفي بيان له قال شوارزمان "إن أميركا تعمل بشكل أفضل عندما يكون قادتها متجذرين في اليوم وغداً، وليس اليوم والأمس"، وأكمل "لقد حان الوقت لكي يتجه الحزب الجمهوري إلى جيل جديد من القادة وأعتزم دعم أحدهم في الانتخابات التمهيدية الرئاسية".
لا يتوقف دعم الكبار لـ"دي سانتيس" عند هذا الحد، فقد بات من الواضح أن الكثير جداً من كبار أثرياء الحزب الجمهوري قد صرفوا النظر عن دعم ترمب، ومن بينهم روبرت وريبيكا ميرسر، وقد كانا أكبر المانحين لحملة ترمب عام 2016، وقد صرحا لقناة "سي أن بي سي" بأنهما انتهيا من دعم ترمب حتى الساعة.
من يتبقى ضمن حملة تبرعات الجمهوريين؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التبرعات لهايلي تتجاوز مايك بنس
من الأسماء الكبيرة نائب الرئيس السابق ترمب مايك بنس، وقد بات ضعيف الحظ جداً في جمع التبرعات لحملته الانتخابية، إذ لم يجمع سوى 1.2 مليون دولار خلال أول 24 يوماً، والمثير أنه حين كان مرشحاً كحاكم لولاية إنديانا، استطاع جمع نحو 20 مليون دولار، وهي مفارقة مثيرة.
ومن الغريب والعجيب أن تجمع المرشحة الجمهورية والسفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي نحو 26 مليون دولار، أي أكثر من دي سانتيس ومايك بنس معاً، من بينها 7.3 مليون دولار من التبرعات المباشرة، وتحظى هايلي بدعم مانحين جمهوريين بارزين مثل الملياردير كينيث لانجون وأليس والتون وكينيث فيشر.
وفي الخلاصة قد لا تبدو نهاية التبرعات على الأبواب، فالحملات الانتخابية الرئاسية حكماً ستشتعل ويشتد عودها بدءاً من شهر سبتمبر المقبل، والحديث عن المال السياسي سيتردد من جديد في الجنبات، لا سيما أن المحكمة العليا لم تحسم أزمة التبرعات، ولم تضع حدوداً واضحة أو معايير حاسمة لها.
غير أنه يمكن القطع بأنها ستكون حملة رئاسية مثيرة، إذ المتناقضات لجهة التبرعات المالية تجري بها المقادير سريعاً.
هل منصب الرئاسة الأميركية رهن لمن يجمع أموالاً أكثر أم أصواتاً شعبية أكثر؟
الجواب: نعم، هنا وهناك.