ملخص
"ناس النهر" معرض يتسعيد جماليات المكان وبهجة التراث الحي
تحت عنوان "ناس النهر" يستضيف غاليري آرت كورنر في القاهرة معرضاً مشتركاً للفنانين محمود الشنقرابي وعلي المريخي ومرفت شاذلي. المعرض الذي افتتحه الكاتب والأديب المصري حجاج آدول ويستمر حتى 5 أغسطس (آب) المقبل يتخذ من نهر النيل حلقة وصل مشتركة لهذه التجارب على الرغم من سياقها البصري المختلف. هؤلاء الفنانون الثلاثة يجمعهم الانتماء إلى محافظة أسوان في جنوب مصر، وهو ما قد يفسر احتفاءهم بالنهر. فالناس في جنوب مصر أكثر ارتباطاً وتأثراً بحضور هذا المجرى المائي، الذي يتداخل عميقاً في تفاصيل حياتهم اليومية.
كان لا بد إذاً لهذه النشأة أن يكون لها تأثيرها على أعمال الفنانين الثلاثة، فأثر البيئة المحيطة هو أحد العوامل المهمة في تشكيل التجربة البصرية لدى أي فنان، فما بالنا بمدينة زاخرة بكافة المثيرات كمدينة أسوان الواقعة في أقصى الجنوب. في أسوان تشتبك وتمتزج مؤثرات شتى، بداية من الحضور الطاغي لنهر النيل، إلى أطلال المعابد القديمة والمزيج اللافت للثقافة النوبية والعربية، مروراً بقوة العادات والتقاليد والأهازيج والأغاني. لا شك أن كل هذه العناصر لها أثر واضح على أهل أسوان، كما أن لها تأثيراً بالغاً بالطبع على تجربة الفنانين الثلاثة العارضين هنا. ولعل حضور الأديب البارز وابن النوبة حجاج آدول لمراسم الافتتاح من شأنه أن يعطي بعداً آخر لهذا التأثير الطاغي لمدن الجنوب على أبنائها. خدمة املعرض)
هذا التأثير اللافت للبيئة الأسوانية يظهر بأشكال مختلفة في أعمال الفنانين الثلاثة، فالفنان محمود الشنقرابي مثلاً يميل في أعماله الصغيرة المرسومة على الورق إلى استلهام الجانب الأسطوري لهذه البيئة. هذه الأجواء الأسطورية إلى جانب المعالجات الحرة للعناصر أضفت قدراً هائلاً من الخيال على أجواء أعماله. عناصر كثيرة تجتمع في أعمال الشنقرابي لتصنع هذا المزيج الخيالي، ولعل أبرزها هذه الكائنات الهجينة، والطيور والنباتات التي أكسبها الفنان هوية خاصة بها، هذا بالطبع إلى جانب الرموز والعلامات الي لا تخلو منها رسوماته. كل هذه العناصر التي يوظفها الشنقرابي تتسلل إلى لوحاته بلا شك من مخزون ثري ومتنوع يشتبك خلاله الموروث الشعبي مع التاريخي. الفنان محمود الشنقرابي معروف كباحث في التراث الأسواني، وقد صدر له كتاب مصور بعنوان مدونات الشنقرابي. الهدف الأبرز من هذا الكتاب هو تدوين التراث الشعبي في مدينة أسوان من حكايات شعبية وعادات ومفردات لغوية، وهي عناصر يمكن أن تندثر لو لم يتم الحفاظ عليها. ولا تختلف الأعمال المرسومة للفنان محمود الشنقرابي كثيراً عن هذا التوجه، فهو يقتنص أشكاله وعناصره من بين أحلامه وخيالاته قبل أن تتلاشى من الذاكرة.
يبدو أثر البيئة الجنوبية واضحاً كذلك في أعمال الفنان علي المريخي، وهو فنان معروف باستلهامه مشاهد الحياة اليومية والمظاهر الشعبية في أعماله. يعتمد المريخي على نحو مباشر في أعماله على عنصرين اثنين لتأكيد هوية المكان، وهما الملبس والعمارة، وكلاهما يتمتع بطبيعة خاصة لدى أهل الجنوب المصري، لا سيّما أهل أسوان. يشكل المريخي من هذين العنصرين أعماله، فيجمع بينهما أو يتعامل مع كل عنصر منهما على نحو منفرد. يوظف المريخي في أحيان كثيرة الحشود البشرية كلبنات لتشكيل المشهد، وهو مشهد منفتح دائماً على كافة أشكال المنظور، كمنظور عين الطائر، الذي يشرف من خلاله على عناصره من أعلى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفنانة مرفت شاذلي هي واحدة من المصورات البارزات في الساحة الفنية في مصر، وتتسم تجربتها بطبيعة خاصة. ترتبط التجربة الفنية والأكاديمية للفنانة مرفت شاذلي بالبنية الثقافية النوبية وأثرها على الفنانين المعاصرين، ولها دراسات عدة متعلقة بهذا الجانب. غالباً ما تستلهم الفنانة مرفت شاذلي أعمالها من وحي هذه الثقافة والبيئة في الجنوب، مع إضفاء لمحة شاعرية واضحة على عناصرها المرسومة. في أعمال مرفت شاذلي يبدو اللون طاغياً، فهو لون محلق وأخاذ، يميل إلى الدرجات الصريحة والمبهجة. وحين نتأمل هذه الأعمال لا بد أن نلتفت إلى هذا الحضور البارز لدرجات الأزرق، وهو لون له علاقة مباشرة بالرسوم المصرية القديمة، ولا يمكن إنكار صلته بالنهر أيضاً. في هذه الأعمال ثمة حضور بارز كذلك للطائر، وهو عنصر متكرر في أعمالها. في هذه اللوحات يبدو الطائر مشاركاً للناس في حياتهم اليومية ولحظاتهم الحميمة، وهو شاهد كذلك لبهجتهم أو ربما مؤنس لوحدتهم.