ملخص
في الربع الثاني من هذا العالم لم ينمُ الناتج المحلي الإجمالي الصيني سوى بنسبة 0.8 في المئة
تمارس السلطات الصينية الرسمية ضغطاً على الاقتصاديين والمحللين في الشركات المالية بالسوق لتفادي المناقشة العلنية لأمور سلبية تتعلق بالوضع في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في ظل تراجع تشهده القطاعات المختلفة.
نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن سبعة من الاقتصاديين المرموقين قولهم إن من يعملون لديهم أبلغوهم أن هناك موضوعات غير مسموح بمناقشتها علناً، كما ذكر عدد من الباحثين والعاملين في شركات سمسرة واقتصاديين في جامعات ومراكز أبحاث اقتصادية رسمية عدة أنهم تلقوا تعليمات من السلطات الرسمية بعدم الحديث عن هرب رؤوس الموال مع وسائل الإعلام.
وكانت لجنة الأوراق المالية، السلطة الرسمية لتنظيم السوق في الصين، قد انتقدت المحللين واتهمتهم "بتضخيم الأخطار التي يواجهها الاقتصاد"، في ظل معاناته من ضعف الطلب الاستهلاكي وتراجع الصادرات ومشكلات في القطاع العقاري.
وقال عدد من الاقتصاديين، ويعمل بعضهم مستشارين للحكومة إلى جانب عملهم الأكاديمي والبحثي، إن هناك ضغطاً من أجل تقديم صورة إيجابية عن الوضع الاقتصادي لزيادة ثقة الجماهير في السياسة الاقتصادية.
وقال أحد المستشارين لبنك الشعب (المركزي الصيني)، "لا تريد السلطات أن تسمع تعليقات سلبية عن الاقتصاد بشكل علني. ويريدون منا أن نفسر الأخبار السلبية بطريقة إيجابية".
رقابة ذاتية
يقول المحللون إن هناك توجهاً الآن لزيادة الرقابة الذاتية من قبل المهنيين في مجال البحوث الاقتصادية والذين يعتمد المستثمرون على بحوثهم في سوق لا تتوفر فيها المعلومات الدقيقة بسهولة، ويشير هؤلاء إلى أن تلك الرقابة الذاتية هي نتيجة جهود السلطات للتحكم في انسياب المعلومات.
يقول المدير العام لشركة "أورينت كابيتال ريسيرش" في هونغ كونغ أندرو كوليير "لدينا الآن تباطؤ اقتصادي يقلق أي حكومة، ذلك مع بلد مثل الصين يفضل دائماً أن يقدم للعالم صورة إيجابية، إضافة إلى قيادة مهتمة جداً بصورتها العامة. فإذا أخذنا العوامل الثلاثة معاً نرى أنها أفضل وصفة لاقتصاد غير شفاف على الإطلاق".
وتأتي الضغوط على الاقتصاديين والمحللين بعد سلسلة من البيانات والأرقام المحبطة التي أضرت بثقة المستثمرين في الاقتصاد الصيني، وأثرت سلباً على جهود الحكومة لدفع الاقتصاد نحو انتعاش بعد إلغاء كل قيود الإغلاق التي سادت في فترة وباء كورونا.
وفي الربع الثاني من هذا العالم لم ينمُ الناتج المحلي الإجمالي الصيني سوى بنسبة 0.8 في المئة عن الربع الأول من العام، واعترف المكتب السياسية للحزب الشيوعي الحاكم الشهر الماضي بأن التعافي الاقتصادي "يتحرك ببطء السلحفاة".
لكن مع محاولة السلطات الصينية استعادة الثقة في الاقتصاد من خلال حمة تنشيط محدودة من قبل الحكومة، أصبحت بعض الموضوعات محظورة على النقاش العام مثل تراجع الأسعار نتيجة انهيار الطلب في الاقتصاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل مؤشر أسعار المنتجين في الاقتصاد الصيني التراجع للشهر الثامن على التوالي منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بينما انخفض التضخم الاستهلاكي لأدنى مستوى له خلال عامين في يونيو (حزيران) الماضي.
ويرى المحللون في مجموعة "سيتي غروب" أن أسعار السلع الأساسية، باستثناء الطاقة والغذاء، دخلت بالفعل "مرحلة الانكماش" بسبب ضعف الطلب في الاقتصاد.
نفي حكومي
المسؤولون في مكتب الإحصاء الرسمي والبنك المركزي يستبعدون تماماً احتمال انكماش الأسعار. وقال المتحدث باسم مكتب الإحصاء الوطني فو لينغوي، الشهر الماضي، "لا يوجد انكماش أسعار في الصين، وهذا أمر لن يحدث في اقتصادنا".
ولم تعد وسائل الإعلام الصينية تبث أي شيء يتعلق بانكماش الأسعار. ويقول اقتصادي في مؤسسة مالية كبرى بشنغهاي إن شبكات التلفزيون الصينية لم تعد تبث سوى الأخبار الإيجابية. ويضيف "لم تكن هناك مشكلة في الحديث عن انكماش الأسعار أو الأخطار الاقتصادية الأخرى العام الماضي. إلا أن مثل هذه التعليقات لم تعد تبث الآن على الإطلاق حتى لو تحدثت عنها في مقابلة مسجلة مسبقاً".
مع ذلك، بحسب ما يذكر تقرير "فايننشال تايمز" فإن عديداً من الاقتصاديين حتى من هم مع الحكومة يتحدثون في المناقشات الخاصة غير العلنية عن تشككهم في سياسة الحزب الحاكم الاقتصادية. وبعد الإعلان عن الأرقام الرسمية لأداء الاقتصاد في الربع الثاني قال كبير الاقتصاديين للهيئة العامة للاستعلامات سابقاً فان جيانبينغ، في مؤتمر مغلق مقصور على الحضور، إنه لا يثق في الأرقام الرسمية المعلنة. وحذر جيانبينغ من أن الصين تتجه نحو انكماش الأسعار.