ملخص
فنانون سوريون ومصريون يعترفون بتراجع مستوى الأعمال الكوميدية في بلديهما لكنهم يؤمنون بأنها لا تزال رقماً مميزاً في المعادلة الفنية.
تعاني الكوميديا تراجعاً في مستواها كما في عدد من الأعمال الفنية التي تنتج سنوياً، مما جعل بعض الممثلين يبتعدون عنها مع أنهم برزوا في بداياتهم من خلالها، وخصوصاً في سوريا على غرار باسم ياخور وقصي خولي وغيرهما.
وتقف وراء هذه المشكلة عوامل عدة من بينها تبدل المزاج العام، وأزمة الكتاب والنصوص وتركيز المنتجين على أنواع معينة من الأعمال، علاوة على العامل الأساسي المرتبط بالإنتاج الحالي من الأعمال الكوميدية، تحديداً في مصر الذي يعتمد على اسم الممثل النجم، الذي غالباً ما يكرر نفسه عندما يقع في فخ الشخصيات التي لمع فيها كما في تجربة محمد سعد في (اللمبي).
"ضيعة ضايعة"
الممثلة السورية غادة بشور التي تسعى إلى التنويع في تجربتها الفنية وفي الأدوار التي تلعبها شاركت في أعمال كوميدية مهمة أبرزها (ضيعة ضايعة)، تحدثت لـ"اندبندنت عربية" عن أن الكوميدية السورية ستعود قريباً وبأنه يتم التحضير لمجموعة من الأعمال للفترة المقبلة بعد سنوات مضت من تركيز الإنتاج على الأعمال التراجيدية التي تتناول الواقع الاجتماعي.
وتقول بشور "غياب الكوميديا ليس مستغرباً، ففي فترات يكون هناك تركيز على هذا اللون الفني، وفي فترات أخرى على التراجيديا، لكن في الفترة الأخيرة تم التركيز على الأعمال الجادة التي تتحدث عن الأزمات التي مرت بها سوريا وكان من الطبيعي أن يتناولها الكتاب في أعمالهم، لكن الأمر لم يخل من تقديم عدد محدود من الأعمال الكوميدية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمضي في حديثها "أنا شاركت مثلاً قبل فترة قصيرة في (ضيف على غفلة) وهو مسلسل تدور أحداثه في إطار كوميدي وتخللته تفاصيل عن الطبخ لأن الكوميديا صعبة جداً".
ولكن الممثلة السورية لا تعرف ما إذا كانت هناك أزمة نصوص كوميدية كونها ليست منتجة، إلا أنها تؤمن بأنه "لا توجد أعمال كوميدية سطحية وكان يفترض تقديم جزء جديد من (بقعة ضوء) ولا أعرف السبب الذي حال دون ذلك، وربما يكون الظروف الإنتاجية الصعبة".
وتابعت "آمل خيراً وأتوقع خلال الفترة المقبلة أن يكون هناك كم لا بأس به من الأعمال الكوميدية ذات المستوى الجيد، علماً أنه لا يمكن مقارنة (ضيعة ضايعة) بأي عمل قبله أو بعده، لأنه عمل له مكانة معينة وكلما شاهدناه نكتشف الجديد فيه".
وبين الكوميديا والتراجيديا توضح بشور أن النوع الأول هو ملعبها، مضيفة "لكنني ممثلة ويفترض بي أن ألعب كل الأدوار، وبالنسبة إلى الممثلين الذي برزوا من خلال الكوميديا ثم ابتعدوا عنها بعد أن أصبحوا نجوماً فهذا يعود إلى أن الممثل يتعب كثيراً قبل أن يصنع اسمه، وعندما يصبح نجماً يفترض أن يختار أعماله بعناية وأن يبحث عن الأفضل سواء على مستوى الأدوار أو الأجور أو شركات الإنتاج".
أزمة نصوص وكتاب
الممثلة المصرية بدرية طلبة التي اكتشفها المؤلف مصطفى سالم ثم تزوجها وقدمها في "برج الأبجدية"، شاركت الفنان الراحل سمير غانم والمنتج أحمد الإبياري في مسرحية "دو ري مي فاصوليا". ولفتت نظر المخرج رائد لبيب الذي رشحها للبرنامج الكوميدي "حسين على الهواء" ثم انطلقت للعمل في السينما والتلفزيون ويضم رصيدها عدداً كبيراً من الأفلام والمسلسلات، لكنها تقر بأن الكوميديا تراجعت عما كانت عليه في السابق، وتعيد سبب ازدهارها في المراحل الماضية إلى "تنوع الإنتاج ووجود عدد كبير من المواهب الكوميدية".
وتضيف "صحيح أن أدوار البطولة كانت لنجم كوميدي ولكن إلى جانبه كان يوجد مجموعة من الممثلين الكوميديين أيضاً، كما كان يحصل في أفلام نجيب الريحاني وإسماعيل ياسين وفؤاد المهندس ومحمد عوض وحتى في أفلام عادل إمام، عدا أن أفلامهم كانت تتناول المشكلات الاجتماعية بطريقة راقية وجميلة وقعها كتاب مبدعون، أما اليوم فأين هم المؤلفون الكوميديون المبدعون إلا من رحم ربي، وعلى رغم من كل ذلك تبقى الكوميديا موجودة دائماً".
ولأن الكوميديا كانت حاضرة دائماً حتى في الأعمال غير الكوميدية كما في أفلام عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش من خلال مشاركة ممثلين كوميديين في أعمالهم كعبدالسلام النابلسي ومحمد عوض وحسن يوسف وغيرهم نرى أن حصة الكوميديا تراجعت اليوم لمصلحة الإثارة والتشويق، وهنا ترى طلبة "الزمن تغير وحتى نوع الضحك تغير هو أيضاً. الدراما كان فيها كل شيء ولكن الناس يميلون اليوم إلى الخلطة التي تجمع بين الإثارة والتشويق والتي يتخللها بعض الكوميديا".
ومع أن الكوميديا التي تقدم اليوم فيها اجتهاد كما تعتبر طلبة لكنها تعتبر أنه لا بد من إعادة النظر في المواضيع والقالب الذي تقدم من خلاله، لافتة إلى بعض الأعمال الكوميدية المهمة.
استنزاف وتكرار
الناقد الفني أندرو محسن يرى أن الكوميديا تراجعت في مصر ولكن ليس كثيراً، موضحاً أنها "تمر بفترات من الركود لكنها تظل الأكثر شعبية وجماهيرية، حتى إنها تمكنت من المحافظة على وجودها في ظل سيطرة أنواع أخرى على المشهد الدرامي كالتشويق والإثارة، وحالياً بدأت تتعافى إلى حد ما".
وأرجع السبب الرئيس الذي يقف وراء انتكاسة الكوميديا إلى ضعف الكتابة وعدم توفر السيناريوهات الجيدة ولكن هناك جهداً لافتاً بذل في المسلسلات التي قدمت في الفترة الأخيرة أكثر من الجهد الذي بذل على بعض الأفلام، مضيفاً "هذا ما لاحظناه في مسلسل (اللعبة) في أجزائه الأربعة، علاوة على الأعمال التي قدمت خارج الموسم الرمضاني من بينها (البيت بيتي) لأنها تكتب بتروٍّ وبعيداً من الضغوط".
وعن تراجع أعمال بعض النجوم على غرار محمد سعد ومحمد هنيدي، يعتبر محسن أن إخفاقات الأول متتالية بسبب سوء اختياراته وتراجع شعبيته ونجوميته من بعد فيلم (كركر) الذي قدمه عام 2009، إذ لم يتمكن من تصدر المشهد الكوميدي بشكل حقيقي، لأنه يكرر أعماله الناجحة والشخصيات التي قدمها فيها من دون الأخذ في الاعتبار ملل الجمهور الذي يطلب الجديد دائماً.
وقال "في بداية بطولاته كان سعد يعمل مع فريق ولكنه في مرحلة لاحقة أصبح يتدخل في كل شيء، مما أدى إلى تراجع مستوى أعماله وابتعاد الجمهور عنه".
وبالنسبة إلى محمد هنيدي فإن محاولاته لا تتوقف ولكن مشكلته أنه يبحث عن شكل معين من الأفلام ويقدم أدواراً لا تتناسب مع عمره، ومعظم أفكار أعماله تدور حول شاب يغرم بفتاة والصعوبات التي تواجهه مع بعض الاختلافات من عمل إلى آخر، بعضها نجح جماهيرياً كفيلم (الإنس والنمس) الذي قدمه قبل سنتين أما فيلمه الجديد فلا يمكن الحكم عليه جماهيرياً لأنه طرح حديثاً في الصالات ولكن مستواه الفني ليس جيداً، وفق أندرو محسن.
ويلفت الانتباه إلى التراجع الواضح في مستوى السيناريوهات في مصر على رغم نجاح بعض الأسماء ولكنه ينتقد استنزافها "عندما ينجح اسم سيناريست معين يزداد الطلب عليه، ومع الوقت يتراجع مستواه بسبب التكرار أو عدم التروي في الكتابة، كما حصل في مسلسل (الكبير أوي) الذي يتفاوت مستواه من موسم إلى آخر بسبب تكرار أسماء بعض الكتاب أو في مسلسل (نيللي وشيريهان) الذي حقق نجاحاً كبيراً ومن بعده مسلسل (لالا لاند) حين تمت الاستعانة بالكتاب أنفسهم، لكن حتى الآن وعلى رغم وجود أنواع مختلفة تطفو على السطح تبقى للكوميديا مساحتها".
ويختتم الناقد الفني المصري حديثه بقوله "مع أنها ليست رقم واحد إلا أن الكوميديا تبقى بين الأنواع الثلاثة الأولى، وأنا أتوقع أن تشهد تحسناً في الفترة المقبلة بوجود المنصات والمسلسلات القصيرة، كونها تعطي مساحة أفضل لصناع الدراما لتكثيف أفكارهم وتقديم ما هو مناسب للعمل".