Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد خاتمي والأوفياء إلى النظام الإيراني

الرئيس السابق يطالب بإصلاحات طموحة لكن من دون تقديم الأسس القانونية لها

فتاة إيرانية تحمل لافتة داعمة لخاتمي في انتخابات رئاسية قبل سنوات (أ ف ب)

ملخص

الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي يدعو إلى تغيير أساليب الحكم في طهران لكنه لا يقدم الأسس القانونية لهذا التغيير.

هل يجب تعديل سلوك النظام الإيراني أم إسقاطه؟ هذا السؤال يتداوله الإيرانيون منذ أربعة عقود، في الواقع تفضل الدول المهتمة في الشأن الإيراني تعديل سلوك النظام، لكن خيار تغييره له أنصار كثر في الداخل، وازداد هذا العدد بعد الحركتين الاحتجاجيتين الأخيرتين.

ومع اقتراب ذكرى "ثورة مهسا"، أي الحراك الثوري للشعب الإيراني من أجل الحرية واستعادة الحكم يطرح السؤال أعلاه كثيراً. في الواقع يبدو في الوقت الراهن أن غالبية الإيرانيين منهم النشطاء السياسيون والأحزاب والمجموعات يؤمنون بإسقاط النظام أكثر من أي وقت آخر، ويسعى أنصار فكرة التغيير إلى طرح وجهات نظرهم على طاولة البحث.

وأدلى الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي أخيراً بتصريحات حول هذا الموضوع بعد فترة صمت لا نعرف في ما إذا كانت عن قصد أو تحت الضغط، إذ تحدث عن "تغيير أساليب الحكومة"، لافتاً إلى أن إسقاط النظام ليس ممكناً وليس مطلوباً.

فإذا كان إسقاط النظام غير ممكن، فلا مجال لبحث أهميته ولا أهمية لكلام الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.

وسعى خاتمي من خلال تحذيره من "الإسقاط"، وهي تعادل كلمة انهيار، أن يقدم صورة مروعة لمستقبل البلاد إذا ما تمكن الشعب من التخلص من هذا النظام. وكان عدد من المعارضين في الخارج استخدموا المصطلح نفسه الذي طرحه خاتمي، وهذه المرة لجأ إلى مصطلح "تغيير الأساليب" لكي يطرح الفكرة بشكل لا تترتب عليه تكاليف باهظة.

الرئيس الإيراني الأسبق قال إن الإصلاحيين من حقهم المشاركة في الانتخابات، لأنه أراد من خلال هذه التصريحات أن يقدم مشكلة إيران التي أساسها انتهاك السيادة الوطنية والاستقرار من خلال ولاية الفقيه على أنها مشكلة هامشية، لذلك يدعو إلى بقاء النظام لكن يطالب بضرورة تغيير سلوكه.

وكأن خاتمي يرى أن النظام يشبه ممثلاً بإمكانه أداء دور "هاملت" في يوم ودور "ماكبث" في اليوم الآخر، إذا قبلنا هذا التحليل فإن النظام الإيراني يفتقد إلى هوية سياسية وثقافية ويشبه الديك الرومي الذي تتغير ألوانه كل مرة أو مثل بروماتوس الآلهة اليونانية الأسطورية التي تعيش في ذاتها أحياناً وتتخلص منها أحياناً أخرى.

المشكلة أن خاتمي وباقي المروجين لـ"تغيير السلوك" و"الإصلاحات" لا يتحدثون عن كيفية هذا التغيير والأسس التي يقوم عليها التعديل والإصلاح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يطرح الرئيس الإيراني الأسبق خلال ثمان سنوات من توليه منصب رئيس الجمهورية موضوع تغيير سلوك النظام فما بالك بالإصلاحات، يروج أنصار خاتمي إلى أنه لم يكن قادراً على التغيير، وأنه كان واجه عراقيل متعددة كل مرة حاول فيها الإصلاح، من دون إشارة منهم إلى الشخص الذي يمنع الإصلاحات ويتحدثون عن العراقيل بشكل عام فقط.

كما أن خاتمي أشار في وقت سابق إلى أن رئيس الجمهورية في نظام الخميني لم يكن إلا منفذاً للتوجيهات، لكنه لم يكشف عن اسم الشخص الذي يتلقى منه أوامر التنفيذ.

يرى بعض أنصار "تغيير السلوك" أنه بالإمكان الوصول إلى هذا الهدف من خلال الاستفتاء، لكنهم لم يكشفوا عن الأسس القانونية التي يجب أن يجري على أساسها الاستفتاء.

فإذا ما تم الاستفتاء على أساس قانون نظام الخميني فإن هذه العملية يجب أن تحظى بقبول وتأييد "ولي الأمر" أو "القائد المعظم"، لذلك من المستبعد أن يوافق "القائد المعظم" على إجراء مثل هذا الاستفتاء لأنها تؤدي إلى سحب الصلاحيات غير المحدودة وتصبح صلاحيات المرشد محدودة. في نظام الخميني لا وجود للسيادة الوطنية، فالإجراءات الثورية والانتخابية يجب أن تحظى بقبول المرشد حتى تكسب شرعيتها.

لا ننسى أن الخميني عزل الرئيس المنتخب الراحل "أبو الحسن بني صدر" بأمر شمل تسع كلمات فقط، فتخيلوا أن "القائد" سيسمح بإجراء استفتاء، فهل يمكن حل الأزمات المستعصية في البلد من خلال الاستفتاء بكلمتي "نعم" و"لا"؟ لم يذكر خاتمي طبيعة السؤال الذي يجب طرحه على عامة الشعب خلال الاستفتاء.

الأنظمة المستبدة تقدم سراباً باسم الإصلاحات كلما رأت نفسها في خطر، فكان لينين طرح عام 1934 المشروع الاقتصادي الجديد (NEP)، وقال إن البورجوازية يمكن أن تعود وتسهم في إنقاذ البلاد. وكتب لينين لـ"كامنف" وهو أحد المقربين منه قائلاً "القضية المهمة هي استمرار نظام البوروتاريا لمدة يوم أو 100 يوم، كلما بقينا سيصعب الإطاحة بنا".

لكن مع الابتعاد عن خطر الإطاحة تخلص من برامج الاقتصاد الجديد ورماها في النفايات، وأعدم كامنف مع عدد آخر من الإصلاحيين رمياً بالرصاص باتهام الخيانة.

وفي عام 1950 طرح الديكتاتور الصيني ماو تسي تونغ متأثراً بلينين شعار "لتنبثق 100 وردة" لتضليل معارضيه وبث الأمل لدى أنصاره، لكن مع تراجع التمرد المناهض للشيوعية عاد ماو كقائد أعظم مرتدياً الزي العسكري ونفذ سلسلة إعدامات شملت عشرات الآلاف.

ثم في عام 1970 طرح الخمير الحمر في كمبوديا مشروع "الإصلاحات" وتمكنوا من خداع غالبية الشعب، منهم نوردهم سيهانوك وريث العرش في البلاد، لكن ما أن مرت الأزمة حتى شنوا حملة سفك دماء خلفت مليوني قتيل.

وفي إيران سار الخميني على النهج نفسه، إذ كشف عن مشروع من ثمانية بنود بعد غضب شعبي ضد النظام، وكانت البنود تصور النظام على أنه نظام ليبرالي، لكن ما أن تأكد المرشد أنه سيبقى خلف المنصة كشف عن ذاته الحقيقية بتنفيذ إعدامات شملت الآلاف من السجناء السياسيين.

لا أقصد تشبيه خاتمي وأصدقائه الإصلاحيين بسفاحين مثل لينين وماو وبول بيت والخميني، خاتمي شخصية هادئة مع قليل من الشجاعة ولا يرغب في أن يكون منفذاً للتعليمات، لكنه من خلال طرح سراب الإصلاحات يسعى إلى مساعدة المستبدين في إيران في العبور من هذه المرحلة الصعبة ليستمروا بالحكم من خلال القمع الشديد.

أنظمة مثل النظام الإيراني لديها قدرات للتغيير والإصلاح، وإنها مثل العقرب تلدغ على أساس طبيعتها وفطرتها.

توصل إلى هذه الحقيقة عدد من النشطاء الثوريين المناصرين للخميني منهم مير حسين موسوي، ثاني رئيس وزراء في نظام الخميني، إذ قال إن "العبور من النظام" يمثل السبيل الوحيد لإنقاذ إيران.

هذا الواقع اقتنع به مهدي كروبي أيضاً، لا ننسى أن كروبي كان من أشد المتشددين في نظام الخميني. واختاره المؤتمر الإسلامي الكبير في الخرطوم ضمن تسعة أشخاص في اللجنة المركزية للنهضة الإسلامي الدولية، وشملت اللجنة عدداً آخر من المتشددين منهم أسامة بن لادن وقلب الدين حكمتيار وعباس مدني ورجب طيب أردوغان وحسن الترابي، لكن في الوقت الحالي يعيش كروبي في كوكب مختلف.

المشكلة التي يعانيها وطننا تنبع من هبوط مكانة الدين، أي الإسلام إلى أيديولوجية سياسية، فالأديان يمكن أن تستغل من خلال أساليب مختلفة، وعلى هذا الأساس كان آية الله قيوه جي المعروف بمصباح يزدي ذكر أن الإسلام يعني "المثول المطلق" لتوجيهات آية الله علي خامنئي.

أصول الدين في الإسلام هي التوحيد والنبوة والمعاد، وأضاف إليها الشيعة العدل والإمامة. لا توجد في القرآن مصطلحات مثل الحكومة والدولة والسياسة والوزارة والانتخابات والشعب، أي أن القرآن لا يمكن أن يكون ميثاقاً لحزب سياسي، لكن الخميني وأنصاره فعلوا ذلك.

خاتمي يقول يجب حفظ النظام القائم على أساس الجمهورية والإسلام، لكن الجمهورية والإسلام لا يكملان بعضهما بعضاً، بل إنهما ضد بعضهما، والجمع بينهما يجني ضرراً لكلا المصطلحين، مثل التوأمين السياميين إذ إنهما يتمكنان فقط من الحياة إذا ما عزلا.

أؤكد أنني لا أنفي الاختلافات في الإدارة داخل الأنظمة المستبدة، مثلاً في النظام الإيراني كان علي أكبر صالحي وزير الخارجية الأسبق أفضل من حسين أمير عبداللهيان، كما أن خاتمي بغض النظر عن كفاءاته هو أفضل من إبراهيم رئيسي الذي يسدد كل مرة ركلة في مرمى إيران.

بعض الإصلاحيين يذكرونني بـ"رسلان الوفي" للروائي غورغي فلاديموف، وكان رسلان كلب حراسة في سيبيريا، إذ ترك وحده لكن وجد مكاناً في الملاجئ التي شيدها ستالين، وتصور الكلب أنها الجنة الموعودة لأنه يحصل على قوته كل يوم، كما أن السجانين المدججين بالسلاح يتعاملون معه بلطف وفي بعض الأحيان يرمون عليه كرة يتسلى بها.

المشروع الذي يسير عليه خامنئي في الوقت الحاضر هو ضرب من التلطف ورمي الكرة بواسطة انتخابات مجلس الشورى، وأعلنت وسائل الإعلام الحكومية في طهران أن 4 آلاف "رسلان" سجلوا أنفسهم لخوض لعبة الكرة.

وفي الوقت نفسه يعتري النظام الخوف من احتجاجات جديدة، لذلك يخطط لتشكيل ندوة لقادة الحرس الثوري نهاية شهر أغسطس (آب) الجاري من أجل التخطيط لمرحلة ما بعد "ثورة مهسا"، ويبدو أن الخشية من تجمعات الشعب سرت إلى تجمعات النظام.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل