Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحل الحكومة الجديدة الأزمات التونسية؟

متخصصون يرون أن الإرث الاقتصادي ثقيل وتحديات كبيرة تواجه الحشاني أبرزها تحسين الأوضاع المعيشية المتردية للمواطنين ولا يتوقعون قرارات ثورية

يبلغ دين تونس نحو ثمانية في المئة من إجمالي ناتجها المحلي (أ ف ب)

ملخص

تونس تمر بركود اقتصادي في ظل نمو لا يزيد على اثنين في المئة ومعدل بطالة ارتفع إلى 15 في المئة

قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد مطلع أغسطس (آب) الجاري تعيين أحمد الحشاني رئيساً جديداً للحكومة التونسية، إثر إعفائه نجلاء بودن رمضان بعد 23 شهراً من تسييرها الحكومة بعد تعيينها كأول امرأة في المنطقة العربية رئيسة للحكومة التونسية في الـ29 من سبتمبر (أيلول) 2021.

وعلى رغم أن بيان رئاسة الجمهورية لم يوضح أسباب الإقالة إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي والمالي وتداعياته السلبية الاجتماعية قد تكون عجلت برحيل بودن مع تتالي عديد من الأزمات، آخرها أزمة فقدان الخبز وتردي مناخ الأعمال في تونس مع تعطل مشاريع عدة وتأخر إنجاز أخرى، وفي مقدمها تسريع إنجاز مشاريع الطاقة المتجددة، إضافة إلى أزمة انقطاعات الكهرباء والماء خلال هذه الفترة الاستثنائية.

يأتي تعيين الحشاني، الذي كان يشغل منصب المدير العام للشؤون القانونية في البنك المركزي التونسي، قبل أن يحال على شرف المهنة في عام 2018 (متقاعد منذ خمس سنوات)، في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية خانقة لم تشهدها تونس منذ الاستقلال.

وتنتظر رئيس الحكومة الجديد أحمد الحشاني ملفات عدة متشعبة أبرزها إيجاد حل سريع وعاجل لمشكلة توفر المواد الأساسية والقطع مع حال تذبذب التزويد على المدى القصير جداً، فضلاً عن العمل على إصلاح مسائل عدة ملتهبة أهمها تحسين الوضعية المالية للبلاد.

كما يتوجب عليه إصدار حزمة من الإجراءات والقرارات المهمة لتسهم في تحسين مناخ الأعمال في البلاد المتعثر، لا سيما وأن حكومة بودن تعهدت من قبل باتخاذ سلسلة من القرارات لكنها لم تفعل.

ويظل ملف صندوق النقد الدولي حجر الزاوية والأصعب الصعب أمام رئيس الحكومة الجديد في ظل رفض رئيس الدولة قيس سعيد إملاءات الصندوق في خصوص رفع الدعم بشكل خاص.

بقاء السياسة الاقتصادية على حالها

ويعتقد المتخصص المالي بسام النيفر أنه لن يطرأ تغيير كبير أو جذري على السياسة الاقتصادية لتونس حتى بعد تعيين أحمد الحشاني رئيساً جديداً للسلطة التنفيذية، من منطلق أن الرئيس هو الذي يحدد التوجهات الاقتصادية وفقاً لدستور 2022.

وقال النيفر لـ"اندبندنت عربية" إن "إقالة نجلاء بودن من منصبها الثلاثاء الماضي جاءت في ظل عدم إيجاد بديل لتنفيذ مقاربة الرئيس قيس سعيد في التعويل على الذات، والابتعاد قدر الإمكان عن اللجوء إلى الخارج خصوصاً في مسألة الاقتراض، وتحديداً صندوق النقد الدولي".

وأشار النيفر إلى أن "إقالة الرئيس قيس سعيد لوزيرتي التجارة والصناعة منذ بضعة أشهر على خلفية تصريحاتهما في شأن إصلاح منظومة الدعم في تونس"، مضيفاً أن "آخر تصريح لوزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد أمام البرلمان أكد فيه أنه ليس هناك بديل آخر عن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، الأمر الذي سرع في إقالة بودن من منصبها بسبب عدم التناغم الحكومي".

واعتبر أن "حكومة نجلاء بودن لم تتوفق إلى إيجاد بدائل أخرى خصوصاً في ملف التمويلات الخارجية، الأمر الذي يرفضه رئيس الدولة بشدة".

وتابع النيفر "لم تخرج تونس إلى الآن من بوتقة الاقتراض الخارجي، بل تعزز الاقتراض ليغرق البلاد في ديون ضخمة قد تفضي إلى العجز عن سدادها وفق تقارير وكالات التصنيف الدولية"، مرجحاً عدم تغير السياسة الاقتصادية لتونس حتى بعد تغيير رئيس الحكومة، مشيراً إلى أن "هناك خطة اقتصادية للفترة 2023-2025 سيتم تقريباً الحفاظ عليها، وأن هناك تواصلاً في سياسات الدولة عموماً".

من الصعب اتخاذ طفرة من الإجراءات الاقتصادية

كما توقع النيفر أن "تحركات رئيس الحكومة الجديد لن تخرج عن توجهات ومبادئ رئيس الدولة للحفاظ على سياسة الدعم المنتهجة حالياً، خصوصاً عدم إجراء زيادات على أسعار المواد الأساسية، ومن ضمنها تحريك أسعار المحروقات والكهرباء المطالب صندوق النقد بتفعيله".

وفي المقابل توقع النيفر حدوث طفرة في القرارات والإجراءات العاجلة، وفي مقدمها تحسين القوانين المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال في البلاد المتعثر، محذراً من عدم القيام بعملية تحر واسعة لعديد من القطاعات الاقتصادية، معتقداً أن الظرف الراهن لا يسمح بتلك الإجراءات من منطلق أن هناك قطاعات أخرى معيشية تستوجب إصلاحها وفي مقدمها تحسين الظروف المعيشية للتونسيين.

تحديات كبيرة

وخلال الأسابيع القليلة الماضية وجه الرئيس قيس سعيد اللوم للمسؤولين والحكومة قائلاً إنه "يجب عليهم التحرك لمعالجة المشكلات وضعف الخدمات العامة بما في ذلك الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء"، مما دفعه إلى إقالة الرئيس المدير للشركة التونسية لتوزيع المياه (الحكومية) أخيراً.

إلى ذلك قال الرئيس التونسي للحشاني بعد أن أدى الأخير اليمين الدستورية أمامه "هناك تحديات كبيرة لا بد أن نرفعها، للحفاظ على وطننا وعلى دولتنا وعلى السلم الأهلي"، مضيفاً أن "سنعمل على تحقيق إرادة شعبنا والعدل المنشود وتحقيق الكرامة الوطنية ولن نعود للوراء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان قيس سعيد عين نجلاء بودن رمضان رئيسة للوزراء قبل نحو عامين بعدما أقال رئيس الوزراء هشام المشيشي، لكن حكومة بودن عجزت عن إصلاح الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وسط مخاوف من أن تونس لن تكون قادرة على سداد ديونها الخارجية بسبب أزمة مالية حادة، بل واستفحلت الأزمات وتتالت مما أدى إلى نقص عديد من السلع مثل الخبز والسكر والرز والقهوة وسط تذمر كبير من المواطنين الذين عبروا عن ذلك صراحة للرئيس سعيد في الـ25 من يوليو 2023 أثناء جولة تفقدية في شارع الحبيب بورقيبة، إذ عبروا عن عدم رضاهم بالوضع الراهن وسط استفحال الغلاء وندرة المواد الأساسية.

وقدمت حكومة نجلاء بودن برنامجاً للإصلاح الاقتصادي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكن سعيد رفض أي إصلاحات من شأنها أن تشمل خفض دعم الغذاء والطاقة، قائلاً إن "القيام بذلك قد يتسبب في توترات اجتماعية حادة".

أزمة خانقة

وبحسب متخصصين فإن الأزمة الاقتصادية لها تداعيات وخيمة أخرى، خصوصاً أن الدولة شبه عاجزة عن تمويل أي استثمار جديد، مما يجعل البلاد تمر بركود اقتصادي مع نمو ضعيف يبلغ نحو اثنين في المئة وبطالة تزيد على 15 في المئة، وكذلك تسعى الدولة بشكل متزايد إلى الاقتراض الداخلي عبر المصارف المحلية، مما يقوض سمعتها الدولية.

في غضون ذلك يبلغ دين تونس نحو ثمانية في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، وهي في حاجة ماسة إلى تمويل لتسديد رواتب موظفي القطاع الحكومي الذين يصل عددهم إلى نحو 680 ألف موظف إداري، وما لا يقل عن 150 ألفاً في الشركات العامة فضلاً عن نفقاتها الأخرى.

ومما زاد في الوضع تعقيداً استفحال الهجرة غير النظامية من تونس إلى سواحل إيطاليا، مما كاد أن يتسبب في أزمة سياسية بين تونس والاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتونس، لكن سرعان ما طوق الخلاف بالتوقيع على اتفاق شراكة استراتيجي تتحصل بموجبه تونس على مساعدات مالية شريطة إيقاف نزف المهاجرين من جنوب الصحراء من تونس إلى أوروبا.

لكن سعيد يكرر رفضه "الإملاءات" المتأتية من خبراء صندوق النقد الدولي، التي تتعلق بمراجعة سياسة الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية وتقليص كتلة الأجور في القطاع الحكومي.

ولم تتمكن حكومة نجلاء بودن على مدى عامين من إخماد حرائق الملفات الملتهبة الساخنة وتحسين أوضاع البلاد والمواطنين، بل تعمقت أكثر الأزمة بتسجيل نسب تضخم قياسية تجاوزت 10 في المئة في أواخر 2022، مع تراجع لافت لقيمة الدينار التونسي أمام اليورو الذي وصل إلى مستوى قياسي، إذ صار واحد يورو يساوي 3.4 دينار تونسي منذ بضعة أيام.

الديون الخارجية

في الأثناء، حذر المتخصص الاقتصادي عز الدين سعيدان من أن أكبر تحد لتونس اليوم ولرئيس الحكومة الجديد أحمد الحشاني هو الديون الخارجية لتونس المقدرة بنحو 14 مليار دينار (4.6 مليار دولار) المطالب بسدادها في عام 2023، مشيراً إلى أن "هذه المسألة قد تسبب عديداً من الإشكالات المالية لتونس"، موضحاً أن "آخر تقرير للمؤسسة المالية للدولة أشار إلى عدم قدرة الوفاء بسداد ديونها الخارجية بداية من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

تعيين لن يغير أي شيء

من جهته استبعد أستاذ الاقتصاد بـ "الجامعة التونسية" رضا شكندالي أن يغير رئيس الحكومة الجديد في تونس الأمر كثيراً أو إيجاد حلول جذرية، قائلاً "الرئيس قيس سعيد يمتلك السلطات كافة، وهو من يحدد التوجهات الاقتصادية للبلاد"، مضيفاً لـ"اندبندنت عربية" أن "الحشاني سيكون مشابهاً لرئيسة الحكومة المقالة نجلاء بودن في تلقي التعليمات والتوجيهات من رئيس الدولة"، ولفت إلى أن "رئيس الحكومة الجديد على رغم عمله طوال حياته في البنك المركزي التونسي في منصب مدير للشؤون القانونية، إلا أنه لا يملك نظرة اقتصادية كبيرة تخول له العمل بسرعة وبنجاعة لحلحلة المشكلات الاقتصادية العالقة".

اقرأ المزيد