ملخص
الأحزاب السياسية الفرنسية مختلفة في المسألة الأوكرانية لكنها متفقة في الملف الأفريقي... فكيف ترى انقلاب النيجر؟
شكل انقلاب النيجر انتكاسة جديدة لاستراتيجية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاه أفريقيا، وهو ما سيكون له حتماً ارتدادات على منطقة الصحراء الكبرى.
في المقابل لن يكون الداخل الفرنسي نفسه بمنأى عن هذه التداعيات، حيث من المرتقب أن يغذي إخفاق ماكرون المشاحنات السياسية مع اليمين المتطرف، الذي يسعى إلى اعتلاء دفة الحكم في الاستحقاقات المقبلة.
تعيش فرنسا راهناً عطلة سياسية خففت من حدة الانتقادات إلى الرئيس ماكرون الذي وجد نفسه حائراً أمام تسارع وتيرة الأحداث في النيجر التي قاد رئيس الحرس الرئاسي فيها عبدالرحمن تياني انقلاباً أزاح من خلاله الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم.
انتقادات يمينية
فيما لازم اليسار الصمت ما عدا تصريحاً يتيماً لجون لوك ميلونشون تحدث فيه عن الانتكاسة في أفريقيا، فإن اليمين المتطرف سارع إلى انتقاد ماكرون في مشهد بدا متوقعاً.
لوران جاكوبيللي المتحدث باسم التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن قال إن "المجلس العسكري في النيجر يظهر تفكك علاقتنا الخاصة مع أفريقيا، ويتحمل رئيس الدولة مسؤولية ذلك".
وأضاف جاكوبيللي في تصريحات بثتها وسائل إعلام فرنسية أن "هناك أمثلة عدة على أخطاء الرؤساء الفرنسيين التي تسببت في هذا التراجع مثل خطاب ساركوزي في داكار الذي تحدث عن وجود الرجل الأفريقي في العالم. بطريقة متعالية أو تصريحات إيمانويل ماكرون في أفريقيا أحياناً ما تكون مزعجة للغاية".
وشدد على أن "ماكرون مثلاً بتعليقاته حول معدل الولادات في عام 2017 يبعث برسالة مروعة، بما يتماشى مع الصورة التي يريد البعض أن يعطيها من فرنسا لهذه المسألة وهذا يعني أن فرنسا في رؤية البعض لا تزال مهيمنة للغاية في أفريقيا، وهذا غير صحيح".
وعلى رغم أنه لا توجد استحقاقات سياسية لافتة في المرحلة المقبلة إلا أن بعض المراقبين يرون أن اليمين المتطرف قد يرتكز على الانتكاسات الأخيرة من أجل تدشين حملة مبكرة تستهدف سياسات ماكرون وقد تعبد طريق هذا التيار السياسي الذي يركز عادة على قضايا الهجرة غير النظامية واللجوء إلى قيادة فرنسا.
الأصوات ستتعالى
من غير الواضح ما إذا كان الرئيس ماكرون يملك أوراقاً للرد على المعارضة على رغم أن طموحه السياسي قد يكون في تراجع، فهو يشهد ولايته الرئاسية الثانية، ولا يمكن له أن يترشح لولاية ثالثة دستورياً لذلك قد يتجاهل مناكفات بقية الأحزاب، لكن حزبه الذي غير اسمه إلى النهضة، قد يكون مستقبله على المحك على ضوء الإخفاقات المتتالية في أفريقيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الباحث السياسي المقيم في فرنسا نزار الجليدي يرى أن "فرنسا تعيش الآن عطلة سياسية وستعود الحياة السياسية الأربعاء وماكرون يدرك أن الأصوات ستتعالى بعد هزيمة دبلوماسية ثالثة، هزيمة الملف الروسي- الأوكراني والتبعية الراهنة للولايات المتحدة وهي هزيمة كلفت الفرنسيين الكثير على كل الحسابات".
وأوضح الجليدي لـ"اندبندنت عربية" أن "الأحزاب السياسية مختلفة في المسألة الأوكرانية، لكنها متفقة في الملف الأفريقي، لأنها تدرك أن فرنسا تعيش على ثروات أفريقيا حتى وإن بادروا بالحديث عن الهجرة غير النظامية وهم يعرفون أن مصدر تمويل فرنسا هي أفريقيا".
وشدد على أن "اليسار على لسان جون لوك ميلونشون الوحيد الذي صرح وقال إن من حق الأفارقة رفع هذه المطالب، خصوصاً أننا لم نجلب لهم سوى الويلات، لكنه كان تصريحاً فيه الكثير من المواربة والنفاق السياسي، لأن الحديث عن أفريقيا يتم فقط عن مخزونها وثرواتها".
وأشار إلى أنه "من باب المضاربة السياسية متوقع جداً أن يحاول كل طرف استغلال هذا الفشل لمصلحته ونشر غسيل الدبلوماسية الفرنسية بعد فشلها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، سيتم استغلال هذه الأزمة على مستوى مسائل الطاقة، لكن على المستوى الدبلوماسي ماكرون لا يزال يملك كل الوسائل وليس له أي مطمع رئاسي أو سياسي".
أقصى اليمين وأقصى اليسار
من المرتقب أن تنحسر المواجهة بين اليمين المتطرف واليسار، وقد يدفع ذلك الأول إلى التغيير من خططه في مقاربة الوضع في أفريقيا من مركزية قضية الهجرة غير النظامية في خطابه إلى التركيز على خطة قادرة على استعادة النفوذ الفرنسي المفقود، بحسب متابعين.
وقال الجليدي "ربما ستكون المقاربة الأفريقية هي المعركة بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، لكن أقصى اليمين ليس له أي مقاربة تجاه أفريقيا عدا مسألة الهجرة غير النظامية ولا يقر بأن أفريقيا هي خزانة فرنسا".
وبين الباحث السياسي أنه "ربما سيضطر أقصى اليمين إلى تعديل بوصلته وتهدئة الحديث عن الهجرة غير النظامية لذلك سيلجأ ماكرون إلى إحياء هذا السجال عبر تمرير قانون الهجرة مع استئناف الحياة السياسية".
وفي ظل عدم اتضاح استراتيجية الرئيس ماكرون لمواجهة الانقلابيين في النيجر ونظرائهم في مالي وبوركينا فاسو الذين تحدوا فرنسا بشكل لافت، فإن من المتوقع أن يرفع اليمين المتطرف من سقف طموحاته من خلال إحراج الرئيس ماكرون بفشل سياساته في القارة السمراء.