عشوائيات العراق نتاج فساد أم حصاد سياسة إفقار المجتمع؟

انتشرت العشوائيات في العراق بصورة لافتة بعد عام 2003، حتى صارت ظاهرة مهددة للمجتمع العراقي، بعد أن زحف المتجاوزون في السكن غير النظامي قسراً، معظمهم من القادمين من أطراف المدن العراقية حتى وسطها، واستوطنوا في الفراغات بين الأحياء والأماكن المخصصة كمساحات خضراء، كذلك استغلت الأبنية الحكومية والخاصة التي هجرها أهلها قسراً جراء حرب 2003، واستبيحت معسكرات الجيش، ونهبت مخازنه وباتت ثكناته مباني مهجورة بعد قرار حل الجيش العراقي عام 2003، وتركت معسكراته الكثيرة التي تتوزع بين المدن وحولها، إضافة إلى فقدان السيطرة الحكومية على المباني الكثيرة التي كانت مقار حكومية وحزبية للنظام السابق، سواء مبان للدولة أو المعامل والمصانع التي تزيد على 10 آلاف مصنع تم وقفها لأسباب يطول شرحها، فباتت هدفاً لبؤر سكن غير نظامية، ونهبت من قوى مسلحة حولتها إلى مقار أو سكن غير نظامي .

نبهت اللجنة الفنية الدائمة لسياسة التخفيف من الفقر من مخاطر هذه الأزمة المتفاقمة وأقرت بأن المناطق العشوائية أَضحت بؤراً للفقر موصية بالإسراع بحلها (رويترز)

ظواهر الاستحواذ على الأرض

لهذه الأسباب وسواها انتشرت في العراق بشكل سريع، في معظم المدن، ظاهرة سيطرة مجموعات احترفت السيطرة بقوة السلاح لحل مشكلاتها الإسكانية، ولي ذراع السلطات الضعيفة لفرض حال التجمعات العشوائية، والبناء بمواد بدائية، والعيش من دون خدمات كتوفير الماء والكهرباء والحماية، لكن المواطن اليائس اضطر إلى العيش تحت طائلة الفقر والعوز جراء فشل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في توفير السكن اللائق.

تحذيرات محلية ودولية

من جهتها، نبهت اللجنة الفنية الدائمة لسياسة التخفيف من الفقر، التابعة لوزارة التخطيط المدعومة من منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، من أخطار هذه الأزمة المتفاقمة وأقرت بأن هذه المناطق العشوائية في العراق أضحت بؤراً للفقر، موصية بالإسراع بحلها من خلال تدابير عاجلة ورسم خريطة طريق لذلك، وأجرت عامي 2016 - 2017 مسحاً للتثبت من مواقع تجمعات السكن العـشوائي، وعامي 2021-2022 تم تحديث المسح المذكور أعلاه والذي تضمن إقامة عديد من الورش للتدريب على آلية تنفيذ المسح، وتشمل تحديث مواقع التجمعات العشوائية جغرافياً، وملء استمارة تحتوي على أعداد التجمعات العشوائية، وأعداد الوحدات السكنية العشوائية التقريبية في كل تجمع، إضافة إلى العائدية والاستعمالات (سكني، تجاري وخلافهما)، وتبنى هذا التقرير المنهجية في تنفيذ خطوات عمل تحديث المسح لإصدار النتائج عن المواقع وأماكن تركزها والبيانات الوصفية عن التجمعات العشوائية للوقوف على المشكلة لتقديم الحلول المناسبة والفعالة.

نتائج مخيبة لواقع السكن

وأطلقت وزارة التخطيط العراقية، أخيراً، نتائج مسح وتثبيت مواقع تجمعات السكن العشوائي في العراق التي استمرت سبع سنوات بالتعاون مع جهات دولية في مقدمتها الأمم المتحدة، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، كاشفة عن خريطة واقع السكن العشوائي في العراق التي أظهرت أن "محافظة بغداد الأعلى من ناحية التجمعات السكنية بأكثر من 1000 تجمع سكاني، والتي تشكل نسبة 23 في المئة من مستوى العراق والبالغة 4679 تجمعاً، وكان عدد ساكنيها قرابة ثلاثة ملايين و725 ألف نسمة". وقال وكيل وزارة التخطيط للشؤون الفنية الباحث ماهر حماد جوهان "ظاهرة السكن العشوائي باتت من الظواهر التي انتشرت بشكل واسع في العراق بعد عام 2003"، مبيناً أنها ظاهرة غير صحية تنذر بأخطار كبيرة على المستويين المعيشي والصحي، وتشكل بؤراً للفقر وانتشار الأمراض، مؤكداً أن الحكومة سعت إلى إيجاد الحلول التي تضمن السكن اللائق لقاطني هذه العشوائيات مع ضمان عدم المساس بالمخططات العمرانية والتصاميم الأساسية للمدن. أضاف "هذا المسح ومخرجاته والنتائج المترتبة عليه من معالجات تعد جزءاً من التزامات الحكومة في توفير السكن اللائق لجميع المواطنين والخدمات أيضاً".

الأمم المتحدة: الظاهرة تحد للحكومة

وأكدت ممثلة بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق باربرا إيغر أن هذا المسح أظهر نطاق ومستوى هذه المشكلة، إذ لدينا نحو أكثر من 4600 مستوطنة، وهذا لم يشمل محافظتي الأنبار وصلاح الدين وإقليم كردستان، مما يؤثر في قرابة ثلاثة ملايين عراقي أو أكثر، وقالت "إذا نفذنا إحصائية لجميع المحافظات، فهذا يعني أنها ستؤثر في نحو 10 في المئة من سكان العراق، وهذا المسح يبين لنا أن هذه المشكلة تعد وطنية وتؤثر في جميع المحافظات". وتابعت "هذا الأمر يعد تحدياً مركزياً لحكومة العراق عندما يكون لديها 10 في المئة من المواطنين يسكنون في مستوطنات عشوائية، وهذه المشكلة تؤثر أيضاً في شباب العراق"، مشددة على "وجوب توفر فرص عمل تتناسب مع سن هؤلاء والعيش بكرامة في هذا البلد ".

بغداد الحاضنة الأكبر للعشوائيات

وأعلنت وزارة التخطيط العراقية، وهي الجهة الحكومية القطاعية المسؤولة عن حركة الإسكان وواقع الاستيطان في العراق أن نتائج المسح التي خلصت إليها توصلت إلى أن "محافظة بغداد هي الأعلى من ناحية التجمعات السكنية، تليها محافظة البصرة 715 تجمعاً، في حين كانت محافظة النجف الأقل عدداً بـ89 تجمعاً عشوائياً، ثم محافظة المثنى".

وأشار المدير العام لاستراتيجية التخفيف من الفقر في وزارة التخطيط صباح جندي إلى أن "عدد سكان هذه التجمعات قدر بثلاثة ملايين و725 ألف نسمة، مما يشكل نسبة تتراوح بين ثمانية و10 في المئة من سكان العراق"، مبيناً أن ساكني محافظة بغداد هم الأكثر عدداً ويبلغ 846 ألف نسمة. وقال إن النواحي الأكثر عدداً هي ناحية مركز قضاء كركوك، نحو أكثر من 59690 وحدة سكنية، تليها ناحية بغداد الجديدة في محافظة بغداد ثم ناحية مركز قضاء البصرة. ولفت إلى أن المسح تضمن إنتاج وطباعة ما يقرب من 3762 خريطة على مستوى المحال لغرض تثبيت تجمعات السـكن العشوائي عليها، بالاعتماد على الصور الفضائية الحديثة.

ولا تتوفر حلول سريعة لدى زارة الإسكان والتعمير العراقية لتوفير مساكن وبناء أحياء جديدة لحل هذه الأزمة المتفاقمة التي ظلت تنمو سلباً خلال 20 سنة خلت، تحت أنظار المسؤولين في الحكومات المتعاقبة، ويتوقع استفحال ظاهرة السكن العشوائي في موازاة زيادة عدد السكان الذي وصل إلى أكثر من 42 مليون نسمة.