ملخص
إصدار محاكم غزة سبعة أحكام بالإعدام في يوم واحد أثار غضب منظمات حقوقية فلسطينية وأوروبية.
في يوم واحد أصدرت محكمة عسكرية في غزة سبعة أحكام بالإعدام شنقاً حتى الموت، في حق مدانين زودوا استخبارات إسرائيل بمعلومات أمنية عن الفصائل الفلسطينية، وسبقها في 24 و25 و26 يوليو (تموز) الماضي، إقرار أحكام مماثلة ضد متخابرين وتجار مخدرات.
توالي إصدار أحكام الإعدام في غزة أثار سخط المنظمات الدولية والمؤسسات الحقوقية واعتبروه تجاوزاً للقوانين الفلسطينية والدولية، ورأوا أن السلطات في القطاع تسرف في استخدام هذه العقوبة، التي لم تعد تشكل رادعاً، كما أبدوا تخوفاً من تنفيذ الجهات المعنية هذه الأحكام كما فعلت العام الماضي.
يقول منسق برنامج تعزيز العدالة وسيادة القانون في مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان محمد البردويل، إنه "لا يوجد محكمة في الأراضي الفلسطينية أو العالم أصدرت سبعة أحكام بالإعدام في يوم واحد، فهذا رقم كبير جداً، ويدل على إسراف في استخدام العقوبة، هذه العقوبة غير الرادعة، وفيها انتهاك للحق في الحياة، ومن الضروري التوقف عن إصدارها، لا سيما في ظل التوجه الدولي لإيجاد عقوبات أخرى أكثر نجاعة للحد من الجرائم الخطرة".
ويضيف "إلى جانب الإسراف في استخدام العقوبة، لاحظنا وجود سرعة مطلقة في إقرار أحكام الإعدام، بعضها صدر خلال شهر، وهذه المدة غير كافية وفيها تجاوز لضمانات المحاكمة العادلة، نستغرب كيف تمكنت المحكمة في 30 يوماً من الاستماع للنيابة العامة ومحامي الدفاع. ببساطة هذا مخالف للقوانين الداخلية".
القانون الثوري
في الواقع، يعد إصدار أحكام الإعدام في غزة قانونياً، وهذه العقوبة واردة في قانون العقوبات الفلسطيني الثوري الذي أقرته منظمة التحرير عام 1979 لكن لم يعتمده أي مجلس تشريعي وعلى رغم ذلك - وإضافة إلى أنه قديم جداً - فإنه لا يزال يستخدم، كما أنها واردة في القانون الأساسي الفلسطيني، وقانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني المعتمدين من المجلس التشريعي.
ويرى البردويل أنه على رغم أن العقوبة قانونية وفقاً للتشريعات الداخلية فإنها غير رادعة وفيها انتهاك للحق في الحياة ويجب التوقف عن إصدارها، من خلال تعديل القوانين الداخلية، لافتاً إلى أن المؤسسات الحقوقية أرسلت مذكرات قانونية تطالب السلطة القضائية بالتوقف عن إصدار الأحكام وتدعو السلطة التنفيذية إلى عدم تنفيذها.
ويشير إلى أن القانون الثوري غير قانوني فلم يقره المجلس التشريعي، لذلك يجب إلغاؤه وعدم الاحتكام إلى نصوصه، كما من الضروري تطوير الإجراءات الجزائية التي تجيز الإعدام، باعتبار أنها باتت مخالفة للقوانين الدولية التي انضمت إليها فلسطين، لذلك من الجيد تعديلها وجعلها أكثر مواءمة لمعايير حقوق الإنسان.
غضب أوروبي
وبناءً على قانونية عقوبة الإعدام تستخدمها المحاكم النظامية والعسكرية، فمنذ بداية العام الحالي حكمت الهيئات القضائية في غزة 20 مرة بالإعدام، كان من بينها 12 حكماً جديداً، وثمانية تأكيداً لأحكام سابقة، لكن من غير الواضح إذا كانت الأخيرة صدرت هذا العام أو في سنوات سابقة، وللمفارقة لم يصدر عن محاكم الضفة الغربية أي حكم بالإعدام هذا العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا العدد الضخم من أحكام الإعدام دانه الاتحاد الأوروبي، إذ يقول مسؤول الاتصال والمعلومات في مكتب الاتحاد الأوروبي للأراضي الفلسطينية شادي عثمان، إنه يجب على سلطات الأمر الواقع في غزة الامتثال للبروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وتابع "يجب إلغاء هذه العقوبة، وهذا يسهم في حماية كرامة الإنسان والتطور التدرجي لحقوق الإنسان، لأن الإعدام غير إنساني ولا يوفر الردع عن السلوك الإجرامي، ويمثل حرماناً غير مقبول لكرامة البشر وسلامتهم".
تعديل القوانين معطل
وعلى رغم الحديث عن قانونية الإعدام، وفقاً للتشريعات الحالية، فإنها لم تعد قانونية منذ عام 2019، إذ انضمت السلطة الفلسطينية إلى البروتوكول الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام. ومنذ ذلك الوقت أصدرت محاكم غزة وحدها أكثر من 66 حكماً بالإعدام وهو ما يتعارض مع التزامات فلسطين.
يوضح البردويل أنه بموجب الانضمام إلى الاتفاقية الدولية، واستناداً إلى المادة رقم 10 من القانون الأساسي الفلسطيني والتي تنص أنه على السلطة التزام الاتفاقيات الدولية بخاصة حقوق الإنسان، فإنه يجب إلغاء عقوبة الإعدام بشكل فوري.
لكن على رغم الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لم تعدل السلطة الفلسطينية ولا حكومة غزة القوانين، ويتذرع الطرفان بالانقسام الفلسطيني وغياب المجلس التشريعي الذي تم حله عام 2018.
موقف المؤسسة الرسمية
في أي حال كانت معظم أحكام الإعدام في غزة صدرت عن محكمة الاستئناف العسكرية التي تتبع هيئة القضاء العسكري، وهي جزء من وزارة الداخلية التي تديرها حكومة القطاع، ولم تكن أحكاماً صادرة عن السلطة القضائية المخولة في المحاكمة.
ومعظم أحكام الإعدام كانت موجهة ضد مدانين متهمين بالتعاون مع جهات أجنبية معادية أو تجار مخدرات، وهذا ما ترى فيه المؤسسات الحقوقية تجاوزاً آخر للقانون، إذ إن معظم المتهمين يجب أن يحاكموا في القضاء المدني وليس العسكري، نظراً إلى طبيعة التجاوزات القانونية التي اقترفوها، وفق البردويل.
ومن جانب المؤسسة الرسمية، يقول وكيل وزارة العدل في قطاع غزة أحمد الحتة إن النظام القانوني الفلسطيني يتضمن عقوبة الإعدام، فبعض المؤسسات الحقوقية تطالب بتعديل هذه القوانين بالتالي يكون لديها اعتراض على تنفيذ الأحكام، لكن العقوبة تصدر بعد استيفاء كل الإجراءات القضائية والقانونية.
ومن جانب السلطة القضائية، يوضح المتحدث باسمها المستشار إيهاب عرفات أن صدور أحكام الإعدام يأتي من باب تكريس عوامل السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي وردع ظواهر انتشار الجريمة، لافتاً إلى أن استخدامها بناء على وجودها بين التشريعات، وعدم اعتماد قوانين جديدة تلغيها، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية. ويطالب بضرورة إقرار قوانين توقف استخدامها وتطبيق انضمام فلسطين إلى بروتوكول إلغاء الإعدام وحظر تطبيقها.