Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد الشحات يواجه مفهوم الغذامي في النقد الثقافي

 تحديات المنهجية والهوية والجندرية تشغل الناقد وتطرح عليه أسئلة المستقبل  

لوحة للرسام  فؤاد حمدي (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

تحديات المنهجية والهوية والجندرية تشغل الناقد وتطرح عليه أسئلة المستقبل

بعد كتابه الأول "الراوي في روايات محمد البساطي"، الذي بدا فيه متأثراً بالطرح البنيوي، بدأ انشغال الناقد المصري محمد الشحات بالنقد الثقافي، وقد تجلى ذلك في كتبه "هوامش ثقافية: تأملات في نصوص ومفاهيم نقدية"، و"سرديات بديلة... مقاربة ثقافية"، و"خارج المنهج... مقاربات ثقافية للأدب والنقد"، و"الدراسات الثقافية... تقاطعات النظرية والنقد الثقافي"، وأخيراً "النظرية وتحديات الناقد الثقافي... مساءلات وممارسات في الخطاب الأدبي والنقد العربي" (دار أثر- السعودية). ينطلق الشحات من السؤال بشأن ما يميز النقد الأدبي باتجاهاته العديدة عن النقد الثقافي، وهل يعد الأخير وريثاً لما سبقه، كما ذهب عبدالله الغذامي في كتابه الرائد عن النقد الثقافي؟ ولا يتوقف الباحث أمام هذا السؤال فحسب، بل يطوف بالمتلقي لعرض ما سماه تحديات الناقد الثقافي وأسئلة المستقبل، ويقسمها إلى خمسة تحديات تتعلق بالمنهجية، والمرجعية، والهوية، والجندرية، والأجناسية، وما يندرج تحت كل تحد من موضوعات فرعية.

ينفي محمد الشحات هذا التناقض المزعوم بين النقد الأدبي والنقد الثقافي، مؤكداً أن الفصل بينهما إجرائي محض، إذ تبدأ الممارسة بتحليل النصوص طبقاً لتعريف محمد مندور للنقد الأدبي بأنه "فن تحليل النصوص والتمييز بين الأساليب". وبعد الانتهاء من هذا يبدأ البحث (طبقاً للنقد الثقافي) عن الأنساق المضمرة خلف هذه النصوص. والحقيقة أن النقد الثقافي (في شطره الأعظم) أقرب إلى النقد البنيوي الذي لا يرى إلا النص، لكنه يختلف عنه في استكشاف ما وراء النص دون مغادرته طبقاً لمقولة دريدا: "ليس ثمة شيء خارج النص"، التي اعتبرها ليتش شعاراً للنقد الثقافي. غير أن محمد الشحات يبدي ملاحظة مهمة وهي ضرورة وضع النص في سياقه الأوسع، وهو دائرة الثقافة أولاً وآخراً، وإلا تحول إلى كيان "أصولي" مغلق.

روافد النقد الثقافي

نستطيع أن نقر الآن مع الباحث أن النقد الثقافي امتداد للنقد الأدبي، فليس هناك ما يسمى بالقطيعة المعرفية بينهما التي أوحى بها الغذامي في كتابه "النقد الثقافي: قراءة في الأنساق العربية"، حين يطالب بضرورة إحداث نقلة نوعية للفعل النقدي من كونه الأدبي إلى كونه الثقافي". يرفض الشحات هذا، ويرى أن "مركبة النقد الثقافي" لا يمكن أن تنطلق في فراغ سديمي، بل إن روافده تنتمي إلى مرجعيات المنجز النقدي لمفكرين يساريين بنوا جسوراً بين الأدب والثقافة والاجتماع والسياسة والتاريخ. على أن أهم ما يميز النقد الثقافي هو توسيعه لمفهوم النص الذي لم يعد قاصراً على النصوص الأدبية، بل اعتبر الثقافة نفسها نصاً ينبغي قراءته وتوضيح مظاهر تبديه خلف النصوص الأدبية دون تفرقة بين الثقافات الرفيعة والشعبية. وأخيراً يجمل الباحث (طبقاً لما أكده ريتشارد وولين) المدارس التي أسست مقولاتها للنقد الثقافي وهي: مدرسة فرانكفورت والوجودية وما بعد البنيوية، مستخلصاً تعريفه بأنه "ممارسة في فضاء الما بعد (يقصد ما بعد الحاثة وما بعد البنيوية) ونشاط معرفي بيني ذو حمولة فلسفية ترفض أحادية المنهج".

الدراسات العربية

يذهب الباحث إلى أن ما يحدث في العالم هو مجرد "مقاربات نقد – ثقافية"، ما يعني عدم المزج الكامل بين النقد الأدبي والثقافي، فكل شيء في النقد الثقافي هو نص قابل للتحليل واكتشاف ما يضمره. ومع ذلك تظل هناك محاولات يمكن البناء عليها ومنها ما قدمه الناقد البحريني نادر كاظم تحت عنوان "تاريخ الأشياء: عن الشارع والمقبرة وأشياء أخرى"، وإن غلبت عليها القراءة الثقافية بالمعنى الأنثروبولوجي، على العكس من دراسته "تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيل العربي الوسيط" التي تنتمي إلى استراتيجيات النقد الثقافي بشكل واضح. مع ملاحظة أن هذين الكتابين جاءا بعد كتاب الغذامي التأسيسي الذي قدم تعريفه للنقد الثقافي بوصفه فرعاً من فروع النقد النصوصي العام. إن النقد الثقافي ليس معنياً بكشف الجمالي كما هو شأن النقد الأدبي وإنما همه كشف المخبوء تحت أقنعة الجمالي. وعلى رغم أهمية ما قدمه الغذامي ووجه بانتقادات حادة كما في كتاب "نقد ثقافي أم حداثة سلفية؟" لسعيد علوش، الذي يصف فيه النقد الثقافي بأنه "ثورة أكاديمية مجهضة". ويدرج علوش كتاب "التمثيل الثقافي بين المرئي والمكتوب" لماري تريز عبد المسيح، باعتباره ممارسة ثقافية تقوم على التضمين لا التصريح، وكذلك كتابات نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي الذي يرى أن النقد الثقافي يدخل في إطار خطاب نقدي عام هو "النقد الحضاري".

والحق أن حنفي مسبوق في هذا بما قدمه شكري عياد تحت عنوان "الرؤيا المقيدة... قراءات في النقد الحضاري". ويرى حسن حنفي أن هناك أربع حلقات متداخلة من الأصغر إلى الأكبر: النقد الأدبي، والنقد الثقافي، والنقد الاجتماعي، والنقد الحضاري، وتبدأ من مركز واحد هو النص وتنتهي إلى دائرة واحدة هي الواقع. على أننا لا نستطيع (وهذا ما لاحظه الشحات) اعتبار النقد الاجتماعي أعم من النقد الثقافي. وفي النهاية نشير إلى أحدث الدراسات الثقافية ونعني بها كتاب الرواية العمانية في ميزان النقد الثقافي" لخالد البلوشي الذي قدم فيه مفهومه للنقد الثقافي ثم قام بتحليل عينة دقيقة من الروايات العمانية.

الحداثة وما بعدها

كثر الحديث عن ضرورة وجود نظرية نقدية عربية، وعلى رغم النوايا الطيبة في هذه الدعوة، فإننا لا نستطيع التعاطي معها. فالنظرية النقدية معطى إنساني لا ترتبط بقطر محدد، كما أنها دعوة لا تفترق عن دعوة العمل على وجود نظرية إسلامية في النقد والأدب. ولتجاوز هذا النزوع فإن ما ينبغي على الناقد العربي هو "التفاعل الخلاق والمساءلة الواعية لكل أشكال الخطاب المتداولة في النقد العالمي". وعليه فليس ثمة ضرورة لوجود نظرية نقدية عربية تنطلق بها مركبة النوستالجيا إلى القرنين الرابع والخامس الهجريين حين بزوغ العقل الفلسفي العربي. ناهيك عن أن البلاغة العربية لم تكن بعيدة من التأثيرات غير العربية. فمن المعروف تأثير كتاب "فن الشعر" لأرسطو في البلاغة العربية على نحو ما أوضح شكري عياد في أطروحته للدكتوراه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعتبر ما بعد الحداثة رد فعل ضد النظريات الكبرى، ولهذا فإنها تنكر كلاً من الحداثة وإنجاز نظرية علمية في صيغة مشروع متعين. وللتفريق بين الحداثة وما بعدها يقول ريتشارد روتي: "إن الفرضية الحداثية تتمثل في أنه كان لدينا جوهر زجاجي، كان من الممكن إدراكه وتفسيره بعقلانية من خلال تقنية معينة، لكن التفكير ما بعد الحداثي هو أن نحطم هذا الزجاج". أي إن ما بعد الحداثة لا تقول بوجود حقيقة كونية ثابتة. وبتأمل هذه الرؤية نلاحظ أنها مظلة معرفية للنقد الثقافي بوصف ما بعد الحداثة "المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة"، مما وسمها بميزة أساسية وهي "محو الحدود بين الثقافات العليا والدنيا"، ورفع الحواجز بين التخصصات في الممارسات الإنسانية.

وربما نلاحظ عولمة هذا التوجه وهو ما جعل لجوء النقاد العرب إلى المصادر الغربية عملاً طبيعياً. على أن الشرط الأساسي في كل هذا، هو التعامل بندية، وهو ما تحقق لرواد النهضة العربية منذ الانفتاح على الحضارة الغربية. ولا يكتفي محمد الشحات في كتابه المهم بتقديم الأطروحات النظرية، بل يحاول مقاربة النصوص الروائية من هذا المنظور الثقافي. وفي هذا السياق يتوقف أمام ثلاث روايات تمثل مراحل مختلفة هي: "الباب المفتوح" للطيفة الزيات، و"العربة الذهبية لا تصعد للسماء" لسلوى بكر، و"الخباء" لميرال الطحاوي. وتحت عنوان "تحدي الأجناسية" يقدم قراءة ثقافية لبزوغ قصيدة النثر وما اتسمت به من شعرية المدينة وتشظي الزمن وتفكيك النظام وتجاوز نقاء النوع الأدبي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة