ملخص
يثير موضوع الأزياء التقليدية السعودية السجال بين السعوديين حول أصالته ومدى انتمائه إلى منطقة معينة
تعتبر الأزياء مرآة عاكسة لثقافة الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم التي تكونت على مدى الزمن، وانتقلت من جيل إلى آخر وفق القيم الثقافية والنظم الاجتماعية، فالسعودية تزخر بعديد من الثقافات والتقاليد المختلفة، ويعود ذلك إلى اتساع رقعتها الجغرافية، وتنوع بيئتها المناخية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، مما أثر في أزياء سكانها سواء في تصاميمها أم ألوانها.
ويثير موضوع الأزياء التقليدية السعودية السجال بين السعوديين حول أصالته ومدى انتمائه إلى منطقة معينة، ويعود ذلك لغياب توثيق الأزياء التراثية على نحو رسمي لمدة زمنية طويلة، وأصبح الاعتماد الكلي على ذاكرة كبار السن ومراجع الخبراء، إلى حين تأسيس هيئة الأزياء التابعة لوزارة الثقافة، وذلك في فبراير (شباط) 2020 التي قامت على مبادرة توثيق الأزياء السعودية التقليدية بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز المختصة بتوثيق التراث الوطني بجميع مجالاته.
ومن ضمن هؤلاء الخبراء الأكاديمية ليلى البسام التي بدأت رحلتها مع الأزياء التقليدية التراثية من الطفولة، ويعود ذلك لاهتمام والدتها بالملابس والخياطة والتطريز، ودفعها شغفها إلى تغيير دراستها الجامعية من مجال الطب والاتجاه لمجال الاقتصاد المنزلي والتربية الفنية لتبدأ معها رحلة في عالم الأزياء التقليدية.
هنا كانت البداية
تروي ليلى البسام بداية مشاركتها في توثيق الأزياء التراثية في حوارها مع "اندبندنت عربية"، إذ سنحت لها الفرصة بعد الانتهاء من مرحلة البكالوريوس في اختيار بحث الماجستير بموضوع "الأزياء التقليدية في منطقة نجد"، وهنا كانت البداية ومن خلالها استكملت أستاذة تاريخ الأزياء والمنسوجات التقليدية أبحاث الترقية إلى درجة أستاذ مشارك، وتتابع البسام "استطعت من خلال الإشراف على طالباتي في الماجستير والدكتوراه أن أكمل البحث والتقصي عن الأزياء التقليدية سواء النسائية أم الرجالية في جميع مناطق السعودية، وبهذا الشكل أصبح لدينا تسجيل كامل وتوثيق جميع أنواع الأزياء التقليدية في مختلف مناطق البلاد".
أزياء مزخرفة للمرأة
وتوضح البسام أنه كان بالإمكان تمييز منطقة المرأة في السعودية بقولها "نجد التنوع في المناطق المختلفة نتج من مهارة المرأة في زخرفة وتجميل ملابسها، حتى نستطيع أن نميز المنطقة التي تنتمي إليها المرأة، بل حتى نستطيع أن نميز قبيلتها وبسهولة من زخرفتها، أما الفترات الأخيرة فأصاب التطريز والزخرفة نوعاً من التغيير بسبب التجارة مع بلدان أخرى"، وتستطرد البسام "تتميز كل قبيلة بألوانها مثل قبيلة بني مالك واستخدامها للون الأصفر، وقبيلة بني سعد استخدمت اللون الأحمر مع زخارف نباتية، وفي منطقة عسير كذلك استوحت زخارف من النباتات، وعند قبائل ثقيف يستخدمون أسلوباً نادراً جداً لا يوجد في أية منطقة أخرى وهو الصباغة بطريقة ’العقد‘ أو Tie and Dye بالإنجليزي، بحيث إنها تربط العقد على القماش أو الثوب وهو من اللون الأبيض، وتصبغه بصبغة النيلة وتجف بعدها تفكك الربطات، وتنتج منها زخارف معينة يسمونها المحمل أو المرش".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غطاء الرأس
واستكملت الأكاديمية والمؤرخة التراثية قائلة "المرأة السعودية في جميع المناطق والأوقات كانت تغطي رأسها، لكن أغطية الرأس اختلفت من منطقة إلى أخرى"، موضحة الاختلافات "المنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية لديها ’الشيلة‘ أو ’الغدفة‘ أو ’المسفع‘، وهو من اللون الأسود، وهو الأساس في غطاء الرأس حيث إنه يلف حول الوجه، ويغطي الظهر والأكتاف وينزل على الصدر"، وتتابع "وتضاف له في بعض المناطق مثل المنطقة الشمالية العصابة، وللمنطقة الجنوبية كان غطاء الرأس عبارة عن منديل وفوق المنديل توضع الشيلة"، أما بالنسبة إلى المنطقة الغربية "عند الحضر فكانت تغطي رأسها بطبقات عدة فوق بعضها بعضاً، هي شمبر ومحرم ومدوره، وعند القبائل كانت ترتدي طبقات عدة مثل القرقوش والمسفع والمنقب".
دلالات اجتماعية
وتوضح البسام أنه كانت هناك دلالات للحالة الاجتماعية تظهر من خلال أسلوب لبس المرأة "في منطقة الجنوب المنديل الأصفر كانت ترتديه البنت قبل الزواج، وعليه ترتدي الطفشة أو القبعة المصنوعة من الخوص للمزارع أو الأسواق حتى تحميها من حرارة الشمس، أما المتزوجة فترتدي فوق المنديل نفسه الشيلة، وكانت من أهم أنواعها الشيلة المريشة وهي ذات أهداب من الخيوط الحريرية الملونة".
البرقع الأسود انتشر في البادية
وتتابع البسام "بعض القبائل كان لا يكتفي بغطاء الرأس عند الخروج بل بارتداء البرقع، وانحصر البرقع في قبائل الحجاز مثل قبيلة حرب وقبيلة سليم التي ارتدت البرقع من اللون الأحمر مضيفة إليه كثيراً من الزخارف والزينة سواء من العملة وأشرطة التلي أم الأهداب أم خيوط الحرير أو القواقع والودع، فكان مزخرفاً بطريقة كبيرة، ونجد أن الطول يختلف من قبيلة إلى أخرى"، وأكثر ما انتشر البرقع الأسود لدى القبائل التي عاشت في الصحراء "وقد يكون مفيداً جداً للمرأة، إذ إنه يحمي وجهها من حرارة الشمس والعواصف الترابية، وفي الوقت نفسه يوفر لها الفتحات التي تسمح لها بالرؤية".
كنز حصين
وتعتبر البسام أن المرأة قديماً تمثل الكنز لعائلتها "المرأة السعودية باستمرار تحب أن تتزين بالحلي بجميع أشكالها، إنها تحصل على كمية كبيرة من الذهب والحلي بمناسبة الزواج، وهذه الحلي تعتبر رصيداً تستفيد منه العائلة عند الحاجة، فكانت الحلي تبدأ من الرأس إلى أخمص القدم، ففي حلي الرأس ترتدي الهامة والحلاق والمعاني بالنسبة إلى الوسطى تقريباً والشرقية والشمالية، كذلك الخماخم أو الخروص (التي يقصد بها الحلق)، وترتدي الزمام في الأنف وله مسميات وأشكال عدة، كما ترتدي على الصدر الخناقة واللبة الرشرش، وفي اليدين ترتدي الغوايش أو (الأساور) بجميع أشكالها، وترتدي المعضد وفي الأصابع العشرة الخواتم بأشكالها، ونجد أنها تستعمل الأحجار الكريمة من الفيروز واللؤلؤ لتزيين هذه الحلي، وترتدي على الوسط الحزام أحياناً من الجنيهات الذهب، كما ترتدي الحجل أو الخلخال على أسفل القدم وأحياناً ترتدي الخواتم في أصابع القدم".
تطور الثوب
أما من ناحية تصاميم الثوب التقليدي فأشارت البسام إلى أن "الثوب الرجالي تطور من ثوب بسيط من قماش الخام أو قماش القطن الأبيض، وكان واسعاً له أكمام ومن دون ياقة وله مخبأة داخلية، إلى أن أصبحت له أزرار وصارت له ياقة عالية، إضافة إلى المخبآت التي كانت توجد في يسار الصدر مخبآت الساعة".
أما بالنسبة إلى الأكمام فاستخدم لها "الكبك"، وتعتقد البسام أن "الكبك" والياقة قد يكونان مأخوذين من القميص الإفرنجي، ونلاحظ عودة قوية للثوب من دون "كبك"، وبحسب وصفها قد يكون مريحاً أكثر ومناسباً للجو الحار.
واستطردت البسام "الإضافات الحديثة من بعض المصممين لم تلق الرواج بين الرجال بكثرة والالتزام بالثوب التقليدي بشكله البسيط من دون أية إضافات هو العام، ولكن نجد أن بعض المصممين قدموا بعض الإضافات من التطريز أو وجود بطانة مقلمة داخل الياقة أو الكبك، وجود السحاب بدل الأزرار، فنجد بعض اللمسات الفنية والتصميمات المطورة لهذا الثوب، لكن الإقبال عليه ليس كبيراً، الثوب المقبول أكثر هو الثوب الأساسي من دون أية إضافات أو تطريز أو زخرفة".
البشت
واستطردت خبيرة الأزياء السعودية في ما يخص أزياء الرجل وانتقلت إلى البشت، وهو زي تراثي قديم تميزت به السعودية وبالذات منطقة الأحساء (المنطقة الشرقية)، "كان الرجل في الماضي يرتدي البشت في المناسبات جميعها وفي الأوقات كلها، ولا يظهر إلا ومعه بشته سواء على أكتافه أم حاملاً له في يده أو أحياناً يكون معه في السيارة، في الفترة الأخيرة نجد أن البشت أصبح فقط للمناسبات الرسمية والدينية مثل الأعياد أو في مناسبات الزواج".
العقال من عقال الإبل
تعتقد البسام أن بداية العقال الذي يرتديه الرجل قد تكون من عقال الناقة، وعقال الناقة هو حبل مبروم من الوبر أو الصوف، تعقل به إحدى قوائم الإبل، "وجرب رجل بالصدفة عقال الناقة على رأسه فوجد أنه يثبت الغترة، وقبل العقال كان يربط الرجل على رأسه عمامة من القماش لتثبيت الغترة، واستمدت ألوان العقال من صوف الحيوانات المتوفر في البيئة، إما أسود أو أبيض حتى ساد الأسود، واستمر وانتشر أكثر إلى وقتنا الحالي"، وفي ما يخص "العقال المقصب" تصفه البسام بالعقال الفخم ويتميز عن العقال العادي بالخيوط الذهبية، ويرتدي هذا النوع من العقال المشايخ وشيوخ القبائل والأمراء والملوك.
وحصلت الأكاديمية ليلى البسام على وسام الملك خالد من الدرجة الثالثة عام 2019 لتميزها في مجال خدمة التراث الوطني، إضافة إلى أنها حصلت على جائزة ومنحة الملك سلمان بن عبدالعزيز التقديرية للمميزين في دراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية لجهودها في توثيق الأزياء التقليدية السعودية من خلال الدراسات الأكاديمية الميدانية 2012.