هل صحيح ما أشار إليه دومينيك كامينغز، المستشار الخاص لرئيس الوزراء، بأن الوقت بات متأخراً للغاية لمنع الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، حتى من خلال التصويت على سحب الثقة من الحكومة البريطانية وإجراء انتخابات عامة؟
هذا ليس صحيحاً بالضرورة. فكما فعل البرلمان من قبل، حين سيطر النواب على الأجندة البرلمانية، وكمنوا لجاكوب ريز-موغ، فإنهم سيتمكنون من تمرير قانون، وليس مجرد اقتراحات أو ما شابهها، يحظّر وبشكل فعّال الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ولن تكون هناك ضرورة لاجراء انتخابات عامة في حالة كهذه.
ستكون مهمة عسيرة، فالفرصة لتحقيق هذا الهدف محدودة الأجل إذ تبدأ من يوم 5 سبتمبر (أيلول) المقبل وحتى يوم تنفيذ بريكست المفترض في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، لكنها مع ذلك ممكنة، على الاقل. كذلك فإن ثمة خيارات أخرى قد تساعد على تحقيق الهدف نفسه، منها إلغاء المادة 50، أو طلب تمديد آخر (قد يقبل الاتحاد الأوروبي بمنحه أو لا يقبل، بشروط أو بدون شروط)، أو تنظيم استفتاء ثان، أو ربما إعادة طرح مشروع صفقة تيريزا ماي للتصويت عليه في البرلمان للمرة الرابعة.
وإذا طرح جيرمي كوربين زعيم المعارضة، كما هو مرجح، حجب الثقة عن الحكومة على التصويت في أوائل سبتمبر المقبل، فإنه سيحتاج إلى تأييد الأحزاب الأخرى لضمان الفوز على الحكومة، التي يدعمها "الحزب الاتحادي الديمقراطي" الآيرلندي الشمالي. سيكون هناك متغيبون ومتمردون بين صفوف الطرفين المتواجهين، وستكون نتيجة التصويت على الأرجح متقاربة جدا.
وإذا حُجبت الثقة فعلا عن الحكومة فلن يؤدي ذلك مباشرة إلى إجراء انتخابات عامة، كما كان يحصل في حالة كهذه قبل صدور قانون البرلمانات المحددة الأجل لعام 2011، بل ستعقب التصويت فترة أقصاها 14 يوما، يجب أن تُشكل خلالها حكومة بديلة تكون في وضع يمكنها من كسب ثقة البرلمان. وقد لا يرأس كوربين هذه الحكومة التي يمكن أن تُصمّم كحكومة وحدة وطنية.
وستضمّ هذه الحكومة ممثلين عن حزب العمال، والديمقراطيين الأحرار، وحزب "بلايد كامري " الويلزي، والخضر، والمستقلين، و"المجموعة المستقلة" أو "حزب غيّروا المملكة المتحدة"، إضافة إلى محافظين منشقين. أما بالنسبة الى الشخص الذي سيرأس هذه الحكومة، فستكون هناك حاجة إلى وجه عمالي بديل، مثل مارغريت بيكيت أو كير ستارمر أو ايفيت كوبر؛ أو إلى عضو من حزب المحافظين يحظى بقبول أكبر لدى الجميع، مثل فيليب هاموند أو ديفيد ليدنغتون. ستواجه هذه الخيارات معارضة وصعوبات عدة على كل المستويات، وليس من المرجح أن تكون حكومة كهذه "قوية ومستقرة". بيد أنها مع ذلك ستنجح إذا كان عملها الوحيد هو تنظيم استفتاء ثانٍ.
غير أنه حتى لو توفرت إمكانية تشكيل حكومة بديلة تشارك فيها مختلف الأحزاب، لن يُضطر جونسون إلى الاستقالة خلال فترة الأربعة عشر يوما كلها. وبإمكانه أن يقيم في مقر رئاسة الحكومة في10 داوننغ ستريت قسرا، مع وجود احتمال بإجباره دستوريا أو سياسيا على الاستقالة، خصوصا إذا ارتأى القصر الملكي أنه يُحرج الملكة ويجرها إلى حلبة السياسة، على الرغم من أن التعبير عن موقف كهذا هو في حد ذاته فعل سياسي.
ينبغي إجراء الانتخابات بعد انقضاء مهلة الـ 14 يوماً، لكن متى؟ قد تُجرى قبل حلول موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي بفترة قصيرة، مثل يوم 17 أكتوبر. هذا سيعتمد بالدرجة الأولى على مفوضية الانتخابات نفسها، لكن أياً من الأحزاب قد لايفوز بالاغلبية بنتائج هذه الانتخابات، الأمر الذي سيجعل البرلمان الجديد معلقاً لايملك حزب واحد القدرة على قيادته كالبرلمان الحالي، مع فوز الأحزاب الأحزاب الصغيرة بعدد أكبر من المقاعد. وستكون هذه الانتخابات بشكل او آخر استفتاء ثانياً غير رسمي على بريكست. هكذا، قد لاتؤدي انتخابات كهذه إلى تذليل اي من الصعوبات التي تمنع البرلمان الحالي من اتخاذ القرار بشأن اي شيء أو بتشكيل حكومة ائتلافية مستقرة
إذن سيبقى جونسون رئيساً للحكومة بعد انتخابات أخرى غير حاسمة، وربما سيتشبث بمنصبه لرؤية ما إذا كان بإمكانه الاستمرار فيه، مثلما حاول من قبله غوردون براون عام 2010 وتيد هيث عام 1974.
ثمة احتمال آخر وهو إجراء الانتخابات بعد يوم الخروج من الاتحاد الأوروبي. فالقانون ينصّ فقط على أن الحد الأدنى للفترة الفاصلة بين حل الحكومة ويوم الانتخابات هو 25 يوماً، من دون أن يذكر كم يجب أن يكون طول هذه الفترة بالضبط. وعادةً، تُنظَّم الانتخابات في أحد أيام الخميس. ستكون هناك حاجة إلى فترة "تنظيف وترتيب" لإنهاء آثار البرلمان الحالي. لكن قد يقع الاختيار على يوم بعيد لإجراء الانتخابات، والمهم فيه أنه سيأتي بعد يوم 31 أكتوبر. ولن تكون الانتخابات متأخرة بصورة استثنائية إذا أجريت في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
فمثلاً في عام 2017، دعت تيريزا ماي في 18 أبريل (نيسان) إلى الانتخابات، لكن الحملة الانتخابية استمرت حتى يوم الاقتراع المصادف 8 يونيو(حزيران). ومن الناحية العملية، ليس هناك حدود لمدة الحملة الانتخابية؛ لكن هناك حدا لصبر الشعب.
علاوة على ذلك، فإن إجراء انتخابات عامة في ظروف كهذه، فيما يدير الوزراء حكومة تصريف أعمال، قد يكون غير صائب سياسيا ودستوريا، أو حتى مستحيلا، إلا أنه ليس بالضرورة غير شرعي. يمكن للمحكمة العليا أن تبتّ بهذه الإشكالات، على الرغم من أنها لا تتحرك عادةً بشكل سريع، لكن ذلك سيكون أفضل من توريط الملكة بالسياسة؛ وقد يتطلب الأمر تمديداً خاصاً للمادة 50 لهدف وحيد وهو حل هذه التعقيدات.
يمكن القول إن دعوة مبكرة لانعقاد البرلمان ستسمح بتوفير وقت كاف للتفكير والتأمل خلال الصيف، بيد أن اتخاذ قرار بذلك هو حصراً من شأن رئيس الوزراء، وهو على الأرجح لن يستخدم صلاحياته لتقديم موعد التئام البرلمان.
من ناحية أخرى، سبق للبرلمان أن عدّل قانونا حول إيرلندا الشمالية، يمنع رئيس الوزراء من تجميده من الآن وحتى 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وبذلك حرم النواب جونسون من أحد الخيارات التي كانت ستتيح له تنفيذ بريكست في موعده المحدّد.
مرت البلاد بتجارب مماثلة في الماضي، مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية عام 1931، وحكومات إئتلافية خلال فترات الحروب في أعوام 1915 و1916 و1940، وتأليف المحافظين حكومة تصريف الأعمال في 1945، وغيرها. لكن الوضع القائم حاليا مختلف. وكما هو الأمر في حالات كثيرة منذ استفتاء 2016، ناهيك عن الاستفتاء نفسه، ظل النظام السياسي البريطاني يحاول الإبحار في مسار محفوف بالمخاطر من دون خريطة طريق، ومن دون بوصلة، وربما يبحث في الوقت نفسه عن قبطان جديد.
© The Independent