Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رعب على الشاطىء... سلسلة جرائم قتل تثير هلع الأميركيين

قضية سفاح "غيلغو بيتش" صدمت الولايات المتحدة على مدى الأعوام الـ 13 الأخيرة بينما كان المشتبه فيه مختبئاً على مرأى من الجميع

سلطات إنفاذ القانون تقوم بتمشيط المنطقة المحيطة بـ "شاطئ غيلغو" بحثاً عن شانان غيلبرت  (أ ب)

ملخص

بعد عجزها عن فك لغز جرائم قتل وقعت على مدى 13 عاماً، نجحت الشرطة الأميركية في توجيه الاتهام إلى مهندس وأب لطفلين 

عام 2010، قلة قليلة من الناس كانوا سمعوا باسم "غيلغو بيتش" Gilgo Beach. افتقر هذا الشاطئ الصغير في لونغ آيلاند إلى الشعبية بين المتنزهين النهاريين والأميركيين الزائرين لمدينة نيويورك، على عكس سائر الوجهات الأكثر شهرة المطلة على المحيط مثل مونتوك أو إيست هامبتون.

وبالنسبة إلى الأفراد المقيمين خارج حدود ولاية نيويورك، فمن المرجح أن أحداً منهم لم يسمع به من قبل.

إلا أن كل شيء تغير بين ليلة وضحاها في مايو (أيار) الماضي، عندما اتصلت امرأة مذعورة برقم الطوارىء 911، تطلب المساعدة لإنقاذها من شخص اعتقدت بأنه كان يحاول قتلها.

تلت ذلك عملية بحث في المنطقة عن المرأة المفقودة، وما جرى اكتشافه وضع "غيلغو بيتش" على خريطة الأحداث إلى الأبد. ففي الأشهر التالية، بدأ العثور على جثة تلو الأخرى على طول الساحل النائي. واكتشف في المجمل رفات 11 ضحية، كانت في معظمها من الشابات اللواتي اختفين أثناء عملهن كفتيات مواعدة (escorts).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد تأكيد الحقيقة المروعة، أقرت شرطة مقاطعة سافولك بما هو أسوأ: هناك قاتل متسلسل طليق أو عدد من القتلة المتسلسلين. ومنذ ذلك اليوم، باتت أميركا برمتها تعرف شاطىء "غيلغو بيتش".

وعلى مدى الأعوام الـ13 الأخيرة، استحوذت القضية على مشاعر الأمة، ومع ذلك لم تحصل أي اعتقالات أو تحديد هوية المشتبه فيهم رسمياً.

بعض الأشخاص الذين لم يتوقعوا أن يكونوا موضع ريبة، وجدوا أنفسهم وسط سحابة من الشك، بمن فيهم والذي كان الأكثر إثارة للصدمة - قائد الشرطة الذي كان على رأس التحقيق والذي سجن لاحقاً بتهمة فساد.

هذه القضية تناولها عدد من برامج البودكاست ووضعت كتب حولها، كما أنتج فيلم "فتيات مفقودات" Lost Girls عام 2020، عرضته منصة "نتفليكس".

 

ومع مرور الأعوام بدا أن القضية همدت وازدادت برودة، إلا أن الاهتمام بها لم يتراجع.

وفي هذا السياق، أوضح كولتان سكريفنر، وهو عالم أبحاث في "مختبر الخوف الترفيهي" Recreational Fear Lab (مركز أبحاث في "جامعة آرهوس" في الدنمارك، يُعنى بدراسة الأنشطة الترفيهية المخيفة) وخبير في الفضول المرضي، أنه كلما بقي القاتل طليقاً، كلما اهتم به الجمهور أكثر، وقال لـ"اندبندنت": "يبدو أن الشرطة تعتقد بأن من يقف وراء عدد من جرائم القتل هذه ربما يكون شخصاً واحداً، أو مجموعة أشخاص. وبالتالي فإن ذلك يبعث إشارة إلى الجمهور وهي أن هناك فرداً ليس قادراً على القيام بذلك فحسب، بل على مواصلة جرائمه أيضاً والتملص من القبض عليه أثناء قيامه بها".

أضاف سكريفنر أن "هذا الجانب يجعل المسألة أكثر رعباً. فإذا قُبض على شخص بعد حدوث جريمة أو اثنتين، قد يشعر الناس بثقة أكبر بقدرة الشرطة على القبض على القاتل. ولكن عندما يتمكن الفاعل من الهرب لفترة تزيد على 10 أعوام، فإن ذلك يثير تساؤلات في أذهان الناس حول هوية هذا الشخص وما الذي يجعله قادراً على تجنب الاعتقال ومواصلة ارتكاب هذه الجرائم المروعة".

هذا الاهتمام الذي بلغ حد الهوس بالقضية، تضاعف بشكل أكبر بعد انفراجة غير متوقعة في القضية الشهر الفائت، عندما ألقي القبض على رجل يبلغ من العمر 59 سنة بتهمة قتل ثلاث من الضحايا.

فقد شوهد ريكس هيرمان، وهو متزوج وأب لولدين ويترأس شركة هندسة معمارية أسسها بنفسه، يخرج من مكتبه في وسط مانهاتن محاطاً بمجموعة من عناصر الشرطة كانوا يرتدون ملابس مدنية.

المشتبه فيه مثُل في الـ14 من يوليو (تموز) الماضي أمام محكمة وجهت إليه تهمة قتل ميليسا بارثيليمي وميغان ووترمان وأمبر كوستيلو. وهؤلاء النسوة الثلاث اختفين في الفترة ما بين يوليو 2009 وسبتمبر (أيلول) 2010 بعد ذهابهن لمقابلة عملاء بصفتهن مرافقات متعة.

واعتبر هيرمان أيضاً مشتبهاً رئيساً في قتل امرأة رابعة تُدعى مورين برينارد بارنز التي اختفت عام 2007، ويعرب مسؤولو مقاطعة سافولك عن "ثقتهم" بأنهم سيتمكنون قريباً من توجيه اتهام إليه بقتلها.

ولا يوجد بأي حال من الأحوال، شيء مميز في ريكس هيرمان يشير من خلال حياته العامة إلى أنه يمكن أن يكون قاتلاً متسلسلاً خلف أبواب مغلقة. فقد ولد وترعرع في ماسابيكا بارك في لونغ آيلاند، على مرمى حجر من شواطئ "غيلغو بيتش" التي يزعم أنه اختارها لتكون مقبرة لضحاياه.

 

ارتاد هيرمان مدارس محلية، وكان من بين زملائه في الدراسة الممثل بيلي بالدوين، وعاش حياته كلها في المنزل المطلي باللون الأحمر الذي بالكاد كان يلاحظه أحد، والمؤلف من طابق واحد في الحي الهادئ الذي نشأ فيه.

وبعد مغادرة المدرسة، تدرب ليكون مهندساً معمارياً، وأطلق شركته الخاصة في مانهاتن عام 1994.

التقى بزوجته آسا إيليروب وتزوجها (بعد زواج آخر لم يدم طويلاً عندما كان يافعاً). وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن، ربيا طفلين معاً، ابنة تعمل معه في شركته وابن لزوجته.

لكن خلف حياته العادية كانت هناك حياة مزدوجة، كما تقول الشرطة. ففي ثلاث مناسبات على الأقل، عندما كانت تغادر زوجته المدينة في رحلات، كان يرتب للقاء فتيات مواعدة ثم يقتلهنّ، بحسب ما يقول المحققون.

وزعم أنه كان يربط جثث ضحاياه بأحزمة أو بشريط، ويلفها بمادة من نوع الخيش قبل أن يقوم بطمرها كي يختفي أثرها ولا يعثر عليها على الإطلاق.

ومن المثير للهلع ما زعم عن أنه احتفظ بالهواتف الخليوية لضحاياه، مرتين في الأقل. وفي حدث مؤلم، اتصل بأشخاص مقربين من الضحية بارثيليمي وقام باستفزارهم من خلال شرح الطريقة التي قتل بها الشابة واعتدى عليها جنسياً. وتقول الشرطة إنه أجرى تلك المكالمات من أماكن حول مكتبه في وسط مانهاتن، حيث كان من بين عملاء شركته مطار جون كنيدي و"منظمة ترمب"  Trump Organization.

ويختلف مظهره الخارجي العادي وسلوكه، اختلافاً جذرياً عن الصورة التي رسمها المسؤولون لرجل مهووس بجرائمه.

فعلى مدى العام الماضي، أجرى ريكس هيرمان أكثر من 200 عملية بحث على الإنترنت عن السفاح المتسلسل في "غيلغو بيتش"، كما بحث عن صور الضحايا. وكان يحاول - على نحو مروع - حتى تعقب مكان بعض أقاربهم.

وأظهرت وثائق المحكمة أيضاً أن سجله على الإنترنت كشف عن عمليات بحث عن صور فوتوغرافية لفتيات وأطفال صغار، وعن "مواد إباحية سادية تتعلق بالتعذيب".

 

ويشير كولتان سكريفنر إلى أن الحقيقة المتمثلة في أن قاتلاً متسلسلاً مطلوباً يمكن أن يكون "مختبئاً على مرأى من الجميع" ويحافظ على وظيفة مهنية منتظمة، ويعيش - على ما يبدو من الخارج - حياة أسرية طبيعية، إنما تجعل هذه القضية صادمة بشكل إضافي.

ويتابع: "لقد بدا القاتل طبيعياً تماماً إلى حد ما بجميع المقاييس. وهذا جانب يمكن أن يكون في حد ذاته مثيراً للصدمة لأن الناس يعتقدون بأنه ليس لديه أي شيء يشير إلى أنه قاتل متسلسل".

ويردف: "هناك نوع من التساؤل الذي يطرح، وهو: من غيره قد يكون في صدد القيام بذلك، وهو مختبئ على مرأى من الجميع؟".

ويقول سكريفنر إن "وجوده ضمن عائلة هو أمر قد يعتبره الناس مثيراً للاهتمام على الأرجح، لأن هناك أشخاصاً مقربين جداً منه، يفترض أنهم لم يعرفوا بما كان يحدث. فلديه زوجة وابنان - وابنته تعمل معه في الشركة نفسها - وكان حتى يقوم بخداعهم جميعاً. إنه لمن المثير للاهتمام أن يكون شخص قادراً حقاً على إخفاء طبيعته الحقيقية".

القاتل المشتبه فيه تلقى مساعدة لإخفاء جرائمه من جانب مسؤولي إنفاذ القانون الذين أساؤوا إدارة التحقيق على مدى أعوام.

أحد هؤلاء هو جيمس بيرك رئيس شرطة مقاطعة سافولك من عام 2011 إلى عام 2015 الذي منع "مكتب التحقيقات الفيدرالي" FBI من إجراء تحقيقاته، وسجن لاحقاً بتهمة الفساد، بعدما قام بضرب رجل سرق ألعاباً إباحية وجنسية من سيارة الدورية التي كانت معه. كما ظهرت مزاعم بأنه كان يتردد على بائعات الهوى في المنطقة نفسها التي عثر فيها على الضحايا، مما دفع أسلافه إلى دحض أي تلميحات حول تورطه في بعض عمليات القتل.

ثم في ربيع عام 2022، انضم رودني هاريسون مفوض الشرطة المعين حديثاً إلى القضية، وأطلق فرقة جديدة للعمل على حلها بشكل نهائي. وبعد نحو 18 شهراً، بدا أنه وفى بهذا الوعد.

بعد قرابة شهرين فقط من إطلاق فريق العمل، طرأ تطور جديد، عندما أسهمت معلومة أدلى بها أحد الشهود في إرشاد الشرطة إلى سيارة من نوع "شيفروليه أفالانش".

 

وكشفت وثائق المحكمة عن أن الضحية كوستيلو شوهدت آخر مرة على قيد الحياة وهي تقابل عميلاً يقود سيارة تحمل تلك المواصفات. وبعد فترة وجيزة من تلقي تلك المعلومة، أصبح هيرمان مشتبهاً فيه ووضع تحت مراقبة الشرطة.

بعد ذلك، ضيّق المحققون نطاق تركيزهم على المشتبه فيه من خلال ملاحقته وتتبع نمط استخدامه لهاتفه المحمول. وقبل وفاة الضحايا بارثيليمي ووترمان وكوستيلو جرى الاتصال بهنّ من جانب شخص يستخدم هاتفاً جديداً موقتاً ومدفوعاً مقدماً. ويبدو أنه بعد اختفاء كل ضحية، كان القاتل يغيّر هاتفه.

ثم رصدت الهواتف المحمولة التي استخدمها القاتل بواسطة أبراج خليوية في محيط موقعين محددين: مكتب هيرمان في وسط مانهاتن ومنزل عائلته في ماسابيكوا بارك.

وإضافة إلى ذلك، كشفت سجلات الهواتف المحمولة عن أنها كانت موجودة على مقربة من هاتف خليوي آخر، وهو الهاتف الشخصي المسجل لهيرمان، في الموقع ذاته والوقت نفسه.

إلى جانب الأدلة التي جمعت من سجلات الهواتف المحمولة، لعب اختبار الحمض النووي دوراً مهماً في التحقيق، بحيث جاء متطابقاً مع الحمض النووي الذي خلفه القاتل على إحدى الضحايا والذي جرى التعرف إليه من خلال بقايا بيتزا مهملة في مسرح الجريمة.

علاوة على ذلك، كشفت اختبارات الحمض النووي عن أن الشعر الذي عثر على بعض جثث الضحايا يعود لزوجة هيرمان. وفي وقت ارتكبت جرائم القتل الثلاث التي اتهم هيرمان بها، كانت زوجته وأطفاله البالغين خارج المدينة. وقد تقدمت هذا الأسبوع بطلب الطلاق منه، وذلك بعد ستة أيام فقط من إلقاء القبض عليه.

 

لكن القضية لم تنتهِ عند هذا الحد، فقد توسعت الآن إلى ما هو أبعد من شواطئ "غيلغو بيتش" التي لم تكن معروفة في السابق، حيث ما زال المحققون يستكشفون في جميع أنحاء الولايات المتحدة احتمالات أن يكون القاتل المتسلسل المتهم ارتكب جرائم مماثلة في مناطق أبعد من تلك.

وظهرت على الأثر خيوط جديدة. فبعدما تبين أن هيرمان لديه عقارات في كل من لاس فيغاس وساوث كارولاينا، بدأت شرطة مدينة لاس فيغاس تبحث في جرائم قتل غير مبررة، وبعض القضايا المتعلقة بأشخاص مفقودين من أجل تحديد روابط محتملة مع نظيراتها في ولاية نيفادا. وتقوم سلطات ولاية ساوث كارولاينا بجمع الأدلة بناء على طلب مسؤولين في نيويورك.

في غضون ذلك، وبالعودة لشواطئ "غيلغو بيتش" النائية، لا يزال الغموض الذي يحيط بالأحداث لغزاً من دون حل إلى حد ما.

وبينما وجهت إلى هيرمان تهم بقتل ثلاث نساء، مع احتمال توجيه تهمة رابعة إليه قريباً، لا تزال هناك سبع ضحايا تنتظر العدالة.

ولم يقبض على أي شخص في قضية مقتل جيسيكا تايلور التي اختفت في مانهاتن عام 2003، أو في مقتل فاليري ماك التي شوهدت آخر مرة على قيد الحياة في فيلادلفيا عام 2000.

عائلة شانان غيلبرت - المرأة التي قادت مكالمتها اليائسة بالرقم 911 الشرطة إلى اكتشاف مقبرة "غيلغو بيتش" - ما زالت تلاحق الشرطة لدفعها إلى تصنيف وفاتها بشكل رسمي على أنها جريمة قتل.

أما الضحايا الآخرون - وهم امرأتان ورجل آسيوي وطفلة تبلغ من العمر سنتين - فما زالوا مجهولي الهوية.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات