ملخص
هل تعمد الموفد الرئاسي الفرنسي "إهانة" النواب اللبنانيين؟
في إطار التهيئة الفرنسية لإجراء حوار بين اللبنانيين تحت عنوان "طاولة عمل"، وجه المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان عبر السفارة الفرنسية في بيروت، مجموعة أسئلة إلى 38 نائباً هم رؤساء التكتلات النيابية والنواب المستقلون مطالباً بالإجابة عنها قبل نهاية أغسطس (آب) الجاري، ليحمل خلاصته منها عند عودته إلى لبنان في جولته الثالثة المرتقبة بداية الشهر المقبل.
وأثارت تلك الرسالة استياء عدد كبير من النواب الذين اعتبروا أنها أشبه بورقة امتحان تتضمن سؤالين، يطلب فيها لودريان من النواب رداً مكتوباً عليهما بعدما أعلن أنه يقترح دعوتهم لحوار في سبتمبر (أيلول) المقبل لبحث الأزمة الرئاسية.
ووفق النسخة المسربة عن مضمون الرسالة، كان السؤال الأول "ما هي بالنسبة إلى فريقكم السياسي المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة؟"، أما السؤال الثاني فكان "ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟".
تمرد المعارضة
الرد الأول والأقوى على رسالة لودريان جاء من قوى المعارضة التي توحدت على رفض ورقته، حين أعلن 31 نائباً ما يشبه "العصيان" بوجه الدور الفرنسي الذي تعتبره مصادرهم أنه يتماهى كلياً مع مصالح "حزب الله".
وفي بيان صادر عن "قوى المعارضة في مجلس النواب"، وضع مجموعة نقاط أساسية اعتبرها مدخلاً إلى أي نقاش سياسي، وأهمها المطالبة بتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن رقم 1559 و1680 و1701، وحصر السلاح بيد الدولة، ورفض الحوار قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك الموافقة على "مواصفات الرئيس" كما صدرت عن اجتماع الدوحة الأخير، معتبراً أن أي صيغة تحاور مع "حزب الله" وحلفائه، الذي يعمل لإلغاء المؤسسات بما يضمن مشروع هيمنته على لبنان، الأمر الذي يدفعنا إلى التحذير من فرض رئيس للجمهورية يشكل امتداداً لسلطة الحزب.
وأضاف البيان أنه "آن أوان الحسم ولم يعد هناك أي مجال لإضاعة الوقت أو لترتيب تسويات ظرفية تعيد إنتاج سيطرة (حزب الله) على الرئاسات الثلاث والبلد، بل بات واجباً على قوى المعارضة كافة التحري الجاد عن سبل تحقيق سيادة الدستور والقانون وصون الحريات على كل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد الدولة بقواها العسكرية الشرعية، والوصول إلى سياسة خارجية تعتمد الحياد حماية للبنان، وإيجاد سبل لإنقاذ القضاء والادارة والاقتصاد والوضع المالي وإصلاحها".
تصويب البوصلة
وفي السياق قال الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، على منصة "إكس" إنه "من المفيد لفت نظر لودريان وأي جهة تسعى إلى حل الأزمة الرئاسية وتستطلع آراء الكتل، أن أي حوار لن يكتسب مصداقيته إلا إذا بدأ من حيث انتهت الحوارات السابقة وحازت مقرراتها إجماعاً داخلياً وتبنياً أممياً ودولي".
ورأى أنه على الرئيس المقبل أن يتعهد لدى إعلان ترشيحه بالعمل على تنفيذ مقررات الحوار السابقة وخاتمتها إعلان بعبدا، وقال "طبعاً سترفضه الممانعة ولتسع فرنسا إلى تصويب اتجاه البوصلة".
بيانات متعددة
وأكد مصدر مسؤول في حزب "القوات اللبنانية"، أنه تم إبلاغ لودريان خلال زيارته الأولى عدم الموافقة على إجراء حوار حول انتخاب رئيس للجمهورية، وأن الأمر نفسه تكرر خلال جولته الثانية في يونيو (تموز) الماضي، حين عرض المبعوث الفرنسي على رئيس القوات سمير جعجع عقد "اجتماع عمل" بين القوى السياسية اللبنانية لمناقشة المواصفات المقبولة لرئيس الجمهورية المقبل، فكان الجواب بالرفض أيضاً إذ برأيه أن المواصفات باتت واضحة سواء في بيان نيويورك الثلاثي (السعودية وفرنسا والولايات المتحدة) الذي صدر في سبتمبر (أيلول) 2022، أو بيان الدوحة الخماسي الذي ضم إليهم قطر ومصر.
ولفت المصدر إلى أن جعجع اقترح على لودريان التواصل بشكل ثنائي مع القوى السياسية اللبنانية بدلاً من "الحوار" الذي تحاول فرنسا إجراءه في سبتمبر المقبل، منتقداً خطوة طرح أسئلة على النواب في البرلمان وطلب الإجابة عنها خطياً، معتبراً أنها خطوة غير موفقة، وأن المعارضة كانت واضحة بتأكيدها رفض استبدال الدستور بحوارات جانبية.
مهمة فرنسية
وفي الإطار اعتبر النائب المستقل ميشال ضاهر، أن طلب الموفد الرئاسي إلى لبنان جان إيف لودريان الإجابة الخطية عن أسئلة وزعت على النواب عبر السفارة الفرنسية هو أمر معيب ومهين، مؤكداً أنه رفض الإجابة الخطية عن الرسالة، "احتراماً لمجلس النواب والناخبين الذين انتخبوه وكل اللبنانيين"، مشيراً إلى أن أبرز مهمات النائب انتخاب رئيس يجسد طموحات الناخبين ويضمن سيادة واستقلال البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب ضاهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العودة إلى الوعود التي أطلقها أثناء زيارته لبنان عقب تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، لا سيما في ما يتعلق بمسار التحقيقات ومحاسبة القوى السياسية التي تعيق مسار العدالة والإصلاحات في البلاد.
وشدد النائب البرلماني على أن "عملية انتخاب رئيس الجمهورية وبناء الدولة وإصلاح المؤسسات يعرفها لودريان جيداً"، لافتاً إلى أنه "إذا لم يقدر الفرنسيون على تنفيذ هذه المهمة، فمن الأسلم عدم تضييع كل هذا الوقت وهدره".
وأضاف ضاهر أنه من الأجدى بالفرنسيين الضغط على القوى المعرقلة لانتخاب رئيس وحثها على عدم تطيير نصاب الجلسات النيابية كما حدث في 12 جلسة خلال عام واحد، الأمر الذي يتسبب بالفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية وينسحب على عديد من المؤسسات الأساسية للبلاد.
المندوب السامي
في حين اعتبر النائب السابق فارس سعيد، أنه ليس من الممكن أن يعتمد لودريان آلية الرسالة الخطية والتوقيع الشخصي من كل نائب، لو لم يحصل على موافقة مسبقة من رؤساء الكتل والأحزاب، متسائلاً عن أسباب منح هذا التفويض "للمندوب السامي"، مستغرباً عدم قيام القوى الداخلية بأي تحرك والاكتفاء بإطلاق المواقف والشعارات.
وأشار سعيد إلى أن الإصرار الفرنسي على التوقيع الخطي مسبقاً يؤكد أن "الكذب هو ملح الرجال لدى معظم النواب ومن هنا إلزامهم توقيعاً خطياً".
اعتصام مفتوح
وفي السياق اعتبر النائب عن تكتل التغييريين ملحم خلف، أن الحوار الذي تحاول فرنسا رعايته بين القوى السياسية اللبنانية يتناقض مع الدستور اللبناني الذي ينص على آلية واضحة لانتخاب رئيس للجمهورية، كاشفاً أنه كان واضحاً بالإجابة عن رسالة لودريان برفض مبدأ "الحوار" على استحقاقات دستورية مثل انتخاب رئيس أو تكليف رئيس للحكومة.
وأكد خلف أن معظم النواب "التغييريين"، ليسوا مع استبدال تطبيق الدستور بحوار خارج المؤسسات سواء كان برعاية خارجية أو داخلية، مشدداً على ضرورة العودة إلى الآلية الدستورية لانتخاب رئيس للبلاد، عبر فتح دورات متتالية للجلسات، مشدداً أن اعتصامه المستمر مع النائبة نجاة صليبا داخل البرلمان مستمر ويهدف للضغط على رئيس المجلس نبيه بري والكتل النيابية عدم إعاقة انتخاب الرئيس.
مفاجأة إيجابية
في المقابل أكد النائب بحركة أمل، قاسم هاشم، أن زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان مازالت قائمة وفق الموعد المحدد في الأسبوع الأول من سبتمبر المقبل، وأن الحركة ستلبي أي حوار يدعو إليه.
وأضاف هاشم "نحن مع أي حوار لأننا أصحاب هذه الفكرة يوم دعا إليها رئيس المجلس نبيه بري لتجنب كل فترة الشغور الطويلة من خلال الحوار الوطني، ولكنها رفضت"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن تغييب منطق الحوار والمشاركة، لكن عندما تكون هناك دعوة فإننا ننتظر الاطلاع على آلية الحوار وكيفية إدارته قبل اتخاذ القرار الذي يتماشى مع موقفنا".
ويرى هاشم أن لبنان بلد تحكمه كثير من المفاجآت في الملفات والقضايا، وقد تكون هناك مفاجأة إيجابية ويحدث الاستحقاق الرئاسي في أي وقت إذا توفرت الظروف المناسبة.