مع انطلاق أولى مراحل الانتخابات الرئاسية الأميركية في ولاية أيوا، الاثنين 3 فبراير (شباط)، تبدأ واحدة من أكثر العمليات السياسية تعقيداً وطولاً وتكلفةً في العالم، عملية أرساها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأميركية، لكنها ظلت عصية على فهم كثيرين حول العالم، بل داخل الولايات المتحدة بسبب العديد من الاعتبارات التي واكبت تأسيس الدولة الأميركية.
وعلى الرغم من أن الدستور الأميركي لا يتحدث عن الترشيحات الرئاسية، ولا عن الأحزاب السياسية أو الانتخابات التمهيدية التي تحددها كل ولاية، إلا أنه حدد كيفية تشكيل الهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي) التي تُحدد الرئيس الفائز كل أربع سنوات خلال انتخابات الثلاثاء التالي للاثنين الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الذي سيكون هذا العام 2020 في الثالث منه.
في هذا التقرير شرحٌ وافٍ لتفاصيل العملية الانتخابية الرئاسية في أميركا، وإجابات عن الأسئلة التي تشغل بال كثيرين نظراً للتأثير الهائل لهذا المنصب على أكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية في العالم.
ما شروط الترشح للرئاسة؟
يستطيع أي شخص أن يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة إذا حقق ثلاثة معايير هي:
أن يكون مولوداً في الولايات المتحدة.
أن يبلغ من العمر 35 عاماً على الأقل وقت الترشح.
أن يكون قد أقام داخل الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً على الأقل.
وبمجرد أن يتمكن من جمع أو انفاق 5000 دولار أميركي لحملته الانتخابية، يجب عليه أن يسجل ترشحه لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية، مع تحديد أسماء الأشخاص الرئيسيين الذين سيتولون جمع وإنفاق الأموال في حملته الانتخابية.
متى تبدأ الانتخابات التمهيدية؟
تنطلق في الثالث من فبراير أولى الانتخابات التمهيدية لكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ولاية أيوا، وهي ولاية ريفية صغيرة في الغرب الأوسط الأميركي، تليها ولاية نيو هامشاير في 11 من الشهر نفسه، وتكتسب هاتان الولايتان أهمية خاصة لكونهما تسلطان الضوء بشكل كبير على حظوظ المرشحين الرئاسيين في أول اقتراع حقيقي من الناخبين، وتعد انتخابات يوم "الثلاثاء الكبير" في الثالث من مارس (آذار) من أهم الأيام الفاصلة في الانتخابات التمهيدية إذ تحسم ولايات كبيرة مهمة أمرها مثل ولايتي كاليفورنيا وتكساس.
وتتواصل الانتخابات التمهيدية بشقيها (التجمعات الحزبية والانتخابات الأولية) في بقية الولايات حتى الثاني من شهر يونيو (حزيران)، حيث يتبلور مع نهايتها اسم المرشح الأوفر حظاً بحسب عدد النقاط التي يجمعها المرشحون على مدى 4 أشهر.
ما الفارق بين التجمعات الحزبية والانتخابات الأولية؟
يطلق على التجمعات الحزبية اسم (كوكاسيس)، وهي اجتماعات خاصة تديرها الأحزاب السياسية، وتعقد على مستوى المناطق والمقاطعات في الولاية حيث يقسم المشاركون في هذه الاجتماعات أنفسهم إلى مجموعات تشير إلى تأييدهم المرشح الذي يفضلونه. ويُسمح لكل مجموعة دعوة الآخرين للانضمام إليها بعد إدلائهم بخطابات تشرح سبب تأييدهم لمرشحهم، وفي النهاية يحدد عدد الناخبين في كل مجموعة، كم عدد المندوبين الذين فاز بهم كل مرشح.
ولا تزال 5 ولايات فقط تعمل بهذا النظام، هي أيوا و كينتاكي ونيفادا ونورث داكوتا ووايومنغ، بينما تخلت عن هذا النظام الكلاسيكي 10 ولايات عام 2016.
أما الانتخابات الأولية، فيطلق عليها اسم (بريماريز) وهي عملية تديرها حكومات الولايات وليس الأحزاب، ويختار فيها الناخبون مرشحيهم عن طريق الاقتراع السري. وتعد ولاية نيو هامشاير الأولى التي تشهد انتخابات أولية في الولاية المتحدة، حيث أن ولاية أيوا تجري بطريقة التجمعات الحزبية.
ويمكن للانتخابات الأولية والتجمعات الحزبية أن تكون مفتوحة أو مغلقة أو مزيجاً بينهما، فإذا كانت مفتوحة، يستطيع الناخبون التصويت لمرشح من أي حزب سياسي، أما إذا كانت مغلقة، فلا يحق سوى للناخبين المسجلين مع الحزب فقط المشاركة في التصويت.
كيف يُحدد عدد مندوبي الولايات؟
المندوبون هم أشخاص يمثلون ولايتهم في المؤتمرات الوطنية للأحزاب التي تعقد في الصيف، ويخضع عدد المندوبين الممثلين لكل ولاية لمعايير محددة. ففي الحزب الديمقراطي، تُؤخذ في الحسبان نسبة التصويت لمصلحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الثلاث السابقة، وكذلك العدد المخصص لكل ولاية في الهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي). أما الحزب الجمهوري فيخصص عشرة مندوبين لكل ولاية، إضافة إلى ثلاثة آخرين لكل دائرة انتخابية للكونغرس، فضلاً عن عدد إضافي من المندوبين فقط للولايات التي ساهمت في أصوات الهيئة الانتخابية لمصلحة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية السابقة.
كم عدد المندوبين اللازم للفوز بترشيح الحزب؟
خلال المؤتمرات الوطنية لكل حزب، التي تعقد في فصل الصيف على مستوى الولايات المتحدة، يحتاج المرشح في الحزب الديمقراطي إلى دعم 2376 مندوباً على الأقل من إجمالي 4750 مندوباً كي يفوز بترشيح الحزب له. أما الحزب الجمهوري فيحتاج المرشح إلى دعم 1277 مندوباً من إجمالي 2552 مندوباً ليفوز بترشيح الحزب الجمهوري.
المندوبون السوبر... من هم؟
يحتفظ كل حزب بعدد محدد من المندوبين يخصص لكبار المسؤولين في الحزب الذين لم يكشفوا عن دعمهم لمرشح ما. ففي الحزب الجمهوري سيحصل الأعضاء الثلاثة الممثلين في اللجنة الوطنية عن كل ولاية على صفة مندوب يحق له الاختيار، ويشكل هؤلاء نسبة 5 في المئة من إجمالي عدد المندوبين، بينما يشمل المندوبون السوبر في الحزب الديمقراطي قاعدة أوسع لا تقتصر على أعضاء اللجنة الوطنية بل تشمل جميع أعضاء الكونغرس وحكام الولايات الديمقراطيين والرؤساء السابقين ونوابهم والأعضاء السابقين في الكونغرس، ويشكل هؤلاء 15 في المئة من إجمالي عدد المندوبين. غير أن المندوبين السوبر في الحزب الديمقراطي لن يسمح لهم باختيار المرشحين في الاقتراع الأول بالمؤتمر العام للحزب، ولكن سيسمح لهم بالتصويت إذا كانت هناك حاجة إلى جولات أخرى للتصويت.
ماذا يحدث في المؤتمرات الوطنية للأحزاب؟
خلال العقود الماضية، كانت المؤتمرات الوطنية للحزبين الجمهوري والديمقراطي احتفالية، إذ تصبح حدثاً وطنياً للتصديق على المرشح الذي استحوذ غالبية الأصوات خلال الانتخابات التمهيدية، فيتحول المؤتمر الذي يستمر 3 أو 4 أيام ساحة لخطابات زعماء الحزب وتسليط الضوء على المرشح الفائز ونائبه. مع ذلك، ففي حالات نادرة يصبح المؤتمر الوطني هو من يحدد مرشح الحزب حين يفشل أي مرشح في حصد غالبية أصوات المندوبين.
ومن المقرر أن يعقد الحزب الديمقراطي مؤتمره الوطني بين 13– 16 يوليو (تموز)، بينما يعقد الحزب الجمهوري مؤتمره في 24– 27 أغسطس (آب).
ماذا عن الناخبين المستقلين؟
لأن الناخبين المستقلين لا ينتسبون لأي حزب سياسي، لا تكون لديهم مجموعات تمنح أصواتهم إلى المندوبين. مع ذلك، فإن ولايات عدة تنظم انتخابات أولية مفتوحة تسمح للمستقلين بالمشاركة، كما تسمح بعض الولايات للناخبين بتغيير انتمائهم الحزبي قبل يوم من إجراء التصويت في الولاية، كي يتمكنوا من التسجيل على قائمة أي من الحزبين الكبيرين، ومن ثم دعم مرشح ما يفضلونه في أي من الحزبين.
هل من مرشحين لأحزاب أخرى؟
تستطيع الأحزاب الأخرى في الولايات المتحدة، مثل حزب الخضر وحزب التحرريين، اختيار مرشحيها للانتخابات الرئاسية لمؤتمراتها الحزبية على المستوى الوطني، ولكن بسبب ندرة حصول أي مرشح من الأحزاب الصغيرة على نسبة كبيرة من الأصوات في الانتخابات التمهيدية، فإن مندوبي هؤلاء المرشحين لا ينالون سوى قليل من الاهتمام على المستوى الوطني.
ما الذي يحدده الدستور الأميركي للانتخابات الرئاسية؟
الأمر الوحيد الذي يتناوله الدستور الأميركي في شأن الانتخابات الرئاسية هو كيفية تشكيل وعمل الهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي) التي تختار الرئيس في النهاية ضمن نظام الاقتراع على مرحلتين، حيث كانت هذه الهيئة الانتخابية نتاج سلسلة من التسويات والمقايضات، بعد فشل فكرة أن يختار أعضاء الكونغرس، رئيس الولايات المتحدة بسبب تصادمها مع مبدأ الفصل بين السلطات. ولهذا خرجت فكرة الهيئة الانتخابية التي استهدفت حماية الولايات محدودة السكان من إملاءات الولايات كثيفة السكان في الاختيارات الرئاسية.
ما هي الهيئة الانتخابية؟
على نقيض الانتخابات الأميركية في الكونغرس والولايات التي تجري بالاقتراع المباشر، فإن الرئيس ونائبه لا يُنتخبان من المواطنين مباشرة، وإنما عبر ناخبين آخرين ضمن عملية تسمى "الهيئة الانتخابية" أو المجمع الانتخابي، فعندما يدلي الأميركيون بأصواتهم في صناديق الاقتراع لمصلحة مرشح رئاسي ما، فإنهم في الحقيقة يصوتون على قائمة من الناخبين أو المندوبين الممثلين للحزب أو للمرشح في ولايتهم، والذين تذهب أصواتهم للمرشح الرئاسي فقط في حال حصوله على غالبية الأصوات في هذه الولاية.
كيف تعمل الهيئة الانتخابية؟
لكل ولاية أميركية عدد محدد في الهيئة الانتخابية يتم احتسابه على أساس مجموع عدد أعضاء الكونغرس الممثلين عن هذه الولاية، فولاية كاليفورنيا على سبيل المثال لها 55 صوتاً ضمن الهيئة الانتخابية حيث يمثلها عضوان في مجلس الشيوخ و53 في مجلس النواب، فإذا فاز مرشح رئاسي بغالبية أصوات الأميركيين في ولاية كاليفورنيا، يكون بذلك قد حصل على 55 صوتاً من المجمع الانتخابي، ولا يحصل منافسه على أي صوت من الولاية حتى لو كان قد حصل على 49 في المئة من مجمل أصوات المقترعين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما ولاية مونتانا فلا يمثلها في الكونغرس سوى 3 أعضاء، بالتالي لا تشكل سوى 3 أصوات داخل المجمع الانتخابي. وهو ما ينطبق على عدد من الولايات ذات التعداد السكاني القليل، مثل ولاية فيرمونت وولاية ألاسكا.
ولكي يفوز أي مرشح رئاسي بالانتخابات، يجب عليه الفوز بعدد 270 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي من إجمالي 538 صوتاً. وقد لا يتمكن الرئيس الفائز من جمع غالبية أصوات المقترعين من المواطنين الأميركيين، لكنه يفوز بالانتخابات مثلما حدث مع المرشح الديمقراطي آل غور عام 2000 حين خسر ولاية فلوريدا بفارق ضئيل وخسر الانتخابات لمصلحة جورج دبليو بوش، على الرغم من أنه حصد أصواتاً أكثر من إجمالي عدد المقترعين الأميركيين.
وفي معظم الأحوال، يُعرف الفائز بانتخابات الرئاسة بعد ساعات من انتهاء عملية الاقتراع. ويعترف الخصم الخاسر بالهزيمة ويهنئ الفائز، إلا أن النتيجة الرسمية لأصوات الهيئة الانتخابية تجري في منتصف ديسمبر (كانون الأول)، ولا يُلزم الدستور أعضاء الهيئة الانتخابية بالتصويت بحسب غالبية الأصوات في الولاية، لكن نادراً ما يحدث ذلك.
كيف يتم اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية؟
اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية أو الناخبين النهائيين يتم على مرحلتين، الأولى تجرى عبر الأحزاب السياسية في كل ولاية، وهذا يختلف من ولاية لأخرى، لكن الاختيار يقع على أشخاص مشهود لهم بالانتماء والولاء للحزب، وتصبح هذه الأسماء مقترحة استعداداً للمرحلة الثانية التي تجرى يوم الانتخابات العامة حيث يختار المقترعون الأميركيون في كل ولاية عدداً من أعضاء الهيئة الانتخابية الذين تدرج أسماؤهم خلف اسم المرشح الرئاسي.
ما هي الولايات المتأرجحة؟
تُظهر الخرائط المصاحبة لنتيجة الانتخابات الولايات ذات الولاء للحزب الجمهوري باللون الأحمر مثل ولايات الجنوب والغرب الأوسط، بينما تظهر الولايات التي تدين بالولاء للحزب الديمقراطي باللون الأزرق مثل ولايات نيوإنغلاند في شمال شرقي الولايات المتحدة وولاية كاليفورنيا، لكن من يحسم نتيجة الانتخابات في معظم الأحيان، هي الولايات المتأرجحة التي تظهر باللون الرمادي. وهي ولايات منقسمة سياسياً وتتقلب توجهاتها بين الديمقراطيين والجمهوريين من انتخابات لأخرى، مثل ولاية فلوريدا وولاية أوهايو. وقد تكون ولايات بنسلفانيا وأريزونا من الولايات المتأرجحة في نوفمبر المقبل.
متى يُنصّب الرئيس؟
يبدأ الرئيس المنتخب تشكيل إدارته الجديدة خلال الأيام التالية لفوزه، ولكنه لا يتسلم السلطة رسمياً إلا يوم 20 يناير (كانون الثاني) من العام التالي ولمدة أربع سنوات هي فترة الحكم الرئاسي في الولايات المتحدة، ولا يحق للرئيس سوى فترتين رئاسيتين.