ملخص
بين تمسك كل من روسيا وأوكرانيا بمطالبهما قبل التفاوض وإصرار الداعين إلى التفاوض من أجل التسوية يستحضر آخرون نموذج الكوريتين كحل للأزمة.
العالم تعب من حرب كثيرة الكلفة مرشحة لأن تطول من دون أن يسجل فيها أي طرف نصراً حاسماً. عالم الـ33 دولة التي تعاقب روسيا وتقدم السلاح والمال لأوكرانيا، وعالم الـ167 دولة التي ترفض معاقبة موسكو، وبعضها يساعدها، وهي جميعاً تعاني مضاعفات الحرب التي رفعت نسب التضخم والغلاء في كل بلد، وجعلت الحصول على القمح والذرة وزيت عباد الشمس مهمة صعبة.
والصوت الصارخ حالياً هو صوت الداعين إلى التفاوض من أجل التسوية التي يدق العالم ساعتها، لكن الأوكران والروس ليسوا في مزاج الإصغاء إلى دقات الساعة. ما يريده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هو مزيد من السلاح والمال، على أمل أن يطرد الجيش الروسي من الأرض التي احتلها في أوكرانيا بما فيها شبه جزيرة القرم. وما يريده الرئيس فلاديمير بوتين هو رفع العقوبات عن روسيا والتوقف عن مد كييف بالأسلحة والمال، لكي يتمكن من إحراز نصر حاسم وتحقيق الأهداف المرسومة في "أجندته".
زيلينسكي يعتبر أن أي تفاوض مع بقاء الجيش الروسي في أوكرانيا يعني التسليم بالخسارة سلفاً، وأي وقف نار من دون انسحاب روسي هو نوع من "تجميد الصراع". وبوتين يرى في التفاوض من حيث تقف قواته في أوكرانيا نوعاً من تأكيد ما حصل عليه بالقوة في المرحلة الحالية، كما أن أي هدنة هي منصة لإعادة تحديث قواته والإفادة من درس المعارك الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الدول التي أبدت فرادى ومجتمعة الرغبة في التوسط لوقف الحرب وصنع السلام مصرة على الاستمرار في المحولات. وليس اجتماع مسؤولين عن الأمن القومي من 30 بلداً في جدة للبحث في الموضوع سوى تأكيد للإصرار وضرورة التجاوب الروسي والأوكراني. وليس قليلاً عدد الأكاديميين الذين يطرحون "النموذج الكوري" كمفتاح للخروج من حرب "جرى شحنها بالقومية والافتراضات اللاواقعية"، بحسب مارغريت ماكميلان.
فالبحث عن المفاوضات بين موسكو وكييف هو "مغامرة بأخطار قليلة وجوائز كثيرة" كما يرى كارتر ملكاسيان. و"إذا سمح اتفاق هدنة لأوكرانيا بالحفاظ على 80 في المئة من أراضيها وبأن تنتعش اقتصادياً كما فعلت كوريا الجنوبية بحماية الضمانات الأمنية الأميركية، فإن ذلك يمكن أن يكون نصراً" في رأي ستيفن كوتكين.
وليس هذا ما يغري كييف ولا ما تقبله موسكو. فلا أميركا جدية، حتى إشعار آخر، في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا على طريقة ما فعلته لإسرائيل عشية معاهدة السلام مع مصر، إذ جرى توقيع "مذكرة تفاهم" تنص على أنه "في أي تهديد تتشاور الولايات المتحدة مع إسرائيل لتقديم كل ما يمكن من الدعم"، ولا حرب كوريا وظروفها ومفاوضاتها تشبه حرب أوكرانيا وظروفها ومفاوضاتها. ففي كوريا كانت أميركا تخوض الحرب بقواتها ضد قوات كيم إيل سونغ المدعومة بشكل غير مباشر من روسيا وبشكل مباشر من القوات الصينية تحت عنوان "المتطوعين".
والتفاوض على تسوية وهدنة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية استمر عامين في ظل الاستمرار في القتال وإصرار الجنرال مكارثر على نصر حاسم. أما حرب أوكرانيا فإنها تدور بشكل مباشر بين موسكو وكييف، وبشكل غير مباشر بين روسيا و"الناتو" وكل الغرب. القرار في حرب كوريا والهدنة كان لأميركا والصين بالاتفاق مع روسيا، والقرار في حرب أوكرانيا والتسوية هو للطرفين المباشرين في القتال، وإن كانت موسكو ترى أن القرار في واشنطن التي تقول إنها لن تفرض شيئاً على كييف.
صدق أو لا تصدق، لكن كثيرين لا يزالون يعتقدون أن نماذج الماضي هي مفاتيح لمشكلات الحاضر والمستقبل، ولا تكرار في التاريخ بل تطابق كما يقال.