ملخص
عقد الحوار حتى الآن 60 جلسة ناقش خلالها ما يقارب 70 قضية وصنع حراكاً غير المسبوق بمشاركة خبراء وسياسيين ومواطنين.
على مدى 100 يوم من الجلسات النقاشية للحوار الوطني المصري الذي دعا خلاله الرئيس عبدالفتاح السيسي جميع القوى السياسية للنقاش في شأن جميع القضايا وحددت له ثلاثة محاور رئيسة، سياسي واقتصادي ومجتمعي بهدف تقديم مقترحات وحلول جادة، عقدت نحو 60 جلسة نقاشية علنية انطلقت أولاها في الـ 15 من مايو (أيار) الماضي بعد جلسة افتتاحية شهدت كلمات وصفت بالقوية من بعض الشخصيات العامة والسياسيين، أبرزهم عمرو موسى وحسام بدراوي وفريد زهران، إضافة إلى كلمة لرئيس الجمهورية أكد خلالها أن الحوار يهدف إلى وضع "خريطة طريق لمستقبل واعد مشرق".
معارضة وغالبية
وتعد جلسات المحور السياسي الأسخن خلال المناقشات والأكثر في عدد الحضور من بين المهتمين بالعمل السياسي، سواء الأحزاب المؤيدة للحكومة أو ممثلين عن المعارضة بجميع أشكالها وتنوعها، وكثيراً ما شهدت الجلسات بعض المناوشات الطفيفة بين الجانبين قبل تدخل إدارة الجلسة لضبطها.
وعلى مدى خمسة أسابيع من جلسات المحور السياسي كرر ممثلو المعارضة مطلبهم بالإفراج عن جميع المحبوسين في قضايا الرأي والعفو عن عدد من السياسيين، وخلال الجلسة الأولى ساد خلاف في شأن نظام انتخابات البرلمان، إذ أيد معظم ممثلي المعارضة اعتماد نظام القائمة النسبية على خلاف مؤيدي نظام القائمة المطلقة المغلقة.
أما نقاط الاتفاق فكان أبرزها قانون تداول المعلومات وإنشاء مفوضية لمنع التمييز، مما دفع رئيس الأمانة الفنية للحوار المستشار محمود فوزي إلى أن يطلب من الرئيس السيسي النظر في المقترحات محل التوافق خلال مؤتمر الشباب في يونيو (حزيران) الماضي بالإسكندرية، واستجاب الرئيس على الفور مؤكداً أنه سينفذ مخرجات الحوار طالما كانت ضمن صلاحياته الدستورية، أما غير ذلك من المقترحات فيمكن إحالتها إلى البرلمان.
ومع العدد الكبير من المشاركين في الجلسات والذي فاق أحياناً 100 مشارك حدد لكل منهم أربع دقائق للحديث، فكان من الضروري على إدارة الحوار مطالبة المشاركين الالتزام بالوقت والابتعاد من الإطالة في وصف المشكلات.
وخلال أولى جلسات المحور الاقتصادي اضطر المنسق العام للحوار ضياء رضوان إلى التدخل قائلاً "أرجو من المتحدثين الدخول في الموضوع مباشرة، فكلنا نعرف ماهية المشكلة ولا نحتاج إلى توصيف".
واتفق كثير من المشاركين خلال جلسات المحور الاقتصادي على وجود أزمة في المناخ العام للاستثمار، وفشل الحكومة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وضرورة إنهاء البيروقراطية ووجود مظلة عليا للاستثمار.
كما انتهت جلسات الدين العام وعجز الموازنة إلى اتفاق على ضرورة ترشيد الاقتراض وإعادة النظر في منظومة الضرائب التصاعدية إلى جانب ضرورة دعم القطاع السياحي ليكون مصدراً رئيساً للعملة الصعبة.
أما أكثر الجلسات التي شهدت توافقاً بين المشاركين فكانت في المحور المجتمعي، وبخاصة قضايا الولاية والوصاية على المال المدرجة على جدول لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي، وقضايا الهوية الوطنية المدرجة على أعمال لجنة الثقافة والهوية الوطنية إلى جانب التعليم قبل الجامعي والقضية السكانية، وأيضاً العنف الأسري وسبل مواجهته، إضافة إلى الأخطار الإلكترونية على التماسك المجتمعي.
استجابة الرئيس
وفي الـ 18 من يوليو (تموز) الماضي كاد الحوار الوطني أن يدخل في نفق مظلم بعد أن أعلن عدد من السياسيين والحقوقيين المحسوبين على المعارضة، وبينهم عضو مجلس النواب النائب ضياء الدين داوود والمحامي نجاد البرعي، تعليق مشاركتهم في الحوار الوطني على خلفية قرار محكمة مصرية بالسجن ثلاث سنوات للباحث والناشط الحقوقي باتريك زكي، لكن المنسق العام للحوار الوطني تحرك سريعاً بإصدار بيان يناشد فيه رئيس الجمهورية استخدام صلاحياته القانونية والدستورية للإفراج الفوري عن الناشط زكي، ولم يمر يوم حتى أصدر الرئيس السيسي قراراً جمهورياً بالعفو عنه ومعه أيضاً عدد من المحكوم عليهم في أحكام قضائية ومن بينهم الحقوقي محمد الباقر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عماد جاد رفض الدعوة الموجهة إليه للمشاركة في الحوار الوطني، وبعد 100 يوم من انطلاق المناقشات يرى أن قراره كان صحيحاً. وقال لـ "اندبندنت عربية" إنه يعتقد أن الحوار الوطني لم يثمر شيئاً على الإطلاق حتى الآن بسبب طريقة تنظيمه التي تعتمد على إعطاء كل متحدث أربع دقائق للحديث من دون الوصول إلى نتائج فعلية، في سياق أشبه بالمونولوج، مشيراً إلى أنه كان يفضل أن يكون الحوار عبارة عن نقاش بين عدد محدود من الخبراء والأكاديميين وأصحاب المصلحة مثل رجال الأعمال في وجود ممثلين للحكومة، لمناقشة قضايا محددة بدلاً من مواضيع عامة.
وحول خفوت الاهتمام الشعبي الذي صاحب الجلسة الافتتاحية للمناقشات قال جاد إن ذلك يرجع إلى عدم مجيء الجلسات النقاشية بالزخم والوضوح نفسه الذي بدا في كلمات المشاركين خلال الافتتاح، مثل الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى والسياسي البارز حسام بدراوي.
واعتبر أن ترك مصير نتائج الحوار الوطني الذي لم يحدد موعد لانتهائه ليكون وفق تقدير رئيس الجمهورية للأخذ بها من عدمه، يفرغ عملية الحوار من مضمونها ويجعل نتيجة المناقشات غير مضمونة.
وكان الرئيس المصري تعهد في يونيو (حزيران) الماضي بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني من دون قيد أو شرط، طالما أنها تقع ضمن صلاحياته الدستورية، مشيداً بالمناقشات التي تضمنها الحوار.
الحراك السياسي
من جهته قال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني جمال الكشكي إن النقاشات بدأت بمبادرة أطلقت من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل (نيسان) من العام الماضي خلال إفطار الأسرة المصرية، مؤكداً أنه منذ انطلاقه وحتى الآن أنعش الشارع السياسي وفتح آفاقاً كبيرة لجميع التيارات والقوى السياسية والأحزاب.
وأضاف الكشكي أن الحوار الوطني عقد حتى الآن 60 جلسة وناقش خلالها 70 قضية، وصنع حالاً من الحراك السياسي غير المسبوق بمشاركة الخبراء والسياسيين والمواطنين، مشيراً إلى أن الحوار انطلق من أرضية وطنية تهدف إلى الوصول لمخرجات ومقترحات في شأن القضايا والمحاور التي ناقشها.
واعتبر الكشكي أن الحوار الوطني أكد مد الدولة يدها لجميع القوى السياسية للمشاركة في خلق مساحات مشتركة نحو الجمهورية الجديدة، مؤكداً أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر الحديث ونتائجها جيدة وإيجابية وخلقت حال انفتاح في الوسط السياسي.
وشدد على أن تفعيل لجنة العفو الرئاسي وزيادة أعداد المفرج عنهم أحد إيجابيات الحوار الوطني، لافتاً إلى أن دعم الرئيس السيسي للحوار وتعهده خلال مؤتمر الشباب في يونيو بالتصديق على ما يتم الاتفاق عليه أضاف مزيداً من القوة والإيجابية للحوار.
وأوضح الكشكي أن المحطة التي وصل إليها الحوار حتى الآن فاقت توقعاته بصورة إيجابية بعد جلسات عدة شهدت مناقشات وطرحاً للرؤى والأفكار من جميع القوى السياسية من دون خطوط حمر، مشيراً إلى أن الحوار الوطني مستمر ولم يحدد موعد لانتهائه، بل تعكف لجانه المتخصصة على صياغة مخرجات الجلسات النقاشية لرفعها إلى الرئيس السيسي، إذ تصيغ المخرجات مع انتهاء مناقشة المواضيع ثم تحيلها إلى مجلس الأمناء الذي سيناقشها ثم يحيل الصيغة النهائية إلى رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن تلك العملية تتم بالتتابع.
بعيداً من الواقع
ومع طول مدة الجلسات وارتفاع عدد المتحدثين وعدم إلمام بعضهم بالقضية محل النقاش، تخرج بعض الأفكار الغريبة وغير المفهومة أو المثيرة للجدل وآخرها ما طرحه مقرر مساعد لجنة القضية السكانية في الحوار الوطني النائب أحمد عاشور، والذي اقترح خلال جلسة الدين العام وعجز الموازنة إلزام المصريين العاملين في الخارج بتحويل 50 في المئة من قيمة أجورهم الشهرية عبر البنوك إلى داخل البلاد بهدف توفير العملة الصعبة، فقوبل بهجوم شديد.
بدوره أكد المنسق العام للحوار الوطني أن ما يتردد داخل لجان النقاش ضمن الجلسات هي آراء تعبر عن صاحبها وليست على لسان الحوار الوطني كمجلس أمناء، مشيراً إلى أنه حتى النقاشات التي يتدخل فيها مديرو المنصة هي آراء تعبر عن أنفسهم ولا تمثل مجلس أمناء الحوار الوطني.
النتائج هي الأهم
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدر الدين أن مناقشات الحوار الوطني مثمرة وثرية كونها تجمع جميع الآراء والأفكار السياسية، مضيفاً "نحن أمام تمثيل حقيقي لمفهوم الحوار وهو وجود أكثر من اتجاه سياسي، فستجد المشاركين في الحوار ممثلين عن أحزاب ومتخصصين وأصحاب اتجاهات مختلفة وقد اجتمعوا تحت مظلة مصلحة الوطن".
وقال بدر الدين لـ "اندبندنت عربية" إن الحوار ليس مطلوباً لذاته، لكن الأهم هو ما ستسفر عنه المناقشات من نتائج وأفكار اجتمعت عليها القوى السياسية، وتنفيذ ذلك من أجل مصلحة الوطن، مضيفاً أن استجابة الرئيس السيسي لمقترح تمديد الإشراف القضائي على الانتخابات يعد دليلاً على أن مخرجات الحوار ستجد طريقها إلى التنفيذ.
وتابع بدر الدين أن قرارات العفو الرئاسي عن المحبوسين في قضايا نشر أو غيرهم بالتزامن مع عقد الجلسات النقاشية للحوار الوطني مؤشر جيد على استجابة الرئيس لطلبات الحوار.