ملخص
"الدفعة الأولى تشمل 122 باصاً والصفقة تمثل حلاً موقتاً في إطار استراتيجية متكاملة تتضمن حافلات إيكولوجية محافظة على البيئة، ومجهزة بمصفاة جزيئات مطابقة للمواصفات الأوروبية"
أثار تسلم تونس قبل يومين الدفعة الأولى من الحافلات الفرنسية المستعملة، سخط التونسيين، حين أبدى عدد منهم امتعاضه من "استيراد حافلات فرنسية خرجت من الخدمة وانتهى عمرها الافتراضي، واصفين ما يحصل بـ"الارتهان إلى فرنسا واستيراد خردتها".
كما تساءل عدد آخر من التونسيين حول الجدوى من استيراد مثل تلك الحافلات المتقادمة، التي لا تتطابق والمعايير الدولية المعتمدة في السلامة وفي حماية المحيط، وقال البعض إن "تونس تستورد الحافلات الفرنسية المستعملة بعد أن استوردت النفايات الإيطالية"، ووصف آخرون العملية بـ"الفساد المتراكم منذ سنوات، داعين الحكومة الحالية في عهد الرئيس، قيس سعيد، إلى "تنويع شراكات تونس مع دول أخرى كالصين واليابان وغيرهما".
قدرنا الخردة الفرنسية؟
وفي الأثناء، أكد المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد بكلية العلوم في تونس، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "قدرنا أن يستورد التونسيون الخردة الفرنسية؟ هي ليست المرة الأولى التي تتعاقد فيها شركات النقل في تونس، مع شركات فرنسية لاقتناء حافلات متقادمة وخارجة عن الخدمة في فرنسا".
وأشار إلى أن "الحافلات التي اقتنتها الحكومات السابقة، تعطل أغلبها ولم تعمر طويلاً، بينما كان من الأفضل اقتناء نصف الكمية في الوقت الحالي بمعايير ومواصفات عالية، عوض اقتناء تلك المستعملة".
ويرى المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد، أن هذه "الصفقة مرتبطة بقرض مشروط من الجهات المانحة الفرنسية، بالتالي فإن المنظمة الفرنسية للنقل الحر هي التي تبيع تونس الحافلات التي تحال إلى المعاش في فرنسا"، مشيراً إلى أن "تلك الحافلات الخضراء اللون كثيراً ما نراها معطلة على الطرقات"، واصفاً العملية بـ"الصفقات الفاشلة التي تنم عن عجز الحكومات المتعاقبة في تونس".
صورة مسيئة لتونس
ويضيف الرحيلي أن "الدولة التونسية تطلب القروض والمنح، بالتالي يفرض عليها نوع رديء من الحافلات"، معتبراً أن "الصورة مسيئة لتونس"، وتساءل "لماذا نستقبل دفعة من الحافلات المهترئة والخارجة عن الخدمة لتقديمها للتونسيين لاستعمالها بعد أن استغنت عنها فرنسا؟".
وأضاف "لماذا لا تستورد تونس من جهات ودول مانحة أخرى؟"، معتبراً أن "تونس واقعة تحت سيطرة لوبيات (مجموعات ضغط) مالية واقتصادية تعيد إنتاج أسباب الفشل".
ضرورة ملحة
في المقابل، قلل عضو المكتب السياسي في حزب "التيار الشعبي"، جمال مارس، من حدة السخط التونسي تجاه "توريد حافلات مستعملة"، مشيراً إلى أن "العملية تأتي في سياق الظروف الصعبة التي تمر بها المالية العمومية التونسية"، واعتبرها "إجراءً استثنائياً فرضته الضرورة"، داعياً في الوقت نفسه، إلى "تنويع المبادلات مستقبلاً وعدم الاقتصار على فرنسا في معاملات تونس وشراكاتها الاقتصادية والمالية، مع العمل على الحفاظ على استقلالية القرار الوطني وتنويع موارد ميزانية الدولة عبر التوجه إلى أسواق أخرى لدفع الاقتصاد الوطني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد جمال مارس على أن "توريد حافلات مستعملة بات ضرورة ملحة أمام تنامي الطلب على النقل العمومي بخاصة وأن 70 في المئة من أسطول شركة نقل تونس معطل وخارج الخدمة"، واصفاً الوضع بـ"الكارثي".
وأشار عضو المكتب السياسي في حزب "التيار الشعبي"، إلى أن "الدولة تعمل على توفير المواد الأساسية وهي أولوية قصوى، بينما الحافلات المستعملة ليست إلا حلاً وقتياً في انتظار حلول جذرية لمعضلة النقل العمومي في تونس".
توجه نحو اقتناء 175 حافلة جديدة
في المقابل، أكد مدير عام شركة النقل في تونس عبدالرؤوف الصالح أن "صفقة اقتناء الحافلات المستعملة من فرنسا تدخل في إطار الحلول العاجلة لمجابهة الطلبات المتزايدة للنقل"، لافتاً إلى "ضعف أسطول شركة نقل تونس بشكل كبير، بخاصة أن 420 حافلة فقط تؤمن يومياً نقل المواطنين على مستوى تونس الكبرى".
وأوضح أن هذه "الحافلات خضعت للمعاينات الفنية والاختبارات من قبل فنيي الشركة ومهندسي وزارة النقل، وهي تتوافر على الشروط الكاملة للسلامة وتتطابق مع المعايير الدولية في حماية المحيط".
وأضاف أن الضرورة اليوم تقتضي "توفير النقل للمواطنين وتأمين عودة جامعية ومدرسية ناجحة وأن الشركة تعتزم أيضاً اقتناء 175 حافلة جديدة في المستقبل".
حل موقت
ويذكر أن وزير النقل، ربيع المجيدي، أعلن خلال زيارته ميناء حلق الوادي "تسلم الدفعة الأولى من الحافلات الفرنسية المستعملة التي اقتنتها شركة نقل تونس، استعداداً للعودة المدرسية المقبلة"، موضحاً أن "الدفعة الأولى تشمل 122 حافلة بينها 32 حافلة مزدوجة"، مبيناً أن الصفقة تمثل "حلاً موقتاً في إطار استراتيحية متكاملة، وهي حافلات إيكولوجية محافظة على البيئة، ومجهزة بمصفاة جزيئات مطابقة للمواصفات الأوروبية".
وقد تم الحصول على هذه الحافلات في إطار صفقة لاقتناء 300 حافلة مستعملة من وكالة نقل باريس المستقلة، ومن المتوقع أن يتم تسليم الدفعة الثانية، التي تتضمن 100 حافلة، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وأضاف المجيدي أن قيمة الصفقة الكلية لاقتناء الحافلات المستعملة تقدر بنحو 16 مليون دينار (5.3 مليون دولار)، فيما يصل سعر الحافلة الجديدة العادية إلى 450 ألف دينار (150 ألف دولار)، بينما يصل سعر الحافلة المزدوجة إلى 750 ألف دينار (250 ألف دولار).
"شبهات فساد"
وكانت شركة نقل تونس حصلت على مثل هذه الحافلات خلال أعوام 2015 و2016 و2017 وتستغل البعض منها إلى اليوم.
ويذكر أن إحدى المنظمات الرقابية كانت قد أكدت في تقرير نشرته السنة الماضية (2022)، وجود "شبهات فساد" في صفقة اقتناء الحافلات المستعملة في السنوات السابقة، لأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين شركة نقل تونس والمزود الفرنسي يتضمن "شروطاً قاسية، ما يجعل الصفقة محفوفة بالمخاطر في ما يخص الجودة الضرورية للحافلات المستعملة، كما أنها غير مضمونة النتائج، من حيث نجاعتها وكلفة صيانتها".