"ما هقيت أن البراقع يفتتني"، هكذا تغنّى السعوديون لعقود مع مطربهم الأشهر محمد عبده، ثم ظلت البراقع بين حين وآخر تثير النقاش والسجال الساخر والحاد، بحسب السياق وأطراف الحوار.
لم يختلف الماضي كثيراً عن الحاضر في هذه الجزئية، فما إن نشرت السعودية أخيراً قائمة بأزياء سكانها قبل 3 قرون في سياق احتفالات "يوم التأسيس" الذي يوافق 22 فبراير (شباط) من كل عام، حتى احتل "البرقع" الصدارة في ملابس النساء، وتهافتت السعوديات على شرائه، وتصويره وعرضه على صوت الفنان محمد عبده متغنياً بـه "لين شفت ظبي النفود مبرقعات"، مما خلق جدلاً كبيراً حول تاريخ "البرقع" في السعودية، وهل كان ضمن الزي التقليدي لجميع القبائل والمناطق السعودية أم لا؟
وعلى الرغم من أن دليل "يوم التأسيس" لم يورد البرقع بتسمياته المختلفة مثل النقاب والخمار، إلا في زي منطقة واحدة فقط من مناطق السعودية هي "الوسطى"، فإن الإقبال الكبير على شرائه والترويج له صار لافتاً، مما أثار التكهنات حول الأسباب التي تقف وراء البحث المتزايد، هل هو عفوي أم مدفوع بإملاءات تيارات محافظة في المجتمع، أم إنه بحث عن الإثارة وغرائب الأشياء، وسط عالم السوشيال ميديا الذي يتبارى فيه المصورون حول ما يثير تفاعل الجمهور من مقاطع ومشاهد، خصوصاً في حالة فنانات عربيات مشهورات قمن بلبس البرقع والأزياء التقليدية السعودية مجاراة للهبة الجديدة.
خلط بين البرقع السعودي والمصري
واعتبرت المهتمة بتاريخ التراث ريم البسام أن الاهتمام بالتراث وإحياء لباسنا التقليدي جميل، ولكن "يجب معرفة أن كثيراً من أشكال البراقع التي ظهرت حالياً لا تنتمي للجزيرة العربية".
وقالت المهتمة بهوية الحجاز "ربى القرشية"، إن تراثنا السعودي واسع ومتنوع "مما يصعب معه الإلمام به كله، ولكن جهلك بالشيء لا يعني عدم وجوده، والأسوأ أن تجحده وتنسب تراثنا لغيرنا، بينما العالم يحافظ على تراثه ويريه العالم بفخر، نحن نجحد تراثنا وننسبه لغيرنا"، مؤكدة أن ما يحدث حالياً هو "الخلط بين البرقع الحجازي والمصري، فالحجازي مكون من قطع ذهب تخلو من القماش وترتديه نساء الأشراف في مكة، ويقدم كمهر لبعض نساء الطائف، أما البرقع المصري والمتداول حالياً بشدة بعد الإعلان عن لبس ملابسنا التراثية فهو قماش أسود به جنيهات". بينما ترى عضو الشورى الدكتورة مها السنان المهتمة بالشأن الثقافي، أن تحديث التراث أو عصرنته أصبح واقعاً لدى الشباب اليوم في ظل بحثهم عن هويتهم ضمن إطار يناسب المتغيرات المتسارعة في العالم، وضمن عصر أصبح العالم فيه فعلاً صغير "لذا نشهد بين فترة وأخرى، وخصوصاً ضمن مواسم أو احتفالات معينة كاليوم الوطني ومهرجان الجنادرية التراثي، الحداثة في شكل مختلف، كتعبير من جيل الشباب عن رغبتهم في تطوير تراثهم".
وفي سياق توثيق مرحلة ما قبل شيوع النقاب أو البرقع بين كل مناطق السعودي يقول عضو الشورى السابق المؤرخ محمد آل زلفة، "أتذكر أمي وزوجتي قبل أن أتزوجها وكل أخواتي وكل بنات منطقة عسير من جنوب الطائف إلى حدودنا الجنوبية بلا غطاء على الوجه ولا نقاب".
ولفت إلى أن هناك خلطاً بين البرقع التقليدي، والنقاب الذي فرض على أنه عبادة في الآونة الأخيرة، حيث كان البرقع عادة لدى بعض القبائل في المنطقة الوسطى كلبس تقليدي فقط، إلا أن الحشمة والأصالة والحياء كانت شأن جميع النساء في ذلك العهد بلا ريب.
أسعار خيالية
عودةً إلى "يوم التأسيس" في السعودية، فإنه ما إن أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في البلاد تركي آل الشيخ، في تغريدة على حسابه في "تويتر"، أن في 22 فبراير يكون الدخول مجانياً لمناطق الفعاليات لكل شخص يلبس لبس يوم التأسيس، حتى ظهر الترويج للبرقع وبيعه من بعض الحسابات بأسعار فلكية، وبدأت بعض التطبيقات تعج به، وقام أحد الحسابات بعرض برقع تزعم أن عمره يصل إلى 200 سنة، وبطرحه في المزاد بلغ سعر بيعه 20 ألف ريال.
وكان دليل أزياء "يوم التأسيس" قد تناول ملابس كل منطقة في السعودية، مثل لباس المنطقة الوسطى (الرياض والقصيم) الذي كان على ثلاثة أشكال، الأول للرجال "عقال، غترة، دقلة، والثاني: عقال، غترة، المردون، خنجر، ثوب، والثالث: عقال، غترة، دقلة، محزم، ثوب، أما ملابس النساء فالأول: برقع، شيلة، مقطع، حزام، والثاني: هامة، بشت، كرته، شنطة، والثالث: بخنق".
ويتألف زي المنطقة الشمالية من شكلين من اللباس "الأول للرجال: عقال، شماغ، دقلة، والثاني: عقال، غترة، دقلة، أما ملابس النساء فالأول: شيلة، المحوثل، والثاني: المحوثل"، وفي المنطقة الجنوبية أيضاً شكلان من اللباس، "الأول للرجال يتكون من الصمادة، الجبة، محزم، خنجر، والثاني: الشبلة، الجبة، أما ملابس النساء فالأول: شيلة، السدرة، والثاني: شيلة، السدرة".
ويضم زي المنطقة الشرقية شكلين من اللباس "الأول للرجال عقال، غترة، البشت، والثاني: عقال، غترة، البشت، أما ملابس النساء فالأول: شيلة، النشل، والثاني: النشل، فيما يتمثل زي المنطقة الغربية في شكلين من اللباس، الأول للرجال: عقال، شماغ، الصديري، ثوب، والثاني: عقال، شماغ، الصديري، ثوب، أما النساء فالأول: شيلة، المسدح، والثاني: شيلة، المسدح".
ويختلف يوم التأسيس السعودي عن اليوم الوطني، ليس في الزي فقط، إذ يرمز يوم التأسيس الذي يعود إلى عام 1727م حين أنشأ الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى بعد توليه إمارة الدرعية.
عمل فني لتتويج "مسيرة البداية"
أما اليوم الوطني للسعودية فهو 23 سبتمبر من كل عام، إذ أعلن في سنة 1932م توحيد جميع أنحاء البلاد وأجزائها تحت راية واحدة، وأصبح اسمها المملكة العربية السعودية، وذلك على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، الذي يتحدر من سلالة مؤسس الدولة السعودية الأولى، التي بدأ الاحتفال بيوم تأسيسها هذا العام للمرة الأولى.
وأعلنت الرياض عن إقامة تظاهرة فنية بعنوان "مسيرة البداية" يشارك فيها 3500 فنان وممثل ومؤد، يقدمون لوحات بانورامية تحاكي تاريخ الدولة السعودية على مدى ثلاثة قرون، ومشاهد استعراضية مختلفة، وذلك ضمن فعاليات احتفال المملكة العربية السعودية بذكرى يوم التأسيس.
ويتخلل التظاهرة الفنية الضخمة، عرض لملحمة شعرية في المنطقة تبرز أبياتها مسيرة الدولة السعودية وامتدادها الطويل منذ أكثر من 3 قرون، وما سطرته من أحداث أكدت تماسك صف الدولة السعودية حتى وقتنا الحاضر، وذلك عبر 10 مشاهد مستلهمة من مراحل الدولة السعودية يتغنى بها كبار الفنانين السعوديين، بمشاركة عروض مسرحية فنية للخيل العربية الأصيلة، ولوحات تصف الوجود الإنساني خلال الدولة السعودية الممتد إلى يومنا هذا.
وستقام المسيرة في "وادي نمار"، أحد أبرز المعالم السياحية جنوب مدينة الرياض بطول يصل إلى أكثر من 2 كلم، وسط مظاهر احتفالية، وجمال أشجار النخيل، وخرير المياه المعروف بها وادي نمار، ليستمتع الزوار باللوحات الإبداعية مع لوحات الطبيعية التي تنعش الأنفاس في الوادي.