المولدات الكهربائية فاتورة مضاعفة وعبء بيئي في غزة

ضرب عمار كفاً بكف واستشاط غضباً بعدما قرأ رسالة واردة على هاتفه المحمول من صاحب مولد الكهرباء الذي يغذي بيته والمنطقة المجاورة، وكان مضمونها "قيمة فاتورة استهلاكك هذا الشهر بلغت 100 دولار"، والمبلغ المالي الذي يجب على عمار دفعه خلال مدة أقصاها أسبوع بمثابة رقم مضاعف أكثر من ثلاث مرات عن متوسط الفواتير الشهرية التي اعتاد عليها منذ اشتراكه بخط مولد كهرباء بديل، والتي بالعادة لا تزيد على 30 دولاراً.

موجة الحر

وعما غير متأكد ما إذا كان استهلاكه من كهرباء المولدات، الشهر الماضي، مرتفعاً لهذا الحد، أم أن أصحاب الطاقة البديلة رفعوا الأسعار من دون رقابة أو إشعاره، لكنه يجزم أن التيار من المولدات أصبح عبئاً جديداً وبات يستهلك مبالغ إضافية تتخطى إمكانياته.

تزود المولدات منازل غزة بالكهرباء مدة 16 ساعة غير متواصلة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ونتيجة ارتفاع درجات الحرارة، قلصت شركة توليد الكهرباء مدة وصل التيار لسكان غزة إلى أربع ساعات يومياً فقط، بعدما كانت تعمل خلال فصل الربيع بجدول ثماني ساعات، وأرجعت السبب لزيادة سحب الطاقة، وجراء ذلك، يعمد أصحاب الطاقة الخاصة إلى تشغيل مولداتهم مدة تصل إلى 16 ساعة في اليوم.

تذمر

وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي، تضاعف استهلاك عمار وغيره من سكان قطاع غزة من استهلاك الطاقة من المولدات البديلة، والبالغ عددهم 600 ألف مشترك، أي ثلث السكان، وسجلت تغريدات ساخطة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنهم مضطرون للاستفادة من اشتراك مولد الطاقة في ظل الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي.

وبنبرة غضب يقول عمار "من الصعب أن أسدد 100 دولار، هناك التزامات أخرى، الطعام والشراب من أجل البقاء على قيد الحياة أكثر أهمية، يستغل أصحاب المولدات حاجتنا من دون حسيب أو رقيب، ويرفعون الأسعار من دون أي مبرر مقنع"، سائلاً "كم هو راتب الشخص في غزة، وكم 100 دولار يستطيع أن يجلب، ألا توجد التزامات مثل الغاز والإنترنت والمياه". ويتابع "المولدات الكهربائية أصبحت عبئاً ثقيلاً جداً، وباتت تستهلك مبالغ إضافية لم تكن في الحسبان، وفي الوقت نفسه من المستحيل الاستغناء عن كهرباء المولد".

ويرفض عمار العودة لأفكار أقل تكلفة مثل الشموع أو البطاريات الكهربائية صغيرة الحجم، مبرراً ذلك بأنها لا تؤدي الغرض كما أنها خطرة ويمكن أن تودي بحياة عائلته، مثلما نشب حريق قبل سنوات بسبب الشموع داخل منزله.

وكحاله، وصلت رسالة نصية إلى هيام بأن قيمة فاتورة استهلاكها من المولدات ارتفعت من 20 إلى 90 دولاراً، ما جعلها تقول إن أصحاب المولدات يستغلون أزمة الكهرباء لمصلحتهم وتستفسر عن سبب عدم وجود رقابة على أصحاب المولدات وفرض تسعيرة تخدم المواطن.

انخفاض الكهرباء

ويعزو أصحاب المولدات سبب ارتفاع فاتورة الكهرباء إلى انقطاع التيار الكهربائي، ساعات طويلة، ويقول الناطق باسم رابطة أصحاب المولدات الكهربائية حسام الموسة إن موجة الحر التي ضربت المنطقة تسببت في تقليص كمية الكهرباء الواردة من سلطة الطاقة، وزيادة السحب على التيار البديل، ولا يوجد أي رفع لقيمة رسوم السحب أو استغلال المواطنين الذين نقدر ظروفهم الصعبة في غزة.

ومع ارتفاع ثمن تيار المولد وتذمّر الناس، حاولت الجهات الحكومية فرض تعرفة قليلة تتناسب مع ظروف غزة، لكنها فشلت في ذلك إذ لم يلتزم بها أصحاب المولدات بسبب التغييرات التي تطرأ على ثمن المحروقات.

ويعود تاريخ لجوء استخدام سكان غزة للكهرباء من المولدات الخاصة لعام 2009، عندما وجه مستثمرون محليون مشاريعهم باتجاه تشغيل شبكة مولدات في الأحياء السكنية كبديل عن التيار الكهربائي الواصل عبر الشركة الوحيدة في القطاع والتي تعاني من أزمة طاقة.

كارثة بيئية

وعن طريق شبكة المولدات التي تبدو وكأنها شبكة كهرباء موازية للشبكة الرسمية، بدأت تبيع سكان غزة التيار بناء على عدادات السحب.

وبحسب التقديرات، يوجد في غزة نحو 4160 مولد كهرباء تزود السكان بالتيار، ونتيجة لتشغيلها في الوقت نفسه مدة 16 ساعة متواصلة، فإنها تشكل كارثة بيئية سواء لناحية ضجيجها المستمر أو التسبب في تلوّث البيئة.

ويقول أستاذ العلوم البيئية عبد الفتاح عبد ربه إن وقود المولدات يحتوي على مادة الرصاص بشكل يفوق الحدود المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي يؤثر سلباً على الجهازين العصبي والتناسلي، وهي مادة ثقيلة إذا أطلقت من مصادرها المختلفة للهواء فإنها تبقى في دورة ثابتة وهذا ما يجعلها خطراً للغاية.

ومن الجانب الرسمي، يقول مدير دائرة المواصفات والتفتيش البيئي في سلطة البيئة فادي نصار "شكلنا لجنة لصياغة نظام يحدد ضوابط استخدام هذه المولدات لتقليل أثرها السلبي على البيئة، والتي عادة ما يكون الآثار بالتلوث الضوضائي، الناتج من عمل المولدات، والتلوث الهوائي الناتج من احتراق الوقود داخل المولدات"، ويضيف "كمية الملوثات الناتجة من عمل المولدات تعتمد على عوامل عدة منها تاريخ إنتاج المولد والقدرة التوليدية له والتي كلما زادت ارتفعت الآثار السلبية البيئية".