ملخص
مرفأ بيروت لعب منذ أواخر الأربعينيات دور ميناء العرب والبديل من مرفأ حيفا
ليس في لبنان أيام سهلة، كل الأيام صارت صعبة وأصعب، والذكريات جرح مفتوح، قبل ثلاث سنوات، الرابع من أغسطس (آب) 2020، ضرب لبنان أكبر تفجير غير نووي منذ قنبلة هيروشيما: انفجار في مرفأ بيروت دمر المرفأ بكامله ونصف العاصمة، وأسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المباني السكنية والتجارية ومراكز المعارض والمطاعم والفنون وبينها متحف "سرسق" المميز، كان انفجار نيترات الأمونيوم تفجيراً تتحمل مسؤوليته ثلاثة أطراف، بصرف النظر عن النسب المتفاوتة في المسؤولية، الطرف الأول هو الجهة الحقيقية مالكة النيترات المخزنة في العنبر رقم 12، لا الشركة التي قامت باستيرادها ولعبت دوراً في سيناريو الوصول إلى بيروت بحجة تحميل أخشاب ثم تعطل السفينة وحجز حمولتها، وهي الجهة التي كانت تنقل دورياً كميات من 750 طناً من النيترات إلى جهة ما لاستخدامها في الصناعة العسكرية من دون أن يوقفها أحد في المرفأ، والطرف الثاني مسؤولون في الجمارك والأمن والقضاء الذين كانوا يعرفون ما يحصل، ووزراء أشغال يقولون إنهم لم يعرفوا ما يدور، وكان يجب أن يعرفوا، والطرف الثالث هو المسؤولون الكبار رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة الذين تسلموا قبل شهر من الانفجار تقريراً أمنياً يحذر من احتمال كبير لانفجار النيترات، من دون أن يفعلوا شيئاً.
لكن المسؤولية لا تتوقف هنا، فالتفجير جريمة مستمرة ومتمادية، والمافيا الحاكمة والمتحكمة عملت براحة كاملة على منع التوصل إلى معرفة الحقيقة وراء الجريمة، في البدء رفضت المطالبة بتحقيق دولي، مدعية أنه يأخذ وقتاً طويلاً، وأن التحقيق اللبناني أسرع، ثم عرقلت عمل المحقق العدلي الأول فادي صوان عندما أراد التحقيق مع وزراء ومسؤولين، لا فقط مع الموظفين، وأزاحته، وعندما أصر المحقق العدلي الثاني طارق البيطار على التحقيق مع الكبار وإصدار مذكرات توقيف جرى تعطيله بالكامل عن التحقيق، أولاً من خلال دعاوى "الارتياب" التي يلعب فيها المحامون على الشكل، وثانياً من خلال المطالبة بتنحيته، وثالثاً عبر التهديد العلني داخل قصر العدل بـ"قبعه" على لسان مسؤول أمني كبير في "حزب الله"، ومع الألعاب القانونية كانت الألعاب السياسية، المافيا كذبت على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار بيروت عقب الانفجار وطرح فكرة "حكومة مهمة" لإصلاح الوضع، ولم يكن ذلك خارج المألوف من سلوكها والتمسك بمصالحها على حساب المصلحة اللبنانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والجريمة أكبر، من تدمير المرفأ إلى الإجهاز على مؤسسات الدولة، والسطو على ودائع الناس في المصارف من دون محاسبة أي سارق. فرض الشغور في رئاسة الجمهورية من دون تحرك فعلي لملء الفراغ، وبالطبع من دون التفات إلى انهيار الجمهورية وتفاقم الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية بدءاً بالأزمة السياسية وصولاً إلى الأزمة الوطنية، بحيث صار مصير لبنان على المحك.
والمفارقة التي صارت عادية هي أن القضاء في عدد من البلدان الأوروبية يتولى مهمة التحقيق مع "مهندس" سطو المافيا على المال العام والخاص حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، من حيث يتردد ويتلكأ القضاء اللبناني، وهذا ما حدث في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. لا بل إن أهالي الضحايا في تفجير المرفأ تعرضوا للمحاكمة بتهمة رفع الصوت على المجرمين، وأقل ما قاله المسؤول في صندوق النقد الدولي إرنستو راميريز ريغو للمسؤولين هو "أنتم تسرقون أنفسكم، وتستمرون في إفلاس احتيالي وإنكار"، أما المسؤولة عن الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية باربرا ليف، فإنها وجدت نفسها مضطرة إلى مصارحة اللبنانيين بالقول: "لبنان سيضطر إلى تحمل مزيد من الألم قبل أن يشكل هذا البلد الفقير حكومة مع احتمال تفكك كامل للدولة".
مرفأ بيروت لعب منذ أواخر الأربعينيات دور ميناء العرب والبديل من مرفأ حيفا، هو أقرب إلى دمشق من مرفأ اللاذقية، وأقرب موانئ المتوسط إلى الأردن والعراق والخليج، المقلق أن هذا صار من التاريخ، ولو أعيد مرفأ بيروت إلى العمل بكامل طاقته، وما يعزي هو أن المرافئ والطرق والمطارات في العالم العربي تطورت بشكل مذهل.