Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سكان غزة بين أزمة الكهرباء وأفران الحطب

 تعطل عمل المخابز الحديثة وسط انقطاع التيار لأربع ساعات يومياً

بسبب انقطاع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة لجأ سكان غزة لإعداد الخبز بواسطة أفران الحطب  (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

 بهدوء بدأ يراقب سعير النار، وكلما هدأت أضاف إليها مزيداً من الأخشاب اليابسة ليتجدد لهيبها، وهذه قصة أفران الحطب التقليدية في غزة.

بيديه النحيلتين أمسك العم سامي أكوام الحطب وألقى بها في "بيت النار"، وبسرعة اشتعلت الأخشاب وتصاعدت أعمدة الدخان، وبقطعة قماش مبللة أخذ يمسح صفيح الحديد ليزيل أي رواسب أو غبار متطاير، فهو يجهز الفرن التقليدي القديم لاستقبال أرغفة الخبز وأواني الطعام.

انتظر العم سامي قليلاً حتى تأكد أن الحطب تحول جمراً، وحينها استشعر حرارة اللهب عن بعد، و بـ "يكفيك أجيجاً" خاطب الرجل فرنه القديم وبدأ يصف داخله أصناف وجبات ومأكولات متنوعة، استقبلها من زبائنه الذين يرغبون في طهيها بطريقة تقليدية.


أربعة أفران

العم سامي هو الجيل الخامس الذي ورث فرن الحطب التقليدي، ولا يزال يعمل فيه منذ أكثر من 50 عاماً حفاظاً على تقاليد عائلته التي كانت ولا تزال تمتهن طهي الطعام وتحضير الخبز بواسطة مخبز بدائي يعتمد حرق الأخشاب اليابسة.

ويعد فرن العم سامي ضمن أقدم الأفران التقليدية في غزة، وهو واحد من أصل أربعة أفران موجودة في القطاع تشكل جميعها معلماً مهماً في المدينة المحاصرة التي تضم مبان تراثية وشكلاً معمارياً قديماً، وكانت وسيلة رئيسة في تحضير وتجهيز قوت السكان.

وعن الفرن يقول العم سامي "يعود تأسيس الفرن لأكثر من 120 عاماً، أعمل فيه لأكمل مسيرة الأجداد في صناعة الخبز بالطريقة التقليدية نفسها، وأعد عملي جزءاً من التراث الفلسطيني يجب المحافظة عليه وتناقله عبر الأجيال، وهذه المهنة معروفة منذ القدم إذ كان يوجد فرن شعبي داخل كل حي يخدم سكان المنطقة ويؤمن حاجاتهم اليومية".

 

 

آلة الزمن

ولا يحب العم سامي الحديث كثيراً أثناء العمل بهدوء، فقد بدأ يراقب سعير النار وكلما هدأت أضاف لها مزيداً من الأخشاب اليابسة فيعود لهيبها من جديد، وفي الوقت نفسه يقلب الأواني داخل الفرن ويقرب إحداها من الحطب ويبعد الأخرى من اللظى، ويفعل ذلك حتى يتأكد من استواء الطعام من دون أن يحترق.

وفي فرن العم سامي يكون الزائر دخل آلة الزمن، إذ يعود لحقبة الحكم العثماني، فالرجل لا يزال يحتفظ بهيئة فرنه المعمارية ليشعر زواره بعبق التاريخ وعراقة الماضي، ولم يجر عليه أي تطوير إذ لا تزال جدرانه العتيقة مشيدة من الطوب الأحمر الذي يتحمل درجة حرارة عالية، وسطحه مكون من صفيح ثقيل وحتى فوهة الفرن المقوسة هي ذاتها من أيام الجدود، وبيت النار أو مكان اشتعال الحطب تقليدي.

ويوضح العم سامي أن هذا السر هو ما جعله يتمسك بهذه المهنة غير المثمرة مالياً، وأيضاً السر وراء جذب كثير من الزبائن، فالفرن التقليدي يجعل من الخبز الذي ينتجه سلعة مطلوبة بشدة، خصوصاً أنه يمتاز عن غيره باعتماده على الحطب والأخشاب والزيت المساعد في الاشتعال، وهو ما يكسب الطعام مذاقاً مميزاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بديل الكهرباء

من بعيد سمع العم سامي صوتاً ناعماً يخاطبه "ما هذه الروائح الطيبة؟" لوح الرجل بيده من دون أن يلتفت ظناً منه أن سيدة تقطع الطريق أعجبها عمله وتثني عليه، فهو معتاد على ذلك الإطراء ويسمعه باستمرار.

بدأ صوت السيدة يقترب أكثر وهي تقول "انقطعت الكهرباء عن منطقتنا"، ابتسم العم سامي وحينها أدار وجهه ليستقبل زبائنه بالتهليل والترحيب، وأخذ يخاطب السيدة التي تحمل فرشاً خشبياً على رأسها وتسير بتثاقل نحو الفرن.

غادر العم سامي مكانه لينزل الفرش الخشبي عن رأس السيدة التي تخاطبه قائلة، "هذا عجين أرغب في خبزه بسرعة قبل أن يعود الأطفال للمنزل"، وبدأت تكشف عن الأرغفة أمامه وتنظر إلى اللهب وأكوام الحطب.

مسح العم سامي عصاه الطويلة التي يأخذ رأسها شكلاً مستطيلاً عريضاً، وبدأ يصف عليها أرغفة العجين ويضعها داخل الفرن، وما إن ينتفخ الرغيف ويحمر وجهه يخرجه، ويكرر فعله هذا حتى ينتهي من الكمية التي أحضرتها السيدة.

 

 

تزايد الإقبال

وخلال الفترة الأخيرة تزايد الطلب في غزة على طهي الطعام والخبز بواسطة الأفران التي تعمل على الحطب، وشكلت حلاً مناسباً لإعداد الأكل بعيداً من استهلاك الكهرباء أو غاز الطهي، وبات مئات السكان يزورون مخبز العم سامي.

ويعود تزايد الإقبال هذا لظروف انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار غاز الطهي، ففي غزة يصل التيار لمدة أربع ساعات فقط، بينما تبلغ كلفة أسطوانة الغاز نحو 20 دولاراً، ولا يتجاوز طهي الطعام وخبز أرغفة العجين الدولار الواحد عند العم سامي الذي يجني في اليوم نحو 25 دولاراً.

ويؤكد العم سامي أن طول فترة انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الغاز وسط تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية في غزة زادا نسب الإقبال على فرنه، لافتاً إلى أن الزبائن باتوا ينتظرون في الدور من أجل طهي طعامهم.

وأثرت أزمة الكهرباء في المخابز الآلية، وفي هذه الظروف لم يعد العم سامي يقتصر عمله على الطهي والخبز بل بات يستقبل أشخاصاً يرغبون في تحميص المكسرات والقهوة العربية، في إشارة إلى مدى معاناة سكان القطاع تحت وطأة الأزمة.

وفي المقابل يقول رئيس مجلس إدارة جمعية المخابز في قطاع غزة عبدالناصر العجرمي إن تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء في فصل الصيف عادة ما تؤدي إلى انتعاش مخابز الحطب الشعبية، موضحاً أن عدم وصول التيار لأكثر من 20 ساعة أدى إلى عرقلة عمل مخابز غزة الحديثة التي يقدر عددها بـ 100 مخبز، وتسبب في تراجع إنتاجها كثيراً.

ويؤكد العجرمي أنه على رغم محدودية عدد مخابز الحطب الشعبية فإنها لا تزال تحتفظ بجاذبيتها والإقبال عليها، بخاصة في طهي الطعام بالأواني الفخارية وخبز أرغفة العجين بالطريقة التقليدية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير