ملخص
"وثائق بريطانية" رفيق الحريري لا يريد أن تتزامن زيارته إلى لندن مع وجود وزير الخارجية فارس بويز هناك
بينما كان لبنان مطلع التسعينيات من القرن الماضي يعاني تداعيات حرب أهلية مدمرة، كانت المنطقة العربية تعيش أيضاً تداعيات غزو الكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990 من قبل العراق، والانهيار السياسي والأمني للمنظومة العربية وبدء عملية السلام والحوار الفلسطيني - الإسرائيلي.
في ظل هذه الأوضاع وصل رفيق الحريري إلى منصب رئاسة الوزراء في لبنان، وبما أن بريطانيا ولاعتبارات سياسية وتاريخية كانت معنية بإعادة السيادة للكويت ونجاح عملية الحوار في الشرق الأوسط، انشغلت وزارة الخارجية بهذين الملفين، الأمر الذي جعل زيارة الحريري إلى لندن خلال عام 1993 غير ممكنة.
(1)
عملية السلام في الشرق الأوسط
تتضمن إحدى وثائق وزارة الخارجية والكومنولث خطاب وزير الخارجية دوغلاس هيرد أمام مجلس العموم الجمعة في الـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1993. وحول عملية السلام العربية- الإسرائيلية جاء في هذه الوثيقة ما نصه:
"لقد عملنا بهدوء لأعوام عدة من أجل الحوار في الشرق الأوسط، بخاصة بين إسرائيل وجيرانها. لقد عمل الأميركيون بجد في الآونة الأخيرة. وعندما حقق الإسرائيليون والفلسطينيون في وقت سابق من هذا العام تقدمهم في المفاوضات، كان ذلك بالتأكيد ضربة للتشاؤم في كل مكان. ولا بد الآن من متابعة هذا الإنجاز. هناك تقدم في المناقشات بين إسرائيل والأردن. ومع ذلك، فإن السلام لن يكون كاملاً، ولن يدوم من دون نتيجة ناجحة لجميع مسارات المفاوضات بما في ذلك المفاوضات مع سوريا ومع لبنان. وأعتقد بأن الطرفين يريدان التوصل إلى تسوية. ومن الواضح أن التأخير ضار، وآمل في أن تُغتنم الفرص قبل أن تُستنزف. خلال الأعوام الأخيرة، كان دور بريطانيا صبوراً وداعماً بشكل أساسي. لقد تراجعنا بمجرد اقتناعنا بأن الأميركيين كانوا جادين في شأن عملية السلام. والآن بعدما كسر الجمود، يمكن أن تدخل مشاركتنا في وضع مختلف إلى حد ما. ونحن نتحدث الآن بشكل أكثر وضوحاً مع المشاركين في المفاوضات ونشجعهم على التوصل إلى تسوية شاملة. وكما يعلم مجلس النواب، ذهبت إلى سوريا الشهر الماضي. كانت محادثاتي مع الرئيس الأسد ووزير الخارجية الشرع مفيدة. وفي الشهر المقبل، سيأتي السيد عرفات ورئيس وزراء لبنان إلى هنا. آمل في أن أزور إسرائيل والأردن والأراضي المحتلة في يناير (كانون الثاني). وتعهدت المجموعة الأوروبية بتقديم مساعدات مالية كبيرة للعملية نحو 69 مليون جنيه استرليني هذا العام وحزمة أخرى من الدعم على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. وتنظر الحكومة في السبل الكفيلة بدعم الفلسطينيين لإقامة مؤسسات الحكم الذاتي".
(2)
موقف الحكومة البريطانية من العراق
ويتطرق وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد في كلمته أمام مجلس العموم إلى ملف آخر من ملفات الشرق الأوسط ويصفه بالأكثر صعوبة، إذ يقول إن "الأمور أكثر صعوبة في أماكن أخرى من الشرق الأوسط. يؤيد مجلس النواب على نطاق واسع سياستنا تجاه العراق. لست بحاجة إلى الخوض في التفاصيل. ولن نخفف الضغط على العراق ما لم يمتثل امتثالاً كاملاً لجميع قرارات مجلس الأمن. ويراجع مجلس الأمن العقوبات مرة أخرى اليوم، وأعتقد بأنه سيقرر مرة أخرى أن الظروف المواتية لرفع العقوبات ليست متوافرة. ونحن، على سبيل المثال، نتابع بعناية تحقيقات الأمم المتحدة في الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية من جانب النظام العراقي في الأهوار الجنوبية. الوضع هناك مرعب بشكل خاص. وقد أشار أمير ويلز إلى ذلك. والآنسة نيكلسون التي عملت بلا كلل في لفت انتباه العالم إلى محنة عرب الأهوار. إنها وآخرين يريدون منا أن نعمل في الجنوب كما فعلنا في الشمال من خلال إنشاء ملاذات آمنة. أطلب من مجلس النواب أن يقبل بأن الوضع مختلف جداً. في الشمال كان هناك فراغ موقت عندما سحب صدام حسين قواته. تمكنا من التحرك وتقديم بعض المساعدة للأكراد. الوضع مغاير في الجنوب، وبالتالي فإن الأخطار العسكرية والأمنية لمثل هذه العملية ستكون كبيرة. ما يمكننا القيام به يجب أن ننفذه بشكل جيد. وسنحافظ على منطقة حظر الطيران فوق جنوب العراق التي أنشئت في أغسطس 1992 لرصد أنشطة صدام حسين. ونواصل مساعدة المنظمات التي تعمل في المنطقة. وسنستمر بالضغط، كما يفعل المجلس هذا الصباح، على هذا الموضوع المأسوي. ويحتجز العراق ثلاثة بريطانيين في بغداد، صدرت بحقهم أحكام بشعة لارتكابهم جرائم أمنية. إذا كانت هناك جرائم، فهي بسيطة وتقنية. ليس لدي شك في أنهم محتجزون لغرض سياسي وأن محنتهم، مثل محنة عرب الأهوار، تذكرنا بالحقائق الكامنة وراء الكلمات الأكثر ليونة إلى حد ما التي يستخدمها المتحدثون باسم النظام العراقي في نيويورك".
(3)
المستشار يوسف شقير وموعد مبكر للزيارة
بعد مرور قرابة أربعة أشهر على مقترح البرلماني البريطاني السير دينيس والترز في يوليو (تموز) 1993 حول توجيه دعوة رسمية من قبل لندن إلى رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري خلال موسم الخريف، وتأكيد الجهات الإنجليزية على ضرورة الإعداد الجيد لها مطلع عام 1994، تشير برقية مرسلة من قبل سفيرة المملكة لدى بيروت السيدة فورت، تحمل الرقم 494 بتاريخ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993، إلى مقترح زيارة محتملة للحريري قبل نهاية العام. وجاء في هذه البرقية التي تحمل عنوان "زيارة مبكرة محتملة إلى المملكة المتحدة" ما نصه "يعتزم الحريري زيارة لندن خلال الأسابيع الخمسة المقبلة لإجراء مناقشات تجارية ومالية بشكل أساسي. اتصل بي المستشار الاقتصادي الرئيس في مكتب رئيس الحكومة، يوسف شقير صباح اليوم 12 نوفمبر، وقال إنه في أعقاب زيارتي الحريري إلى الولايات المتحدة وفرنسا، أراد إجراء اتصال مباشر مع مجتمع الأعمال والمال البريطاني قبل منتصف ديسمبر (كانون الأول)، إذ ستتخذ القرارات المتعلقة بعدد من العقود الكبيرة لإعادة إعمار لبنان (أساساً المطارات والطرق والاتصالات السلكية واللاسلكية والطاقة) بحلول نهاية العام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف الوثيقة "الحريري كرجل أعمال هو نفسه كان مهتماً شخصياً ويحب المشاركة في القرارات المتعلقة بالمشاريع المشتركة وإضافة التمويل، وكان حريصاً على منح المدينة (لندن) ومجتمع الأعمال البريطاني فرصة متساوية للتنافس مع الشركات الفرنسية والإيطالية وغيرها. وكان تدخل شخصياً بالفعل لضمان النظر في عرض شركة الكابل واللاسلكي في شأن نظام الهاتف الخليوي، وعرض غير منشور من شركة بريطانية كبيرة في شأن المطار على رغم أنهما يقعان خارج اختصاصات مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي. وتنبغي دراسة التمويل المقترح لإعادة إعمار لبنان بالنظر إلى حجم المشاريع المعنية. وتعد مدينة لندن والشركات البريطانية الكبرى متعددة الجنسيات في وضع أفضل لتقديم مقترحات للحصول على مشاريع إعادة الإعمار. وأراد الحريري أن يشارك شخصياً وكان بحاجة إلى زيارة لندن بشكل عاجل من أجل إشراك مجتمع الأعمال البريطاني في المشاريع".
(4)
التخوف من فارس بويز و"حزب الله"
وبحسب ما ورد في هذه الوثيقة يبدو أن شقير كان قلقاً من دور وزير الخارجية اللبناني فارس بويز ومواقفه السياسية المثيرة للجدل ومشكلة "حزب الله" وتداعيات وجود هذا الحزب على الأمن الداخلي في لبنان.
وجاء في الوثيقة ما يلي "قلت إنني متأكد من أنه لن تكون هناك صعوبات مبدئياً حول هذه الزيارة، غير أن التوقيت وضع لنا صعوبات بالنظر إلى الدورة البرلمانية الجديدة والجدول الزمني الكامل لرئيس الوزراء، وقال شقير إنه متأكد من أن الحريري سيفهم ذلك جيداً، لكنه سأل عما إذا كان يمكن معرفة إمكان ترتيب الزيارة خلال الأسابيع المقبلة، ربما الأسبوع الذي يبدأ في الـ29 من نوفمبر أو في الـ13 من ديسمبر، كي لا تتزامن زيارته مع وجود بويز في لندن تفادياً للصعوبات السياسية التي من الممكن أن يسببها ذلك. وبالتالي تجنب أسبوع زيارة فارس بويز الذي سيسبب صعوبات سياسية هنا. وعلى رغم أن الحريري سيكون سعيداً بإتاحة الفرصة له لمناقشة عملية السلام في الشرق الأوسط والعلاقات مع إسرائيل وسوريا، والأمن الداخلي بما في ذلك خطط قوات إيساف (ISF) والجيش ومناقشة طرق معالجة مشكلة ’حزب الله‘ مع رئيس الوزراء ومعك، فإن الغرض الرئيس من زيارته هو إشراك القطاع الخاص في خطط إعادة الهيكلة وإعادة الاعمار".
وفي ختام البرقية تطلب السفيرة البريطانية لدى لبنان من مرجعيتها الموافقة على مقترح الزيارة المبكرة، قائلة "سأكون ممتنة للغاية إذا أمكن النظر في هذا الاقتراح بجدية. أدرك صعوبات اليوميات، لكنني أشعر بأن هناك فرصاً حقيقية هنا تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات للأعمال التجارية البريطانية التي سنفوّتها إذا لم تتم زيارة الحريري قبل حلول العام المقبل".