Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف عاشت إسرائيل 75 عاما بلا دستور؟

مطالب بكتابة "ميثاق اجتماعي" جديد ومتخصصون يرونه شبه مستحيل بسبب فوضى "الإصلاح القضائي"

تكبح التعديلات التي تمت المصادقة عليها في الكنيست جماح المحكمة العليا في التدخل بقرارات وسياسات الحكومة (أ ف ب)

ملخص

ليس لإسرائيل دستور رسمي، أو يمكن القول إن هناك دستوراً، لكنه غير مكتوب.

منذ أن طرحت الحكومة الإسرائيلية خطة "الإصلاح القضائي"، ناقش الإسرائيليون مدى أهمية وجود دستور رسمي يشكل حصانة للقوانين الأساس على الأقل كقانون "حجة المعقولية"، لكن وفق الوضعية التي تشهدها إسرائيل، من حيث النزاع بين الأحزاب وتفكك المجتمع والصراع الذي يمس مختلف مسارات الحياة، يرى سياسيون ومتخصصون في هذا الشأن أن الحديث عن تشكيل دستور اليوم هو أمر غير حيوي لعدم ضمان أي توافق حول بنوده.

"ميثاق اجتماعي" جديد

ليس لإسرائيل دستور رسمي، أو يمكن القول إن هناك دستوراً لكنه غير مكتوب، إذ وفقاً لما هو معروف بقرار "هراري" (عضو برلمان) الصادر في 13 يونيو (حزيران) عام 1950 والذي تبنته الجمعية التأسيسية الإسرائيلية، تم الاتفاق على تشريع قوانين أساس تتعامل مع الترتيبات الحكومية وحقوق الإنسان لتكون بمثابة دستور، لكن لم يذكر في أي بند منها أنه لا يحق لأية حكومة تغيير هذه القوانين أو إجراء تعديلات عليها، وهكذا تعاملت الحكومات الإسرائيلية مع هذه القوانين وفق المصالح الشخصية، سواء لرئيس الحكومة أو لوزرائه أو أحزاب الائتلاف، وهذا ما حصل في الحكومة الحالية التي جاء ضمن خطتها مشروع "الإصلاح القضائي"، إذ تم تعديل وتغيير قوانين أساس بما يتلاءم ومصالح بنيامين نتنياهو أو أحزاب ائتلافه اليمينية والدينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول البروفسور تمار هوسطوبسكي براندس، وهي محاضرة الحقوق في كلية "أونو" ومتخصصة في القانون الدولي العام والقانون الدستوري، إن "الترتيبات القائمة (التي كانت موقتة عام 1952 ثم أصبحت دائمة) تميز الوضع في إسرائيل وتخلق إطاراً دستورياً غير متماسك وغير مستقر. ففي إسرائيل حتى اليوم لا توجد اتفاقات شاملة حول القضايا الأكثر مركزية في حياة المجتمع، ومنها على سبيل المثال العلاقة بين الدين والدولة، ومكانة الحقوق الفردية، وسلطة القضاء، والتزامات قطاعات مختلفة من المجتمع الإسرائيلي سواء في ما بينها أو تجاه الدولة".

وتضيف "ربما يكون انعدام الثقة بين مختلف الأفراد والجماعات التي تشكل المجتمع الإسرائيلي في أعمق مستوياته خلال تاريخ البلاد".

برأي براندس، حان الوقت لكتابة "ميثاق اجتماعي جديد لإسرائيل تظهر فيه الهوية الإسرائيلية، الهوية التي لم تكن موجودة عام 1948 عندما تأسست ولكنها تطورت في السنوات الـ75 منذ ذلك الحين، هذه الهوية يتقاسمها جميع مواطني إسرائيل وهم اليهود والعرب، الشرقيون والأشكناز، والرجال والنساء، والأهم أن تعكس مؤسسات الدولة والإطار الدستوري وتوزيع الموارد حقيقة أن إسرائيل هي ملك للجميع".

دستور شبه مستحيل

عميد كلية الحقوق في صفد، الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي البروفسور محمد وتد، يرى بموجب نظرة واسعة للوضع الذي تشهده إسرائيل أن "تشكيل دستور حقيقي كالدستور الذي كان يتوجب أن يوضع منذ إقامتها هو أمر شبه مستحيل الآن، لأنه يتطلب نوعاً من الإجماع والاتفاق الواسع بين الشرائح المختلفة، وهذا وضع غير موجود حالياً في إسرائيل التي تشهد مفارقات وفجوات كبيرة، ليس فقط بين الأحزاب بل وداخل المجتمع اليهودي، إنها فجوات كيانية حول الخدمة المدنية، ووضعية المدارس الدينية في الدولة، وحق المساواة، بالذات للعرب كأقلية قومية كبيرة، هناك وضعية شائكة وواسعة ومتعددة تجعل إعداد الدستور مهمة شبه مستحيلة، فإذا لم يتفق السياسيون على قانون في الكنيست فهل سيتفقون على دستور؟ المؤكد لا، وبمثل هذه الأجواء ستكون كتابته خطأ فادحاً، والأهم من هذا أنه في ظل هذا الوضع لا يمكن تنفيذ أي دستور".

ويضيف وتد "لو كان هناك دستور لما تمكنت الحكومة من تغيير قوانين الأساس كما يطيب لها، وهذه الخطوة التي قامت بها حكومة بنيامين نتنياهو هي التي أسهمت في إثارة وتصعيد حملة الاحتجاج. في إسرائيل هناك قوانين أساس مكتوبة ضمن فصول، وتم اعتبارها وفق قرار هراري التاريخي بمثابة دستور، لكن هذه القوانين غير محصنة مما يعني أن بالإمكان تعديلها حتى من قبل أكثرية (61 نائباً) من المشاركين في جلسة التصويت، وهذا الوضع لا يطبق على حكومة نتنياهو وأحزاب ائتلافه من اليمين فقط، وإنما على حكومات اليسار – المركز. فعلى سبيل المثال في أزمة فيروس كورونا شهدت إسرائيل أزمة برلمانية عندما كانت الحكومة برئاسة نتنياهو – غانتس، فقد تم تغيير قانون أساس الحكومة وأنشأ الاثنان مؤسسة جديدة سميت (رئيس حكومة ورئيس حكومة بديل) بحيث يتقاسم نتنياهو – غانتس فترة ولاية الحكومة بينهما. وكذلك بالنسبة إلى عدد وزراء الحكومة، فكل رئيس حكومة يزيد عدد الوزراء أو يقلله وفق مصلحة ائتلافه".

وحول سلطة المحكمة العليا وصلاحياتها من دون دستور، يقول وتد "السلطة القضائية غير محصنة، وبإمكان ليس فقط حكومة نتنياهو – بن غفير، بل كل حكومة إسرائيلية، محو المحكمة العليا عن الوجود إذا أرادت، والأخطر من هذا أن القرار لا يتطلب من الكنيست أكثرية الـ61 نائباً، وهذا بحد ذاته نوع من الهزلية، فلغياب الدستور تبعات على مستوى المؤسسات والأفراد أيضاً، وما يحدث هذه الأيام يمس بشكل مباشر قوانين أساس مثل قانون حرية العمل، وكذا حق المساواة والتعبير عن الرأي وحرية الدين".

إرث بن غوريون

لكن لماذا بقيت إسرائيل 75 عاماً من دون دستور؟ يجيب وتد "تاريخياً هناك عوامل عدة، أبرزها أنه عند إقامة الدولة لم تكن إسرائيل في وضعية عقد اجتماعات وجلسات مطولة ومهنية تصل إلى حد الإجماع، فاليهود قسم منهم كانوا في فلسطين، وقسم جاء من مختلف الدول، ولكل مجموعة فكر خاص بها. لقد كانت هناك اختلافات جذرية حول أمور مهمة جداً، ولعل أهمها على الإطلاق ماذا تعني الدولة اليهودية؟ هل هي دولة دينية أم قومية؟ وكان هناك كثير من النقاشات وفجوات كبيرة للتوصل إلى اتفاق في هذا الصدد، لكن إذا أردنا تحديد السبب الرئيس لعدم وجود دستور فهو بن غوريون. لقد كان يدرك تماماً ماذا يعني الدستور، وكيف سيكبح صلاحياته. واستخدم جميع الآليات البرلمانية لإقناع اللاعبين السياسيين بأنه لا حاجة للدستور، وأن بإمكانه إدارة شؤون الدولة من دونه عبر وثيقة الاستقلال، وهكذا اتفقوا على قرار هراري بوضع قوانين أساس لتكون بمثابة دستور".

ويتابع عميد كلية الحقوق في صفد "التعديلات التي تمت المصادقة عليها في الكنيست تكبح جماح المحكمة العليا وتقيد تدخلها في قرارات وسياسات الحكومة. وعندما يجري الحديث عن قانون أساس فإنها لا تتدخل، بمعنى آخر المحكمة غير مستقلة، وهي موجودة تحت إرهاب وتهديد سياسي طوال الوقت".

يعتقد وتد أن "الأزمة أو مربط الفرس، كما يقولون، في نتنياهو المقدمة ضده ثلاث لوائح اتهام، ولا يختلف اثنان في إسرائيل على أنه شخصية محنكة سياسياً ولديه قدرات لا ينافسه فيها أحد. وبحسب الوضعية الحالية فما دام الرجل في سدة الحكم وفي الوقت نفسه يقترب من أبواب السجن فسيستخدم جميع الوسائل التي تضمن له أن يبقى رئيساً للحكومة، وهو ما يضطره إلى البقاء مع أحزاب الائتلاف حتى وإن كان لا يرغب في التعاون مع سموطرتش أو بن غفير، لكنه يواجه وضعاً صعباً في ما يتعلق بمحاكمته، علماً بأنه في نهاية الأمر سيصدر القضاء قراره عاجلاً أم آجلاً".

المزيد من الشرق الأوسط