ملخص
تمنح المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الرئيس الأميركي السلطة الوحيدة لإصدار العفو عن الجرائم "ضد الولايات المتحدة"، لكن هذه السلطة هي فقط للتهم الفيدرالية
على رغم أن الاتهامات الـ13 التي وجهتها هيئة محلفين في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا ضد دونالد ترمب ليست سوى أحدث لائحة اتهام تضاف إلى قائمة طويلة من التهم الجنائية التي تواجه الرئيس السابق في ولايات قضائية عدة التي يدفع فيها ببراءته، إلا أن كثيراً من خبراء القانون يرون أن الاتهامات الجديدة في جورجيا تمثل أكبر تحد قانوني يواجه ترمب حتى الآن، وقد تكون الوحيدة التي تودعه السجن إذا دين في المحكمة حتى لو فاز بالانتخابات الرئاسية. فما هذه التحديات؟ وهل ستزيد الاتهامات من التأييد الذي يحظى به داخل الحزب الجمهوري؟ وهل يمكن له أن يعفو عن نفسه إذا فاز بالرئاسة ودانه القضاء في ولاية أميركية؟
أصعب تحد
من المرجح أن يكون التحقيق الذي استمر لسنوات مع الرئيس السابق دونالد ترمب وحلفائه، وأشرفت عليه فاني ويليس المدعية العامة لمقاطعة فولتون في أتلانتا بولاية جورجيا، هو أصعب تحد قانوني لترمب حتى الآن، ليس فقط لصعوبة الدفاع عن التهم، ولكن أيضاً لأنه لا يمكن لأي رئيس أن يعفي ترمب من العقوبة، كما لا توجد سلطة عفو ممكنة الآن في ولاية جورجيا للعقوبة التي تصل في حدها الأدنى إلى خمس سنوات في السجن، وقد تصل إلى 20 عاماً.
وفي حين تنتظر الولاية الرئيس السابق للمثول في قاعة محكمة في جورجيا، ويواصل ترمب وحملته شجب التهم والاستفادة منها في جمع مزيد من الأموال لحملته الانتخابية، سعى خبراء قانونيون إلى تفسير خطورة الاتهامات الـ13 الموجهة للرئيس السابق و18 متهماً آخرين، التي تشمل انتهاك قانون تأثير الابتزاز والمنظمات الفاسدة (المعروف اختصاراً باسم ريكو) ومحاولة قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020 في ولاية جورجيا الأميركية، خصوصاً من خلال ممارسته ضغوطاً على مسؤولين عن الاقتراع.
اختلاف الابتزاز عن التآمر
مع توجيه تهمة انتهاك قانون تأثير الابتزاز والمنظمات الفاسدة أو "ريكو"، تقدم المدعية العامة ويليس سياقاً يعني أن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص المتورطين في هذه القضية، لكنهم لم يجلسوا بالضرورة في مرحلة ما ليتفقوا على هذا العمل الإجرامي، إذ ستكون قضية مؤامرة تقليدية في هذه الحالة، وفقاً لأستاذ القانون المساعد في جامعة ولاية جورجيا أنتوني مايكل كريس. ولهذا فهي ترسم صورة لأشخاص يغمزون ويومئون برؤوسهم ويعملون لتحقيق هذا الهدف النهائي المتمثل في قلب الانتخابات، ولكن من دون وجود نوع من الاتفاق الصريح.
وبينما يسمح لها قانون "ريكو" بربط كثير من الأشخاص الذين يزعم أنهم متورطون في هذا النهج، فسيتعين عليها كي تكون قادرة على توجيه تهم التآمر، أن يكون لديها اتفاق صريح وعمل ملموس لتعزيز تلك المؤامرة.
غير أن ولاية جورجيا والمدعية العامة لمقاطعة فولتون استخدما قانون "ريكو" لمقاضاة الأشخاص المنخرطين في أنواع شديدة من النشاط العنيف، وبخاصة مع عصابات الشوارع والمافيا، كما استخدم في سياقات أخرى مثل محاكمة الغش في مدرسة أتلانتا العامة عام 2015، عندما تم اتهام عدد من المعلمين بالتلاعب في درجات اختبار الطلاب، ودين 11 من بين 12، متهماً بالابتزاز وحكم عليهم بعقوبات مختلفة، بما في ذلك ما يصل إلى 20 عاماً في السجن بسبب صعوبة الدفاع عن تهم الابتزاز التي تعد الأداة المفضلة للمدعين العامين.
أخطار على ترمب
يعتبر قانون "ريكو" في جورجيا أكثر شمولاً من النسخة الفيدرالية للقانون، إذ إنه يسمح بتغطية كثير من أنواع السلوك المختلفة، مما يجعل من السهل جداً ربط مجموعة واسعة من الأشخاص في مشروع إجرامي واحد وهو الأداة المفضلة للمدعين العامين، لكنه يقدم أيضاً طريقة جديدة، لا يعتاد عليها ترمب وفريق دفاعه، حيث يقدم القانون حافزاً كبيراً للأشخاص المدرجين في قائمة المدعى عليهم للتعاون مع الولاية وتقديم الأدلة، من أجل الإفلات من العقاب وتأمين صفقات مواتية.
ولهذا يشكل هذا القانون الخطر الأكبر على ترمب، وتكمن احتمالية إدانته في مقاطعة فولتون في ذلك، بالنظر إلى أن الأشخاص الآخرين المتورطين في هذا العمل ليسوا جميعاً أسماء مألوفة، ويفترض أن لديهم عائلات وأصدقاء ولا يريدون الذهاب إلى السجن، ومن المرجح أن يجدوا أنفسهم في وضع يسمح لهم بالإدلاء بشهادة ضد ترمب.
وبموجب قانون "ريكو"، تقدم ويليس انتهاكاً لقانون الانتخابات باسم آخر، على اعتبار أن ما يزعم بأن ترمب والمتهمين الآخرين قاموا به هو انتهاك لحق سكان جورجيا في التصويت وفرز أصواتهم، وعدم تعرض موظفي الاقتراع للمضايقة، وعدم جعل الأشخاص يدلون بتصريحات كاذبة حول الانتخابات في المحاكم، وعدم جعل الناس يتلاعبون بالانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صعوبة العفو
تمنح المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الرئيس الأميركي السلطة الوحيدة لإصدار العفو عن الجرائم "ضد الولايات المتحدة"، لكن هذه السلطة هي فقط للتهم الفيدرالية، وليس للتهم التي توجهها الولايات، ولذلك يمكن للرئيس أن يعفو من جانب واحد عن ترمب وإسقاط التهم الفيدرالية الناشئة عن كل من قضية الوثائق السرية في فلوريدا، والتحقيق في واشنطن العاصمة بشأن الجهود المبذولة لإلغاء انتخابات 2020، وأعمال الشغب في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021.
وإذا كان للرئيس القادم سواء كان ترمب أو أي مرشح جمهوري آخر سيمنح الرئيس السابق عفواً، فإنه لا سلطة للرئيس على قضيتي نيويورك وجورجيا، ومع ذلك يمكن لحاكم نيويورك إصدار عفو عن جرائم الولاية بحسب القانون، وهو ما قد يبرئ ترمب في القضية المتعلقة بمدفوعات شراء صمت الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز عام 2016، التي أدت إلى اتهامات بتزوير سجلات تجارية، وهي قضية يقول الخبراء إنها الأقل احتمالاً من بين القضايا الأربع التي تواجه ترمب، أن تؤدي إلى عقوبة السجن للرئيس السابق.
لكن الحاكم في جورجيا ليس لديه سلطة العفو والتي يمتلكها حصرياً مجلس ولاية جورجيا للعفو والإفراج المشروط، وهو المشرف أيضاً على جميع طلبات الرأفة.
وعلى رغم أن الحاكم مسؤول عن تعيين أعضاء مجلس ولاية جورجيا للعفو بموافقة مجلس الشيوخ في الولاية، إلا أن الحاكم وأعضاء مجلس الشيوخ ليس لديهم أي تأثير على عملية صنع القرار في المجلس الذي يخدم أعضاؤه فترات متداخلة بينهم مدتها سبع سنوات، كما أن ترمب لن يكون مؤهلاً حتى للتقدم بطلب للحصول على عفو في جورجيا إلا بعد خمس سنوات في الأقل من إتمام أي حكم، فضلاً عن أنه لا يمكن النظر في العفو عن أي فرد إذا كانت لديه أي تهم أخرى معلقة. لذلك لا يمكن لترمب الحصول على العفو، وقد يمضي ترمب وقتاً طويلاً في السجن إذا دين بتهم في جورجيا إذ يمكن أن تصل عقوبة التهم الموجهة إلى موظف عمومي لانتهاك قسمه إلى ثلاث سنوات، بينما قد تصل عقوبة تقديم مستندات مزورة إلى 10 سنوات.
وإذا كان بوسع حكومة ولاية جورجيا اتخاذ إجراءات لمحاولة منح الحاكم سلطة العفو، وفق ما طالب به على شبكة "فوكس نيوز" مايك ديفيس، وهو رئيس تجمع قانوني محافظ في الولاية، إلا أنه من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى تعديل دستوري، لأن سلطة مجلس العفو معلنة في دستور الولاية بحسب موقع "ذا هيل"، كما أن الحاكم الحالي برايان كيمب رفض مواكبة مزاعم ترمب بتزوير أصوات الناخبين عام 2020، وانتقد الرئيس السابق من حين لآخر في السنوات التي تلت ذلك، وغرد يوم الثلاثاء مؤكداً أنه لم يتمكن أحد من إثبات أي دليل على وجود تزوير واسع النطاق في انتخبات جورجيا، التي قال إنها نزيهة وستظل كذلك طالما أنه حاكم الولاية.
لا تأثير في قاعدة ترمب
وعلى رغم التحديات القانونية المتزايدة التي تهدد بإفساد حملة إعادة انتخاب ترمب، يقول الجمهوريون إنهم لا يعتقدون أن ذلك يغير إرادة الناخبين الأساسيين في الوقت الحالي، وخصوصاً قاعدة مؤيدي ترمب، إذ يشير المحلل الاستراتيجي في الحزب الجمهوري في أريزونا وخبير حملة ترمب بريان سيتشيك إلى أن عدد لوائح الاتهام أو حتى محتوى لائحة الاتهام ليس له أي تأثير في أرقام تأييد ترمب، لكنه أوضح أن المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تهز ناخبي ترمب هي أن يخسر في ولايتي أيوا أو نيو هامبشاير، إذ تعقد أولى الانتخابات التمهيدية بداية العام المقبل، وإذا حدث ذلك فإن أرقام تأييد الرئيس السابق ستتغير بسرعة.
وفي حين أن ترمب يواجه أيضاً لوائح اتهام من ثلاثة تحقيقات أخرى تتعلق بدفع أموال لشراء صمت ممثلة إباحية، وسوء تعامله المزعوم مع وثائق سرية فيدرالية، وعواقب انتخابات 2020، وهجوم الكابيتول في السادس من يناير 2021، فإن ناخبي الحزب الجمهوري يتجاهلون المشكلات القانونية، ولا تزال استطلاعات الرأي تظهر أن ترمب يقود بقية الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لعام 2024، مما يؤكد حقيقة أن الإطاحة بالرئيس السابق قد تتطلب أكثر من توجيه اتهامات متعددة.
ويتوقع الخبير الاستراتيجي في الحزب الجمهوري كيث نوغتون، ألا يكون هناك كثير من التحرك حالياً بسبب الاتهامات الأخيرة لكن مع مرور الأشهر، من المحتمل أن نرى بعض التآكل في دعم ترمب.
وشجب الرئيس السابق والمرشح الأول الحالي لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة عام 2024 مراراً وتكراراً جميع التهم التي تواجهه - في جورجيا ونيويورك وفي المحاكم الفيدرالية - باعتبارها ذات دوافع سياسية لإلحاق الأذى به في الانتخابات، وردد كثيرون في الحزب الجمهوري مزاعمه.
حماسة لا تفتر
ومنذ إعلان لائحة الاتهام الشاملة في جورجيا، واصل ترمب وحملته ربط مشكلاته القانونية وقضية حركته السياسية، باستخدام التهم كأداة لتكريس قاعدته، إذ قالت حملة ترمب إن الاتهامات كانت محاولة "لقمع اختيار الشعب"، وواصلت وصفها بأنها خاطئة ولا تعبر عن القيم الأميركية.
وبحسب كبير مسؤولي العمليات في مكتب سكرتير عام ولاية جورجيا غابي ستيرلينغ، في مقابلة على قناة (أي بي سي نيوز)، فإن ترمب نجح في أن يجعل من نفسه "ضحية"، وكثير من الأميركيين يسيرون وراءه لأنهم يشعرون أن بعض هذه الأشياء والمحاكمات مبالغ فيها إلى حد ما.
ما يتبقى هو كيف ستوازن حملة ترمب بين التقويم القانوني للرئيس السابق والتقويم السياسي، إذ من المتوقع أن يكون الاثنان في مسار تصادمي مع اقتراب منافسات الانتخابات التمهيدية الحاسمة في أوائل العام المقبل.