ملخص
تعد مسكوكة "مقدسية" أول عملة فلسطينية قابلة للتداول في غزة، وتعامل معاملة النقد العادي ولها نظامها المالي الفعال في القطاع
بعدما وجد خالد فرصة عمل يحصل منها 500 دولار في الشهر، بدأ يفكر في الادخار، عله يكون نفسه ويبني بيتاً يستقر فيه، لكن الشاب لا يستطيع الاحتفاظ بالنقود، ويصرف عادةً كل عملة تقع في يده، وحتى إذا أجبر نفسه على تخزين الأموال فإنه يخشى أن تفقد قيمتها مع مرور الزمن، إذ إن عملية تأسيس شاب كيانه في غزة تستغرق عشر سنوات على الأقل.
وعلى اعتبار أن الذهب يشكل ملاذاً آمناً لعملية الادخار، فكر خالد في شراء المعدن الأصفر وعزم على الأمر، لكن سعر الغرام الواحد من عيار 21 يتجاوز 56 دولاراً في غزة، ولا يمكن أن يشتري الشاب من الصاغة غراماً، فأغلب الموجود في السوق عبارة عن حلي لا يقل وزنها عن خمسة غرامات، وهذا يكلفه كثيراً.
ادخار آمن
وتتمثل فكرة خالد في الادخار عبر شراء الذهب شهرياً، وبحسب مخططاته فإنه يعتزم شراء المعدن النفيس بقيمة لا تزيد على 100 دولار في الشهر، بينما لا يقوى على رفع هذا الرقم نهائياً، فالشاب لديه متطلبات أخرى في حياته، والمبلغ الذي خصصه لا يشتري له سوى غرام ونصف الغرام تقريباً.
بحث خالد كثيراً عن ذهب يمكنه شراؤه بقيمة 100 دولار، حتى وجد مسكوكة "مقدسية"، التي تتيح له شراء حتى ربع غرام من المعدن الأصفر على شكل عملة نقدية، ويمكنه أيضاً تداولها بسهولة، فهي ذهب ونقد في الوقت ذاته.
اشترى خالد "مقدسية" ونصف "مقدسية"، بقيمة ادخاره الشهري، وكانت هذه أول مرة في حياته يتمكن فيها من اقتناء الذهب بغرض الادخار الآمن لاستخدامه لاحقاً لتحقيق أهدافه، ويؤكد الشاب أن الحصول على المال صعب للغاية في غزة، وفي الوقت نفسه صرفه سهل وعادة ما يذهب من دون تحقيق فائدة مستدامة.
مقدسية عملة نقدية من ذهب
تعد مسكوكة "مقدسية" أول عملة فلسطينية قابلة للتداول في غزة، وتعامل معاملة النقد العادي ولها نظامها المالي الفعال في القطاع، وفي الوقت ذاته لها خصائص وآليات تداول الذهب نفسها، لكن في حال جرى نقلها إلى الضفة الغربية أو أي مكان آخر في العالم، فهي تعامل معاملة المعدن الأصفر، وتباع بحسب قيمة وزنها.
وصنعت "مقدسية" من الذهب عيار 21، وتتمثل فكرتها في تجزئة غرام الذهب إلى ربع غرام ونصف غرام وهكذا إلى مسكوكة بوزن عشرين غراماً. ونقش على العملة النقدية الجديدة في وجهها الأول قبة الصخرة وتحتها عبارة فلسطين، وعلى وجهها الآخر غصن الزيتون مع رقم يشير إلى وزنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول ادخار "مقدسية" يقول خالد "إن توفرها بأوزان بسيطة وبأسعار مناسبة تراعي ذوي الدخل المحدود والفئات الفقيرة تساعد وتشجع على اقتنائها، بخاصة أن الذهب وسيلة آمنة للادخار من أجل الاستثمار".
وعلى رغم بدء تداول "مقدسية" في غزة كعملة ثانوية إلى جانب الشيكل الإسرائيلي والدولار الأميركي والدينار الأردني، إلا أنها لا تتبع لسلطة النقد الفلسطينية (مؤسسة حكومية تحظى ببعض وظائف البنك المركزي)، بل تشرف عليها مجموعة استثمارية دولية.
حاصلة على الأذونات الرسمية
وحصلت "مقدسية" على جميع الأذون الحكومية الرسمية قبل تداولها، وسجلت كعلامة تجارية لدى وزارة الاقتصاد الوطني، ومنحت براءة اختراع من وزارة الثقافة في غزة كاختراع فني، كما تجري مناقشتها رسمياً لاعتمادها عملةً فلسطينية لها نظام مالي وآليات تداول، لكن هذا الأمر يحتاج إلى إذن من إسرائيل.
وبحسب بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فإنه أبقى الأراضي الفلسطينية من دون وسيلة للتبادل النقدي المستقل مع العالم، وحدد عملة الشيكل كورقة التبادل والمدفوعات الرئيسة في غزة والضفة، فضلاً عن أنه لا يسمح باستحداث عملة فلسطينية منفصلة مصدقة وتحمل رقماً ولها خصائص التداول في البورصة.
وحول تفاصيل المسكوكة الذهبية النقدية، يقول صاحب فكرتها أحمد حمدان "عملنا لمدة ثلاثة أشهر في معامل الذهب للخروج بمنتج يمزج بدقة عالية بين الوزن الخفيف وجودة الذهب، فمقدسية تخضع لقيمة الذهب من عيار 21 حسب التداولات العالمية والمحلية اليومية". ويضيف "كل مقدسية مختومة من الجهات الرسمية المتخصصة، ويستطيع الجميع امتلاكها وادخارها والتعامل بها عبر آليات لا مثيل لها، ويمكن صرفها في أي مكان في العالم، كما يتم التحويل من الفئات الأقل إلى الأكثر مجاناً، ويمكن التحويل لعملات ورقية متداولة من دون خسائر".
تراعي ظروف الشباب وتستخدم كمهر في الزواج
ويوضح حمدان أن "مقدسية نواة يمكن التأسيس عليها مستقبلاً لإطلاق عملة فلسطينية، بخاصة بعد أن وافقت مصارف محلية تابعة لسلطة النقد على التعامل مع مقدسية للتداول، كما تتعامل مع العملات المالية التقليدية"، لافتاً إلى أنها "أخذت شكلاً فلسطينياً إذ نقشت قبة الصخرة على وجه القطعة وغصن الزيتون على الوجه الآخر ليدلل على السلام الذي نبحث عنه".
وبحسب حمدان فإن "مقدسية تراعي الوضع الاقتصادي المتردي لشباب غزة، بخاصة الراغبين بالادخار ولا يملكون المال الكافي لشراء الذهب بغرض الادخار، إذ أصبح بإمكانهم امتلاك الذهب بالقليل من المال لشراء المسكوكة بأوزان بسيطة".
ويشير حمدان إلى أن "مقدسية تحافظ على مدخرات الفئات الهشة والفقيرة من التضخم وحمايتها من سقوط قيمة العملات الأجنبية، وبذلك يتحقق الدعم النفسي من خلال امتلاك الذهب كملاذ آمن عبر سهولة الحصول عليه نظراً للأوزان التي تم توفيرها بطريقة إبداعية".
وتستخدم "مقدسية" لأغراض الزواج في غزة، إذ تدفع 20 مسكوكة من فئة غرام واحد كمهر، ويؤكد حمدان أنه يمكن تحويلها إلى مصاغ ذهبي مجاناً في حال رغبة العريس أن يلبس مخطوبته حلياً من المعدن اللامع.