Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل لدى ريشي سوناك حقا ما يحتاج إليه لخوض معركة قذرة؟

لقد جعلنا ميله الواضح إلى اليمين في ما يتعلق بالهجرة والحروب الثقافية نتساءل من هو ريشي الحقيقي؟

انتقل سوناك أخيراً إلى اليمين في بعض القضايا وهي خطوة يعتقد كثير من الناس أنها لا تدل على شخصيته (سايمون داوسون/10 داونينغ ستريت)

ملخص

يتساءل الناخب البريطاني من يكون ريشي سوناك الحقيقي؟ حتى وقت قريب، كان ينظر إليه على أنه رجل وسطي كفء ولكنه أخيراً بدأ ينحو إلى اليمين والمواقف التي تبعد كثيراً من ناخبي حزبه

عندما توفي نايجل لوسون في أبريل (نيسان)، سارع ريشي سوناك إلى تذكر أنه عندما عين وزيراً للخزانة كان من بين أول ما فعله تعليق صورة لسلفه من عهد تاتشر فوق مكتبه.

غير أن سوناك لم يذكرنا أنه انتقى أيضاً صوراً شخصية لهيو غايتسكيل من حزب العمال وويليام غلادستون، رئيس الوزراء الليبرالي الذي شغل المنصب لأربع فترات. وفيما كان سوناك معجباً بارتياب غايتسكيل في شأن التكامل الأوروبي والسياسة المالية المحافظة لغلادستون، فقد كان قراره بعرض صور سياسيين من ثلاثة أحزاب مختلفة كاشفاً: يعرف سوناك ما يؤمن به ولكنه أحياناً يتركنا بمفردنا نخمن حقيقة ما يهجس به.

صورته التي يقدمها للجمهور هي صورة "ريشي العاقل"، وهو مؤدب ذو نزعة دولية يشعر بالانتماء على حد سواء في كاليفورنيا أو لندن، وهو تكنوقراطي مدمن على العمل مع قوائم إكسيل التي تسعده أكثر من إلقاء خطبة رنانة. وهو أيضاً "ريشي الثري"، على رغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الناخبين وإن لم يكترثوا لثروة عائلته، إلا أنهم قلقون من أنه "بعيد من عالمهم" ولا يمكن أن يشعر بما يكابدونه في أزمة كلفة المعيشة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد فاقم سوناك من مشكلاته بأفعال سخيفة مثل ملء سيارة شخص آخر بالوقود [من طريق الخطأ] وعدم معرفة كيفية استخدام الدفع باستخدام تقنية الدفع اللاتلامسي.

إلا أن السؤال الأهم هو من يكون ريشي "السياسي حقاً"؟ حتى وقت قريب، كان ينظر إليه على أنه رجل وسطي جاء بالكفاءة اللازمة بعد الأداء الذي قدمته ليز تراس وكان أشبه بعرض للهواة. تحقيقه الاستقرار بعد الفوضى، عزز الشعور بأن سوناك معتدل يعمل على إزالة الفوضى التي أحدثتها الليبرالية اليمينية المتهورة. وعلى رغم أنه دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، فإن سوناك كان أكثر براغماتية في تنفيذه من بوريس جونسون أو تراس وأعاد بناء جسور الاتحاد الأوروبي التي أحرقاها.

وفي أيامه الأولى رئيساً للوزراء، توجه في استراتيجيته إلى أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي من قاطني منطقة الجدار الأزرق لحزب المحافظين في الجنوب أكثر مما فعل إزاء داعمي الخروج من قاطني الجدار الأحمر [مناطق الدعم التقليدي لحزب العمال]. كان الاستراتيجيون في حزب المحافظين يأملون في أن يتمكن من اجتذاب كليهما بنجاح، وأن ترفع شعبيته مستوى الحزب الذي عانى أضراراً فادحة لحقت بسمعته في ظل القيادات السابقة. إلا أن العكس هو ما حصل. "لقد جره حزب المحافظين إلى الأسفل"، وذلك بحسب ما ذكره لي أحد المطلعين على بواطن الأمور في حزب المحافظين.

لم تكن استراتيجيته ناجحة، ومع تقدم حزب العمال بـ20 نقطة في الاستطلاعات، كانت إعادة التفكير أمراً لا مفر منه هذا الخريف. بدأ الأمر مبكراً: كان الانتصار غير المتوقع لحزب المحافظين في الانتخابات الفرعية في أوكسبريدج وساوث روسليب بمثابة نقطة انطلاق لمزيد من الهجمات القوية بقيادة سوناك شخصياً على حزب العمال، إذ رسم سوناك خطوطاً فاصلة بين الحزبين الرئيسين في شأن قضايا البيئة والهجرة وحقوق المتحولين جنسياً، مع مزيد من الوعود في شأن الجريمة و"رأسمالية تيار ووك" [مصطلح يشير إلى شكل من أشكال التسويق والإعلان التي تتعلق بوجهات النظر الاجتماعية والسياسية المرتبطة بالعدالة الاجتماعية وقضايا الناشطين]، وذلك بهدف حشر حزب العمال في الزاوية أمام الرأي العام.

وعليه، لم يعد سوناك ذلك الرجل الوديع. وفي حديثه عن مسألة قوارب المهاجرين الصغيرة، صرح قائلاً: "إن حزب العمال ونفراً من المحامين وعصابات إجرامية - كلهم في الخندق نفسه، يدعمون نظام الاستغلال الذي يتربح من إيصال الناس إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني".

وقد شهدت تغريدته تفاعلاً وهذا ما أريد منها من أجل تضخيم الرسالة. ولم يكن ذلك لمرة واحدة، إذ كان من دواعي سرور حلفائه التعقيب على هذه اللقطة الافتتاحية فيما ستكون حملة انتخابية طويلة وقذرة. رئيس الوزراء الذي كان شعاره ذات يوم "ثقافة المشاريع" لتعزيز النمو يشن الآن "حرباً ثقافية"، كانت تغريدة سوناك جزءاً من الصورة الكبرى. ودافع الوزراء عن نائب رئيس حزب المحافظين الصريح لي أندرسون لقوله إن على المهاجرين الذين لا يريدون العيش على البارجة بيبي ستوكهولم Bibby Stockholm [فندق عائم تستخدمه السلطات البريطانية لإيواء طالبي اللجوء] أن "ينقلعوا إلى فرنسا".

وفي حين أسعد التغيير الحاصل في مساره الجناح اليميني في حزب المحافظين اليميني المطالب بحكومة "محافظة حقيقية"، إلا أنه أثار فزع المحافظين من تجمع "الأمة الواحدة" [تجمع من المحافظين الوسطيين] الذين يخشون أن سعي سوناك وراء أصوات المقترعين الأساسيين للحزب [النواة الداعمة للحزب] سيفضي إلى إحياء الصورة "الحزبية السيئة" وتنفر الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 50 وكذلك المحافظين الليبراليين. وكما قال وزير سابق في الحكومة "يكمن الخطر في أن استراتيجيته تروق لقسم واحد من دعم الحزب لكنها تنفر البقية. هناك كثير من الأشخاص الذين يحبذون فكرة حزب يمين الوسط - بما في ذلك كثير من الناخبين الذين لم يحسموا موقفهم ولم ينتقلوا إلى حزب العمال - لكنهم يمقتون هذه النغمة الشعبوية".

سوف يحذر المحافظون من تجمع "الأمة الواحدة" الأهدأ صوتاً من نظرائهم اليمينيين الصاخبين سوناك من إخلاء ساحة ناخبي الوسط وهي الشريحة التي تمنح الفوز بالانتخابات. وقد قال أحد كبار أعضاء مجلس النواب: "هناك مخاطرة حقيقية أنه في محاولته جذب تصويت الشريحة الأساسية [نواة الحزب] فإنه يضع نفسه بين فريقين لينتهي به الأمر بعدم إرضاء أحدهما".

ثمة شكوك أيضاً في عقر دار حزب المحافظين في ما إذا كان سوناك هو الرجل المناسب ليكون في واجهة مثل هذه الحملة. "أنه غير ملائم لها"، قال لي أحد المستشارين المحافظين، مضيفاً "صحيح أنه يميني أكثر بكثير من بوريس، لكنه لا ينفع للهجوم، أكثر ما يبرع ويستمتع فيه هو الانغماس في التفاصيل على غرار ما فعل في إطار عمل ’وندسور‘ [في شأن بروتوكول إيرلندا الشمالية] وإيجاد حل لمشكلة مستعصية. علينا أن نستغل نقاط قوته".

هناك خطر أن يلتبس الأمر على الناخبين بسبب التناقضات بين "ريشي الجديد" والشاب التكنوقراطي اللامع الذي اعتقدوا أنهم يعرفونه، وقد ينظرون إلى الهجمات الشديدة على حزب العمال كدليل على أن المحافظين لا يستطيعون الدفاع عن سجلهم خلال 13 عاماً في السلطة.

يصر حلفاء سوناك على أنه ليس بصدد إعادة ابتكار نفسه، وهم على حق، لقد صورت الأحداث سوناك على أنه محافظ ليبرالي على غرار ديفيد كاميرون، لكن وإن كان سوناك يشارك كاميرون سياسة المحافظة المالية التي جلبت التقشف بعد الأزمة المالية لعام 2008، إلا أنه محافظ اجتماعي. قاد كاميرون حزبه لدعم زواج المثليين، بينما استجاب سوناك لرغبات حزبه من خلال استخدام حق النقض ضد خطة الحكومة الاسكتلندية للهوية الذاتية للجنس، وهو يعبث الآن بمسألة المتحولين جنسياً.

لكن سيتعين على سوناك القيام بعمل أفضل مما فعله في سباق قيادة حزب المحافظين ضد تراس قبل عام، عندما اشتكى من "هراء تيار ووك" [ثقافة التنبه إلى التحيز والتمييز العنصريين] الذي "يريد إلغاء تاريخنا وقيمنا ونسائنا". إذا كان تحركه هذا قد هوجم من قبل جمهور حزب المحافظين، فكيف لنا توقع أن يكون مجدياً مع الناخبين؟

في أذهان الجمهور، لا يزال سوناك معروفاً بمخطط إعانة الأجور التاريخي الذي أدخله خلال الجائحة. لقد تباهى بإنفاق مبلغ 400 مليار جنيه استرليني قائلاً إن الأزمة "لم تكن وقتاً للأيديولوجيا والتشدد" وإنه سيفعل "كل ما يتطلبه الأمر". إلا أن هذا لم يكن صحيحاً تماماً: إذ يتذكر زملاؤه في مجلس الوزراء كيف قدم بلا رحمة خطة تعويض كوفيد للمدارس بقيمة 15 مليار جنيه استرليني.

وكان من دواعي سخطه أنه اقترض في الأشهر العشرة الأولى من عمله وزيراً للخزانة أكثر مما اقترضه غوردون براون في تسع سنوات. وكذلك أزعجته إجراءات الإغلاق التي وافق عليها جونسون، إذ كان سوناك في الجانب التحرري (ليبرتاري) من ذلك السجال.

غير أن الحال بدت مختلفة حين ذهب إلى النزال مع تراس. ولكونها كانت تعلم أين تكمن الأصوات، فقد أسعدها أن تكون إلى يمين سوناك [سياسياً]. قال سوناك لأعضاء حزب المحافظين "قيمي هي القيم التاتشرية"، موضحاً "أنا أؤمن بالعمل الدؤوب وبالأسرة والنزاهة أنا تاتشري الهوى وأترشح بصفتي تاتشرياً وسأحكم بهذه الصفة". كانت المشكلة أن تراس قد بدأت بالفعل عملها في الإشادة بتاتشر منذ كانت وزيرة للخارجية.

كان سوناك محقاً في القول إن موقفه الاقتصادي كان أكثر انسجاماً مع تاتشر التي أصلحت المالية العامة قبل خفض الضرائب، لكن وعده بتخفيض المعدل الأساسي لضريبة الدخل البالغ من 20 في المئة إلى 16 في المئة لم يلق آذاناً صاغية لأن تراس قالت لأعضاء حزب المحافظين ما يريدون سماعه، إذ تبنت نهج رونالد ريغان الخاص بالتخفيضات الضريبية الفورية لتعزيز النمو.

لذلك صورت تراس سوناك القادم من يمين الوسط على أنه المعتدل. وحصل سوناك على دعم نواب حزب المحافظين الليبراليين والوسطيين الذين يأملون في أن يكون "واحداً منا"، وكان من المفارقات أن نواب البرلمان من مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي أحبوا سوناك المؤيد للخروج، بينما توافد أنصار "بريكست" على تراس المؤيدة للبقاء منذ 2016.

كانت هذه القرائن عن "ريشي الحقيقي" التي نراها الآن موجودة من قبل، إلا أن بعض المحافظين وجدها ملائمة للتجاهل. ولكي نكون منصفين هو لم يخفها أبداً. وحين كان نائباً برلمانياً حديث الانتخاب في عام 2015، قبل صعوده السريع لمنصب وزير الخزانة، وصفه زملاؤه بأنه "ليبرالي اقتصادي واجتماعي كلاسيكي". وقال إنه "في الأوقات العادية يجب ألا يتجاوز الإنفاق العام 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي" (يبلغ حالياً 46.2 في المئة).

وفي بيانه الأكثر تفصيلاً عن فلسفته، وهي محاضرة مايس Mais لعام 2022، قال "أعتقد أن النظام المبني حول التبادل الحر للسلع والخدمات ومسؤولية الفرد وتقسيم العمل هو الطريقة الصحيحة أخلاقياً لتنظيم اقتصادنا"، لكنه أقر بلزوم أن تكون هناك حدود مفروضة على السوق الحرة.

هل سيتجه سوناك إلى العمل الصحيح؟ ومع أنه قد أزعج حزب العمال بعض الشيء، إلا أن فريق ستارمر لم يفقد توازنه. قال لي أحد كبار الشخصيات العمالية "هذا ليس سوناك، وهو يعرف ذلك. إنه رجل جاد وليس مقاتل شوارع قذراً، وهو غير مقنع بانحداره إلى هذا الحضيض ولن يكون قادراً على تحمله. يتعين عليه ويريد أن يثبت ما ستكون عليه حكومة المحافظين لولاية خامسة. إلا أنه من خلال تلطيخ سمعة حزب العمال والتهجم عليه، يبدو كما لو أنه يقاتل ضد حزب يتجه نحو النصر".

لا يزال بعض أعضاء البرلمان من تجمع "الأمة الواحدة" من حزب المحافظين يأملون في عودة سوناك القديم، أي البراغماتي القادر على حل المشكلات وتحقيق الاستقرار في الأوقات المضطربة السريعة التقلب، بيد أن تلك اللحظة قد مرت بالتأكيد: لقد سلك سوناك مفترق طرق يميناً وليس هناك من عودة إلى الوراء. مكمن الخطر في أنه قد يظل عالقاً في مكان غامض عاجزاً عن إقناع أعداد كافية من الناخبين الذين ستكون اهتماماتهم الرئيسة هي الاقتصاد وهيئة الخدمات الصحية الوطنية، وليس المراحيض أحادية الجنس أو المحامين اليساريين.

© The Independent

المزيد من تحلیل