ملخص
ارتفاع نسبة الأمية في تونس إلى مليونين، منهم مليون شخص خلال العشرية الأخيرة أغلبهم من المنقطعين عن الدراسة
كشف وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي في جلسة استماع بمجلس النواب قبل أيام، عن أن عدد الأميين ارتفع إلى مليوني تونسي، منهم مليون شخص خلال العشرية الأخيرة. وبحسب إحصاءات المركز الوطني لتعليم الكبار، بلغت نسبة الأمية في تونس حوالى 17.9 في المئة.
حصيلة وصفها خبراء في الشأن التربوي بـ"الكارثية" وأرجع بعضاً منهم تضخم هذه النسبة إلى الوضع السياسي المتأزم طوال السنوات العشر الأخيرة، وما عرفته المنظومة التعليمية في تونس من تراجع على أصعد عدة أيضاً، ويرى خبراء في علم الاجتماع أن تفاقم الفقر في مناطق داخلية عدة أسهم في ارتفاع عدد الأميين.
ويشار إلى أن التعليم في تونس مجاني في كل المستويات وإجباري للأطفال من السن السادسة حتى الـ16 وفق قانون 1956، الذي يضمن حق التعليم ومجانيته. وتخصص الدولة التونسية سنوياً من الموازنة العامة ما نسبته 20 في المئة للقطاع التعليمي، توزع بمعظمها كأجور للعاملين في قطاع التربية والتعليم.
التعليم مدى الحياة
ولمحاربة هذه الظاهرة أطلقت الدولة مشروع "التعلم مدى الحياة" من أجل القضاء على الأمية، وقال المستشار المكلف بهذا الملف في وزارة الشؤون الاجتماعية خليل عباس في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إن التوجه العام لمكافحة هذه الظاهرة التحول من برنامج تعليم الكبار إلى التعلم مدى الحياة. وأفاد عباس بأن "البرنامج انطلق منذ أشهر، وهو عبارة عن مراجعة شاملة لكل البرامج السابقة"، ولفت إلى أن "عدد المسجلين في المركز حالياً يبلغ 20 ألفاً وهو عدد ضئيل جداً مقارنة بالسابق، إذ كان يبلغ حوالى 200 ألف متعلم منتفع ببرنامج محو الأمية قبل عام 2011".
وأضاف أن "الحكومات المتعاقبة بعد الانتفاضة ضحت ببرامج عدة منها برنامح تعليم الكبار، من خلال التقليص من موازنته ثلاثة أضعاف".
وبالتالي وبحسب تصريح ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية، "كان من الضروري إرجاع هذا الملف إلى صدارة الأولويات"، فدولة بمليوني أمي لا تستطيع النهوض لا فكرياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً، بحسب تعبيره.
وعرف مستشار الوزير "الأمي" بالذي يجهل القراءة والكتابة والحساب، وأيضاً من لا يستطيع توظيف هذه المعارف إن وجدت.
وواصل "قبل الانتفاضة كان لدينا حوالى مليون أمي أغلبهم من كبار السن، لكن خلال العشرية الأخيرة، وهنا الخطورة إذ التحق الوافدون الجدد بصفوف الأمية وهم المنقطعون عن الدراسة، وتونس تخسر نحو 120 ألف منقطع سنوياً ونسبة استقطابهم مجدداً ضئيلة جداً".
من جانب آخر أضاف "اليوم يوجد حوالى ألف مدرس، جزء منهم موظفون ثابتون وبعضهم الآخر متعاقدون، وهذا إرث 10 سنوات"، موضحاً أن "برنامج تعليم الكبار كان قائماً على مبدأ التعاقد مع أصحاب الشهادات العلمية القريبة من هذا الاختصاص، وهذه الوضعية الهشة التي بقيت لسنوات لا يمكن أن تستمر"، مؤكداً أن هذا يتطلب قراراً سياسياً وحكومياً لتحسين أوضاع هؤلاء المدرسين، فلا يمكن محاربة الأمية من دون تسوية وضعية المدرسين في العمل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإضافة إلى فئة المنقطعين عن الدراسة، تعمل وزارة الشؤون الداخلية على إدماج الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لم يستطيعوا الدخول إلى المدارس.
وبين المسؤول أن هدفهم الوصول من 20 ألف منتفع من برنامج محو الأمية إلى 100 ألف خلال سنة، وبالتالي تنخفض نسبة الأمية إلى أقل من 10 في المئة خلال خمس سنوات. ويقول عباس "وضعنا تصوراً لتنفيذ ما أسميناه خطة انتقالية، وإن تلقينا دعماً أكبر سيكون النسق أسرع بكثير"، ودعا كل الوزارات إلى التفاعل مع هذا الإجراء.
ويفيد خليل عباس بأنه يوجد تعاون أيضاً مع المجتمعين المدني والدولي، وبخاصة مع المنظمات الأممية لمكافحة انتشار الأمية.
وبحسب وزارة الشؤون الاجتماعية فإن نسبة الأمية في تونس تقارب 20 في المئة، إضافة إلى 300 تلميذ منقطع يومياً عن الدراسة، و23 في المئة من النساء التونسيات أميات، و30 في المئة من سكان الأرياف أميون، و65 في المئة من النساء الريفيات أميات.
من جانبه تساءل رئيس إحدى الجمعيات لمحو الأمية سليم قاسم عن كيفية تعاطي السياسات المتعاقبة لحكومات ما بعد الانتفاضة، مع مسألة التعليم ومحاربة الأمية.
وقال "عديد من المسؤولين قبل الانتفاضة وبعدها اعتبروا أن النتائج المرضية التي حققتها دولة الاستقلال هي من تحصيل الحاصل، وعجزوا عن فهم الآليات التي أفضت إليها".
خطة إنقاذ وطني
وأضاف "نذكر أن حكومات ما بعد 2011 قلصت موازنة برنامج محو الأمية بمقدار الثلثين، وصرفت مئات العاملين فيه حتى تفسح المجال للجمعيات والمؤسسات لاستقطاب الأميين تحت مسميات عدة، كما ينبغي أن نذكر بأن الموازنة السنوية لبرنامج محو الأمية في بلادنا تعادل ما تنفقه وزارة التربية في يوم واحد تقريباً، على رغم أن أعداد الأميين وأعداد التلاميذ يكادان يتساويان".
ويواصل قاسم "لا نبالغ في شيء اليوم إن قلنا إن بلادنا تجلس على قنبلة موقوتة قوامها حوالى 2 مليون أمية وأمي، وهو عدد مرشح للتزايد بنسب كبيرة، إذ ما زالت مدرستنا العمومية تلحظ تسرب ما يزيد على 100 ألف منقطع عن سنوياً، فضلاً عن حالات الأمية المقنعة، إذ يصل أكثر من 80 في المئة من تلاميذنا اليوم إلى نهاية التعليم الأساسي من دون امتلاك الحد الأدنى من المهارات القرائية، وهو ما أكده وزير التربية منذ أيام قليلة".
وعلى صعيد آخر يضيف سليم قاسم "لا يمكن أن نتناول ظاهرة الأمية بمعزل عما عانته منظومة التعليم العمومي، وبخاصة في المرحلة الابتدائية".
وما فاقم الأزمة بحسب قاسم "ضرب منظومة الموارد البشرية، من خلال إغلاق دور المعلمين التي زودت المدرسة العمومية طوال عقود بخيرة مربيها، وفتح الباب على مصراعيه بعد 2011 لعشرات الآلاف من الانتدابات العشوائية التي أفقدت مدارسنا قسماً مهماً من فاعليتها"، وفق تقديره.
ويواصل "على رغم الآمال التي عقدناها على برنامج التطوير الذي تم إعلانه أوائل عام 2022، فإن الوقائع سرعان ما بينت أننا لم نقطع أبداً مع الارتجال والحسابات الضيقة والقرارات الجاهزة المسقطة على رغم كل ما حملته لمدرستنا من ويلات".
ويرى "أن مقاومة الأمية في بلادنا غير ممكنة إلا عبر خطة إنقاذ وطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قوامها إصلاح علمي وفعلي لمنظومة التعليم الابتدائي لإيقاف النزف الحالي"، وتابع "وإعادة بناء جذرية لمنظومة محو الأمية تحررها من قيودها وتخلصها من العقم الذي يرافقها منذ سنوات"، وختم قائلاً "بين التونسيون في كل المحطات أنهم قادرون على كسب مثل هذه الرهانات المصيرية متى صحت العزائم وتوفرت مقومات الحوكمة الرشيدة".