Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

كييف تطبع قنابلها بالتقنية الرقمية الثلاثية الأبعاد

الذكاء الاصطناعي التوليدي يسهم في نشرها بالضد من مزاعم شركاته

جنود أوكرانيين يحملون مسيرة بقنابل الطباعة الثلاثية الأبعاد في جبهة باخموت (غيتي)

ملخص

أوكرانيا تواجه أزمة إمدادات الذخائر بقنابل مصنوعة بواسطة الطباعة الثلاثية الأبعاد. ويحصل صُنّاعة على تركيبتها باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما ينقض كل مزاعم "أو بن إيه أي" عن ضوابط ذلك ذكاء الآلات.

في غمرة القتال المستعر والمعارك الضارية على جبهات عدة في الحرب الروسية الأوكرانية، وفيما تحصد الأسلحة الأرواح، تناولت تقارير إخبارية المقارنة بين القدرات العسكرية لموسكو وكييف. ولم يأت بأي جديد تأكيدها التفوق العسكري الروسي على أوكرانيا، إذ يعد الجيش الروسي ثاني أقوى جيوش العالم بعد الولايات المتحدة، بينما يحتل نظيره الأوكراني المرتبة 22 من أصل 140 دولة، وفق موقع "غلوبال فاير باور" المتخصص برصد القدرات العسكرية للدول. واستفاضت التقارير في تقديم عرض شامل وواف عن أنواع الأسحلة المستخدمة وأعدادها، مسلطة الضوء على الأقوى بينها والأكثر فرادة، لا سيما أسحلة الجيش الروسي، موضحة أن الجيش الأوكراني في حاجة دائمة إلى كل الدعم من الغرب. وقد أشارت السيدة الأولى أولينا زيلنسكا أخيراً إلى تلك النقطة ضمن مقابلة نادرة لها مع صحيفة "اندبندنت" البريطانية مشددة على حاجة بلادها الماسة إلى دعم "سريع" يتيح لها الاستمرار في محاربة القوات الروسية التي تتفوق عليها عسكرياً، محذرة من أن التعهدات بتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية طويلة الأمد لن تساعد في كسب الحرب، إذا سار التنفيذ ببطء شديد.

إزاء تلك المشهدية، وفيما يستميت الجيش الأوكراني في الدفاع عن بلاده مستنفداً مخازن الذخيرة الأوكراينة، يكشف بعض صانعي الأسلحة الهواة عن قدرات لافتة في ابتكار أسحلة فريدة من نوعها، من بينها أخيراً قنبلة مطبوعة بالتقنية الثلاثية الأبعاد (3 دي). ووراء هذا السلاح رجل من كييف يدعى "ليوشا" ويهوى صنع الأسلحة.

ووفق مقالة عن ذلك الموضوع نشرتها صحيفة "إيكونومست" أخيراً. وتقليدياً، تصمم القنابل اليدوية كي تنفجر بعد ثوان قليلة من رميها، لذا فلا بد من أن تكون خفيفة. وفي المقابل، يصبح الوزن الخفيف عيباً حينما تسقط تلك القنابل نفسها من طائرات "درون" المسيرة. وبوزن لا يزيد على 300 غرام، تفتقر القنابل اليدوية إلى "القوة القاتلة"، وعند إلقائها مستهدفة الجنود الروس "يواصل هؤلاء القتال غالباً"، كأن شيئاً لم يكن، وفقاً لليوشا.

قبل ثلاثة أشهر، صمم ليوشا ومجموعة من الأصدقاء في منازلهم قنبلة بديلة، صممت لاستهداف الأفراد لكنها تزن 800 غرام، وأطلقوا عليها اسم "زايشيك" Zaychyk أو "أرنب". تستخدم المجموعة تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد لإنتاج غلاف القنبلة قبل إرسالها لتعبئتها بمادة متفجرة تسمى "سي 4" C4، إضافة إلى مزجها مع قطع من الشظايا الصلبة.

قنابل السكاكر وعباءة ألعاب الأطفال!

تذكيراً، تستخدم الجيوش مادة الـ"سي 4" بشكل شائع، وتعد آمنة نسبياً لأنها لا تنفجر إذا تعرضت للنار أو الكهرباء أو الصدمة، وتحتاج إلى صاعق كي تحدث عملية التفجير.

في الحقيقة، يبدو المثل الإنجليزي "الحاجة أم الاختراع"، صحيحاً تماماً في هذه الحرب، و"زايشيك" ليست أحد الأمثلة على مجموعة من الابتكارات الفتاكة التي ظهرت في أوكرانيا في خلال الـ17 شهراً للغزو الروسي. وأثناء تلك الفترة، تقلصت مخزونات الذخائر الآتية من المصانع مع استمرار القتال. ولكن المتفجرات الخام ما زالت وفيرة. وقد ساعد ذلك في نشوء صناعة أسلحة يتولاها هواة، وقد كرست لتزويد الجنود في الجبهة بأسلحة يدوية الصنع واستخدامها ضد القوات الروسية.

ينكب فريق ليوشا على طباعة أغلفة بلاستيكية لحوالى 1000 قطعة أسبوعياً من "قنابل السكاكر"، بحسب ما صارت تسمى. ولكن الضابط الأوكراني الذي يتواصل مع تلك المجموعة يوضح أنه بحاجة منهم إلى ألف و500 قطعة يومياً، بحسب ما يوضح "أي دي في"، الاسم الحركي لعضو ثان في تلك المجموعة. وأنتجت مجموعة أخرى من الهواة، تدعى جيش "دروك" Druk  (معناها الطباعة)، أكثر من 30 ألف "قنبلة حلوى" في الأشهر الأربعة الماضية. ويشير "سوات"، وهو زعيم ذلك الجيش، إلى أن معدل الإنتاج في تزايد. وتجد أعداد إضافية من تلك القنابل المطبوعة طريقها إلى ساحات القتال، آتية من خارج حدود أوكرانيا. إذ يؤكد جانيس أوزولس مؤسس فرع لاتفيا من "وايلد بيز" Wild Bees التي تشكل مجموعة من صانعي الأسلحة المتطوعين من خارج أوكرانيا، أنهم يشحنون 65 ألف قذيفة قنابل في أقل تقدير من أوروبا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. وقد غض مسؤولو الجمارك الأوكرانيون الطرف عنها، مصنفين تلك الشحنات على أنها ألعاب أطفال أو حاملات شموع.

في الحقيقة، ليست الأسلحة المطبوعة بتقنية الأبعاد الثلاثية بالأمر المستجد. ففي العام الماضي، أعلنت "يوروبول" (وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون) أنها صادرت أعداداً من الأسلحة المشغولة بهذه التقنية في أوروبا خلال السنوات الأخيرة. وفي 2019، قتل شخصان في مدينة هاله الألمانية برصاص مهاجم استخدم سلاحاً صمم بناء على مخطط محمل من الإنترنت لصنع السلاح باستخدام طابعة ثلاثية.

وفي 2021، فككت الشرطة الإسبانية بدورها ورشة عمل غير قانونية مخصصة لتصنيع هذه الأسلحة في تينيريف، في جزر الكناري. وبعد أشهر من ذلك قبض على رجلين وامرأة في بلدة كيلي في المملكة المتحدة في إطار تحريات تندرج ضمن تحقيق كان يستهدف اليمين المتطرف بتهمة حيازة مكونات لصناعة أسلحة من هذا النوع.

وفي بلد تخضع فيه ملكية السلاح لرقابة صارمة، استطاع رجل أربعيني أن يخترق الجدار البشري الأمني حول رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي بسلاح وصفته الشرطة بـ"الغريب"، وأن يطلق رصاصات أردت آبي قتيلاً، ليتبين لاحقاً أنه صنع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.

في الواقع، ليست الذخائر المصنوعة يدوياً بديلاً مباشراً للذخائر المصنوعة في المصنع. ولكنها تنطوي على بعض المزايا. أولاً، تبقى زهيدة التكلفة مقارنة بغيرها. ومثلاً، يتولى البولندي إيمانويل زمودزينسكي، متطوع لدى "وايلد بيز" في لودز، تصنيع المكونات (المقدمة المخروطية والجسم وزعنفة الذيل)، اللازمة لصنع نموذج يبلغ ارتفاعه 27 سنتمتراً يسمى "بيغ إيغ" Big Egg  (البيضة الكبيرة) بسعر أقل من 3.50 يورو (3.85 دولار أميركي)، من دون تضمين المحتويات المتفجرة، وذلك على طابعة ثلاثية الأبعاد يبلغ سعرها نحو ألف و200 دولار. دونما الحاجة إلى إعادة تجهيز خطوط الإنتاج، يمكن إنتاج "قنابل السكاكر" بسهولة وبأحجام مختلفة.

نتيجة هذه الابتكارات الذكية صارت القنابل تتمتع بأداء مدهش. إذ تتضمن الأنواع المصممة لقتل المشاة أسطوانة مركزية تحتوي على المواد المتفجرة، فيما تملأ المساحة المحيطة بشظايا معدنية، تقذف إلى الخارج عند تنفجر القنبلة. في الأيام الأولى، استخدمت المسامير كشظايا في قنابل كثيرة. ولكن الاختبارات (التي تضمنت تفجير قذيفة الشظايا في ألواح من الخشب) كشفت عن وجود عيب فيها، إذ أدت الحرارة الناتجة من الانفجار إلى تبخر المسامير جزئياً.

الذكاء الاصطناعي التوليدي والوعود الزائفة

واستكمالاً، يجدر تذكر أن القطع الكبيرة من الخردة لا تتعرض للتبخر، من ثم تتسبب بجروح أكثر خطورة. لكن القطع المشوهة من المعدن تنطوي على ديناميكيات هوائية غير متوقعة. إذ ينقذف كثير منها إلى الأعلى، بعيداً من الهدف، أو إلى الأرض، ما يشكل ضياعاً للوقت وهدراً للموارد، بحسب "أي دي في". يفضل الآن استخدام الكرات الحديدية الصلدة والملساء، على رغم أنها ليست رخيصة والإمدادات منها قليلة. ووفق "ديوك"، جندي أوكراني في دونيتسك التي تحتلها القوات الروسية جزئياً، إن "قنابل السكاكر" التي يبلغ وزنها خمسة كيلوغرامات تقتل الآن المشاة المكشوفين على بعد 20 متراً من مكان هبوطهم.

ويأمل المسؤولون عن تكنولوجيا هذه القنبلة في الذهاب إلى أبعد من ذلك، متوسلين روبوت الدردشة "شات جي بي تي" للحصول على نصائح هندسية، في إشارة إلى عدم جدوى جهود الشركة المطورة "أوبن أي آي" في منع هذه الأنواع من الاستعلامات.

كذلك في مستطاع بعض "قنابل السكاكر" التصدي للمركبات المدرعة. وفي ذلك النوع من القنابل يضغط النحاس والألمنيوم داخل هذه القنابل ضمن قمع مخروطي مصمم خصيصاً لها. وحينما تنفجر تلك القنبلة، تتحول المعادن إلى سيل رقيق من مادة شديدة السخونة تستطيع أن تشق طريقها حتى عبر الدروع. وتستخدم هذه التقنية في الأسلحة التجارية المضادة للدبابات. يزعم مشغلو الطائرات المسيرة الأوكرانيون أنهم قادرون على تدمير الدبابات الروسية من طريق إسقاط هذه القنابل، التي تزن حوالى نصف كيلو على سطح المركبة، حيث تكون طبقة الدروع رقيقة.

ويعتقد ديوك، الجندي الأوكراني في دونتيسك، أن الطائرات العسكرية المسيرة في بلاده تسقط الآن حوالى 200 نوع مختلفة الأحجام من "قنابل السكاكر"، ما يدل على الحماسة لدى صانعيها. ولكن هذه الحماسة تجعل خطوط الإمداد أكثر تعقيداً، إذ تأتي المكونات من ورش عمل عدة ومختلفة. لذا، يعكف المصنعون الآن على خفض التنوع في القنابل وتوحيد إنتاجها.

يبقى أن التفوق الروسي العسكري مرده إلى الفارق الكبير بين البلدين في الميزانية المخصصة للدفاع، إذ تصل إلى حوالى 154 مليار دولار للروس، في مقابل 11.87 مليار دولار للأوكرانيين. وكذلك يتخطى عديد القدرات البشرية والبرية الروسية، نظراءهم من الجنود والاحتياطي في الجيش الأوكراني بأشواط. يضاف إلى ذلك امتلاك روسيا نحو 15 ألفاً و500 دبابة، و30 ألفاً و122 مدرعة عام 2022، بينما تمتلك أوكرانيا حوالى أربعة آلاف دبابة، و12 ألفاً و303 مدرعات، بحسب "غلوبال فاير باور". وبالنسبة إلى القوة البحرية والجوية، يحتل الجيش الروسي المرتبة الثانية عالمياً أيضاً بالنسبة إلى قواته الجوية، في المقابل، يحتل الجيش الأوكراني المرتبة 31 عالمياً. وفي ما يتصل بالخدمات اللوجستية، تتفوق روسيا على أوكرانيا في عدد المطارات العسكرية والموانئ البحرية، وطرق الإمدادات.

وكخلاصة، أمام هذه الفروق الكبيرة في الترسانتين، هل ستستطيع قنبلة مطبوعة بتقنية الأبعاد الثلاثية، أن تصنع الفارق؟ لننتظر ولنرى.

المزيد من تقارير