Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المأزق متعدد الأبعاد في إسرائيل

استمرار اللجوء إلى التظاهرات الضخمة هو الحل الوحيد أمام كل القوى المعارضة لمشروعات اليمين الإسرائيلي لتعديل صيغة الحكم وتقاليد الممارسة الديمقراطية

إن الانقسام كان واضحاً منذ وصول نتنياهو إلى الحكم ثم اهتزاز حكمه في السنوات الأخيرة بعد توجيه اتهامات قضائية ضده (أ ف ب)

ملخص

تدرك إسرائيل حالة السيولة والاضطراب الدولي الراهن الذي عمقته الحرب الأوكرانية وأن المنظومة الدولية والمحيط العربي من الضعف والارتباك بحيث تريد اتخاذ الخطوات اللازمة لإكمال مخططاتها

تزايد الاحتقان الداخلي في إسرائيل بعد تمكن الائتلاف الحاكم من تمرير القراءة الثالثة لقانون تعديل السلطة القضائية بتصويت 64 مؤيداً بعد أن غادرت المعارضة قاعة الكنيست قبل التصويت النهائي. وسبق التصويت محاولة من وزير الدفاع غالانت للضغط على أعضاء الائتلاف لتغيير صيغة القانون قبل التصويت عليه، ولم تسفر تلك المحاولات عن شيء، بل صوت الوزير بتأييد مشروع القانون الذي يتحفظ عليه، بسبب مواقف كثير من ضباط الاحتياط ضد القانون، أي إن موقفه المعتدل راجع إلى رغبته في حماية وحدة الجيش الإسرائيلي، وحرصه بوصفه المسؤول الأول عن هذه المؤسسة، على تماسكها، لكنه رضخ في النهاية لالتزاماته ومصالحه الحزبية على حساب رؤيته الوطنية.

ووفقاً للمعارضة الإسرائيلية فإن هذا التعديل القانوني يشكل تهديداً خطيراً للممارسة الديمقراطية في البلاد، وصفها لابيد رئيس الوزراء السابق بأنها "هزيمة للديمقراطية"، إذ يؤدى إلغاء حجة المعقولية كما يطلق عليها في التطبيق الإسرائيلي إلى عدم قدرة القضاء على إبطال قرارات اتخذت لاعتبارات خارجية، وتجاهلت اعتبارات أخرى، وسيطلق يد الحكومة في الامتناع عن عقد لجنة لاختيار القضاة أو ترك مناصب مهمة شاغرة من دون تعيينات. وهذه المهمات للسلطة القضائية تتيح مراجعات مهمة في كثير من الأنظمة القانونية الأنجلو ساكسون أو الفرنسية تسمح للقضاء بتعطيل قرارات حكومية ليس فقط لعدم دستوريتها، بل حتى لاعتبارات تستند إلى روح القانون.

مأزق انقسام المجتمع

ليس جديداً أن ترفض المعارضة في إسرائيل قرارات تقودها الأغلبية البرلمانية، فهذه حال الأمور دوماً في غالبية التقاليد البرلمانية، والحال منذ نشأة الدولة العبرية، في البداية بهيمنة ودور أكبر لقوى اليسار الإسرائيلي  بتنويعاته المختلفة في مواجهة معارضة رئيسة من الليكود واليمين الإسرائيلي، ثم تلا هذا منذ سبعينيات القرن الماضي علاقة تبادلية بين اليسار واليمين حتى سيطر اليمين الإسرائيلي مدعوماً بصعود اليمين الديني المتشدد منذ بدايات هذا القرن.

وحقيقة الأمر أن الانقسام كان واضحاً منذ وصول نتنياهو إلى الحكم، ثم اهتزاز حكمه في السنوات الأخيرة بعد توجيه اتهامات قضائية ضده وتهم بالفساد، مما أدى إلى سلسلة من الحكومات ذات الأغلبية الهشة رأس نتنياهو أغلبها، ما عدا حكومتين قصيرتين مرة بائتلاف الليكود مع جزء من يسار الوسط، ومرة قصيرة بانتقال نتنياهو إلى المعارضة، ولم تتمكن هذه الحكومات من الاستقرار، وكان هذا مدعاة لكثرة الانتخابات التي أظهرت كلها أغلبية ضعيفة، حتى جاءت الأخيرة بأغلبية أقوى نسبياً لليمين، وحسم نتنياهو اختياراته بالتحالف مع أشد الأحزاب المتشددة التي كان في السابق يتجنب ورطة التحالف معها، لكنه أدرك في النهاية أنه لن يستمر في الحكم، ولن يواصل مشروعاته المتطرفة إلا بهذا التحالف مع الأكثر تطرفاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن هذا ما يتيح له استمرار الحصانة والتهرب من ورطته القانونية الشخصية، علماً بأن هذا الملف شهد تعقداً إضافياً في ضوء إبلاغ مهراف ميارا، المستشارة القانونية للحكومة، للمحكمة العليا منذ أيام بأنها تؤيد إلغاء القانون الذي يهدف إلى الحؤول دون عزل رئيس الحكومة نتنياهو بحجة التعذر عن القيام بمهماته، كما أضافت أن الكنيست أساء استعمال صلاحياته من أجل تحسين الوضع القانوني لشخص رئيس الحكومة، ولتمكينه من العمل بصورة متناقضة مع قرار المحكمة، وقد استقبل قادة الائتلاف اليميني الحاكم هذا الموقف الأخير بالغضب الشديد المفهوم.

والحاصل، أن إسرائيل لم تشهد في تاريخها حدة لاضطرابات الشارع مماثلة للمشهد الراهن، إذ يعد استمرار اللجوء إلى التظاهرات الضخمة هو الحل الوحيد أمام كل القوى المعارضة لمشروعات اليمين الإسرائيلي لتعديل صيغة الحكم وتقاليد الممارسة الديمقراطية حتى لو كانت مشوهة بحكم العنصرية.

لكن، تدرك المعارضة السياسية والشعبية أن هذه التعديلات القانونية جزء من منظومة متكاملة لإكمال تشويه الديمقراطية وإفراغها من أي معنى، بخاصة أنه لا يوجد دستور مكتوب للدولة، ومن هنا كان التظاهر الضخم المتواصل، وهو ما يضيف إلى ظاهرة أخرى، وهي كثرة اللجوء إلى الانتخابات في السنوات الأخيرة، الذي يرسخ معنى واضحاً أن المجتمع لم يشهد انقساماً مماثلاً، ويفسر هذا القلق المفهوم لدى وزير الدفاع غالانت بعد أن جاهر الآلاف من ضباط الاحتياط برفضهم الخدمة العسكرية في ظل هذه الظروف، بما يكشف عمق الانقسام والمخاطر هذه المرة، لكن غالانت بعد اعتراضه شارك في التصويت، كما سبق مثلما تراجع وعاد للحكومة بعد إقالته منذ أشهر عدة.

أما قيادات المعارضة فقد وعد يائير لابيد، الذي تولى حكومة قصيرة العمر العام الماضي باللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، ووعد شريكه غانتس زعيم حزب أبيض أزرق الذي تورط في حكومة أسبق في ائتلاف مع نتنياهو إلى اتخاذ كل السبل لإلغاء هذه التعديلات في المستقبل.

مشهد دولي ملتبس

روجت إسرائيل منذ نشأتها إلى كونها الديمقراطية الوحيدة في وسط منطقة لا تمتلك تقاليد حقيقية في هذه الممارسة، ولهذا كانت واضحة منذ بداية هذه الأزمة محاولات واشنطن لإثناء نتنياهو عن هذه الخطوة، بل وأعطى بعض المسؤولين الأميركيين دروساً علنية في أن الديمقراطية لا تتفق مع قيام أغلبية برلمانية بتعديلات جسيمة ذات طبيعة دستورية لا يليق اتخاذ القرارات في شأنها دون أغلبية كبيرة أي أكثر من الأغلبية العادية 50 زائد 1.

وتدخل بايدن منذ أشهر عدة بالاتصال بنتنياهو لتأجيل هذه الخطوة، لكن الرجل وأحزاب اليمين الإسرائيلية لم تتراجع، وواصلت مخططها على رغم المعارضة الأميركية الصريحة، فإسرائيل تدرك حالة السيولة والاضطراب الدولي الراهن، الذي عمقته الحرب الأوكرانية، وأن المنظومة الدولية والمحيط العربي من الضعف والارتباك بحيث تريد اتخاذ الخطوات اللازمة لإكمال مخططاتها.

من هنا، لم تكترث الأغلبية الحاكمة بدعوة بايدن إلى التريث، لكنها بهذا التصرف تخاطر باهتزاز (ولو نسبياً) في بعض جوانب هذه العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، وهو أيضاً، وما تدركه المعارضة ومؤيدو إسرائيل الخارجيون، أمور تهز صورة إسرائيل التي روجت لها منذ نشأتها.

ولا يقتصر مأزق الصورة الخارجية على ذلك فقط، فقد أدت هذه التطورات إلى انهيار البورصة والشيكل الإسرائيلي، واتساع الحديث الداخلي عن فقد الثقة في الاقتصاد الإسرائيلي، وربطت التعليقات هذا بفقد الثقة في النظام القضائي بعد هذه التعديلات.

مأزق الشعب الفلسطيني

يدرك الجميع أن محور هذه التحركات اليمينية هو إطلاق يد الحكومة، والأغلبية الراهنة في سياساتها المختلفة سواء بمشروعات الاستيطان والاعتداء المستمر على الشعب الفلسطيني وحقوقه ومنع القضاء مما قد يقوم به ولو كان نادراً جداً من تعويق معاملة غير قانونية للمواطنين العرب من عرب إسرائيل، أو من مواطني الضفة، وكذا وهو الأهم في انفلات نتنياهو من ملاحقاته القضائية، ومن ثم مواصلته قيادة هذا الائتلاف الذي يعرف اليمين الديني، مهما يكن عدم تطابق بعض تصوراته مع نتنياهو، أن هذا الرجل يمتلك القوة لتنفيذ المشروع الصهيوني بأكثر من أي قيادة إسرائيلية سابقة، وربما بما لن يتاح لقيادة تالية أن تمارس القدرة والمهارة نفسيهما.

وعلى رغم صدور بعض تعبيرات عربية معارضة لهذه الإجراءات البرلمانية فإنه لا يمكن القول إن عرب إسرائيل على إدراك كاف بالمخاطر الإضافية التي ستواجه الشعب الفلسطيني في ظل حكم يميني متوحش دون رقابة دستورية أو قانونية.

وهنا من المفهوم أن عرب إسرائيل لديهم كثير من الشكوك والتجارب المرة من خيانات اليسار الإسرائيلي لهم عبر سنوات طويلة، وربما يفضلون مسافة بين المتصارعين في الساحة الإسرائيلية، وربما يتطلعون مثل بعض تمنيات عربية، لم تثبت بعد، من أن يكون هذا الانقسام علامة ضعف في إسرائيل وكشف لحقيقتها، لكن، كل هذه الاعتبارات تحتاج كي يستفيد منها الشعب الفلسطيني إلى كثير من العمل، وحتى يحدث هذا فهذه التطورات تظل مأزقاً كبيراً للشعب الفلسطيني بأطيافه كافة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل